|
إذا انهمر الضوء ومشهدية السرد
هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية
(Howaida Saleh)
الحوار المتمدن-العدد: 2881 - 2010 / 1 / 7 - 09:20
المحور:
الادب والفن
إذا انهمر الضوء بين مشهدية السرد ودلالة اللغة منى الشيمي في " إذا انهمر الضوء " تخرج عن أيديلوجيات الكتابة النسوية لقد انزاحت البلاغة اللغوية كلغة للكتابة ، وصار كتاب القصة أمام ثنائيات تحكم سرداتهم طالت أم قصرت ، فصار الكتاب يوقفون الذات أمام الآخر أيا كانت وضعيته ، وسواء كانت الذات متعارضة ومتعايشة في الآن ذاته ، صارت هناك ثنائيات تحكم السرد : المجتمع والفرد/اللغة الرسمية /لغة اليومي الشفهي و لغة المقدس المكتوب/الذهنية القروية و السلوك المديني المتحضر /الذوق الشرقي و الموضة الغربية . ثنائيات متعارضة، متطاحنة صار علي الكاتب أن يخوضها ، وأن يجد صيغة للملمتها ، وتفجيرها ، وبثها في نصه القصصي القصير الذي أصبح أكثر جرأة من حيث المضمون، وان كانت أحيانا تشتغل وفق جمالية المجاز لا الحقيقة ، فهي تمس موضوع الحرية الجنسية وتحولات القيم والعلاقة المختلة بالسلطة وصراع الأجيال وما شابه مما جعلها تمرق بسرعة فوق خارطة التابوهات المعهودة ، الجنس والدين والسياسة ، وتعمل علي تكسيرها . ولكن هل اللغة التي يكتب بها الكتاب نصوصهم القصصية قادرة علي حمل كل هذا الهم الباذخ ، وهل هم قادرون علي الانسلاخ كلية من الأيدلوجيات الشمولية وسياسات التنميط اللغوي ؟ إن الكتابة لدي الجديدة الجيل الجديد، هي تلك التي تجعل محورها الجسد و الحياة اليومية ، وفي مواجهة المقدس تمد الجسور الذات الفردية والميراث االتاريخي للذات الجماعية كتاريخ وجغرافيا . ولكن هل استطاعت الكاتبة العربية أن تحفر لنفسها خطا متميزا وسط هذه القفزات التي حققتها القصة القصيرة ؟ وهل استطاعت أن تتغلب على الأيدلوجية والثنائية التي تحكم حياتها ، كما تحكم إبداعها ؟ هذا ما نود أن نعرفه ونحن نغوص في عوالم مجموعة : " إذا انهمر الضوء " التي صدرت عن منشورات جائزة الشارقة للإبداع الأدبي . ربما تلجأ بعض الكاتبات إلى أساليب أدبية وجمالية،لا تتبنى فيها أي موقف مسبق من الرجل سوى تلك المواقف التي يفرضها السياق، ووضعيات الشخوص، لكنها حتما تتخذ من الكتابة وسيلة للاحتجاج على أوضاعها الاجتماعية والأسرية و السياسية، وعلى أوضاع المرأة عموما داخل المجتمع الذكوري، بل ربما حصرت بعض الكاتبات كتابتهن بين حجري رحى ، حجر الرجل المسيطر المتحكم بطريقة ما في حياة كل النساء ، وحجر المرأة الضعيفة المهمشة . هذا المنطق الثنائي الذي يسيطر في أحيان كثيرة على خطاب الكاتبات قد حاولت منى الشيمي أن تخرج عليه ، خروجات ولو كانت قليلة إلا أنها تدل على وعي الكاتبة بأهمية ألا ينحصر خطابها بين تلك الثنائية النمطية ، فنجدها تكتب بعض قصصها على لسان الرجل ، وتكون الذات الساردة في بعض النصوص ذات ذكورية تقع مثلها مثل الذات الأنثوية تحت القهر والتهميش .ففي قصة " في منتصف النهار " نرى رجلا كان قبيل السرد يعيش حياة آمنة مع زوجته وابنته ، حتى وضعته الكاتبة في مأزق حقيقي حين جعلت لصا يقتحم عليه شقته ، ويخدره هو وأسرته ويسرق ما يستطيع ويخرج ، لكن اللص يتم اكتشافه في جريمة أخرى مماثلة ، ويأتي به رجل الشرطة ليتعرف على الشقة والمجني عليهم ، وهنا نجد البطل الرجل في مواجهة رجولته التي غُيّبت حين يتخيل أن اللص دخل بيته ، وتكشف له عري زوجته وابنته ، ورش عليهم المخدر دون أن يفيقوا ثم خرج آمنا ولولا حظه العاثر ما تمّ كشفه ، ترصد الكاتبة في هذا النص هواجس الرجل ومخاوفه ، ورجولته المدعاة ، وآلامه النفسية في لغة دالة : " كنت أسير وأستطلع زوايا رؤاه ، يده التي ربما استندت في مكان ما ، عبثت بشيء ما ، سرير ابنتي ، تنام ورأسها جهة الحائط وقدماها جهة باب الغرفة ، باب حجرتها ملتصق بباب حجرتي ، أول الرؤى لو مد وجهه ليستطلع النائمين بالحجرة ، رأيت نفسي نائما ، مجموعة مبعثرة من الأعضاء لم يجمع شملها وقع حركة صدرت منه... تمنيت لو رحل الجميع حتى أختلي بها وأسألها ، ربما شعرت به ، اقترب منها وتحسسها ، لو فعل لشعرت به ، لو استيقظت لأيقظتني ، هل اقترب من البنت ؟؟ أفقت وأنا أتفحص ابنتي ، كل قطعة فيها" ، كذا الأمر ذاته في قصة " تمزق " حيث تضع الكاتبة الذات الساردة الذكر / الرجل في موقف يقتل فيه زوجته دون قصد في مشاجرة عادية ، ويظل طوال حركة السرد يخطط كيف يتخلص من الجسد الزوجة المقتولة حتى لا يتعرض للاتهام ، ولن يقدر على تبرير موتها غير المقصود ، نرى أيضا الرجل ممزق وحائر ، ويشعر بذات الضعف التي تشعر به النساء : " صوت يشبه صوتي يعلو ، يملأ سمعي ، أراني راكعا بجوار جسدها ، أضع يدي على أذني ، ودموعي تتساقط بغزارة ، يتلاشى الصوت وأعود لأسمع صوتي وأنا أردد " لم أقصد قتلها " . صوتي يعلو ، أخاف أن تستيقظ ابنتي فأصمت ، وأنظر لباب غرفتها ، الأخرى غير متواجدة ، في كليتها ، أما النائمة فتستيقظ متأخرة لأنها تسهر للمذاكرة ، يدي تمسح دمعي ، وعيناي متسعتان ، تحاول أن ترى الصورة كاملة " تحاول الكاتبة في نصوصها ألا تسمح بالوعي الأيديولوجي أن يتدخل في بناء الحكاية أو بناء الشخصية القصصية ، فتأتي القصص محملة بطاقات جمالية في لغة السرد التي تنسج بمهارة والوصف وتكوين أبعاد مادية ونفسية للشخصيات .نجدها في قصة " المفتاح " تجيد رسم الأبعاد النفسية والجسدية لجارتها التي داومت على التواصل معها ، وبثها أسرارها ، لكنها تتغير علاقتها بها دون منطق ، أو دون وجود حدث بعينه يستدعي هذا التغير ، فتموت رعبا ، ليس حرصا على علاقتها بتلك الجارة ، بل لسببين أولهما أنها لا تعرف سبب التغيير ،وتخشى أن تكون الجارة قد تنصت على بعض مكالماتها التي لم تكن بريئة تماما وهي تحدث آخر أشير إليه في السرد ، ولم تظهر علاقة الساردة به ، والسبب الآخر خوفها أن تستغل الجارة بعض الأسرار الأخرى التي تبادلتها معها ، نرى من خلال خيوط السرد ونحدد شكل الشخصية وأبعادها من خلال لغة سردية عالية الفنية ، وحريصة على جماليات الكتابة : " كان صمتها حقلا واسعا تنمو فيه أفكاري ، هل فعلت شيئا يضايقها ؟؟ ، هل وصل سمعها شيء عني يجعل من علاقتي بها أمرا شائكا ؟؟ ، جالت أفكاري في دروب الأيام السابقة بكل لحظاتها ، حاولت جاهدة استعادة كل لقاء جمعني بها ، الموضوعات التي ناقشناها ، الأصدقاء الذين علكنا سيرتهم ، الخبايا التي كشفناها لبعضنا البعض" في حين نجدها في قصة " عند حافة الضوء تقيم علاقة توازٍ بينها وبين جارتها التي ترصدها دوما من شرفتها المقابلة ، ومن خلال خيوط السرد تتكشف لنا علاقة الساردة الزوجية المنهارة بزوجها ، وذلك الجفاف الذي غلف علاقتهما فتقول : " ، خرجت إلى الشرفة فرأيت ضوءا باهتا ينير حجرتها ، ثم رأيت ظلها يروح ويجيء ، هل كان ظلها أم ظلي على باب شرفتها ؟؟ لم أع شيئا ، عدت للداخل وصفعت الباب . احتواني السرير من جديد ، زوجي يتحدث مع رفيق حلمه بكلمات غاضبه ، يزعق عاليا ويعود للشخير الرتيب من جديد ، دخلت تحت غطائي ، وتقوقعت كجنين يسبح في سائل مظلم ، مخاطي القوام ، وهج نار يلفح أطرافي" كذلك تعرف الكاتبة كيف تصور لحظات الضعف الإنساني بعيدا عن صراعات الرجل والمرأة ، فنراها في قصة " على وتر مشدود " تصور لحظات القهر والألم التي تشعر به فتاة معاقة جسديا أو مصابة بالعرج ، حين تنتقل للمكتب الذي تعمل به إحدى الموظفات المستجدات ، وكيف تحاول تلاشي الألم النفسي حين تكتشف الموظفة الجديدة لأول مرة عرجها ، تغوص الكاتبة داخل الذات الساردة ، وتصور لنا ذلك الصراع المؤلم في لغة مكثفة و دالة : " سرت أمامهن ، تقاطعت نظرتي مع نظراتهن في لحظة ، حاولت أن أثبت نظرتي على كل العيون ، أي واحدة – طالما أنظر لها – ستنظر لعيني ووجهي ، لن تنزلق نظراتها بعيدا ، لكن كيف أنظر لهن جميعا ، كيف أثبت نظرتي على عشرات العيون ؟؟ وقفت ، يدي على ركبتي تسندها ، أميل مع كل خطوة تخطوها ساقي اليمنى ، يميل جزعي وشعري وأفكاري ، تميل الرؤي أمامي ، حاولت أن أعدل من طريقة سيري ، أن يستقيم عودي رغم العرج ، ارتعاش يدي وهي تسند ركبتي ضايقني ، التف الثوب على ساقي .. وسقطت ، فهرعن لنجدتي . في النهاية لا يسعني إلا أن أقول إن منى الشيمي في مجموعتها : " إذا انهمر الضوء " قدمت لنا قصصا مشبعة أفادت فيها من التقنيات السردية ، وحرصت فيها على اللغة المجازية الموحية المحملة بالصور والمشهدية ، فهي تجيد رسم المشهد البصري ، وكأنها تمسك بكاميرا وتصور لنا الزمان والمكان والشخصيات في مهارة وسهولة . هويدا صالح كاتبة من مصر
#هويدا_صالح (هاشتاغ)
Howaida_Saleh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلم العدل الاجتماعي بين الظاهر بيبرس وجمال عبدالناصر
-
فكري الخولي / علمنا كيف يكون النضال السياسي
-
لأنك صدقت أسطورة عدلهم
-
الكاتب العربي ما بين السيرة الذاتية والسرد السيرذاتي ... خلو
...
-
باليه فتاة متحررة / جان دوبيرفال
-
الست كوم وفنون ما بعد الحداثة
-
ليل الثعالب
-
صورة المرأة في السرديات العربية / سيدة الأسرار نموذجا
-
حوار هويدا صالح في مجلة الفسيفساء الثقافية التونسية / محمد ا
...
-
برهان العسل بين كسر التابو ولغة الجسد غير الموظفة فنيا
-
شبابيك هدية حسين المفتوحة
-
الرماد في عيون من ؟!
-
النوستالجيا في ثنائية السفر
-
عطر البنفسج الذي شاغب روحها
-
جدلية الزمان والمكان في رائحة الغائب
-
أسئلة القصة القصيرة
-
سينما السبعينيات وحقوق الإنسان
-
النساء يبحثن عن كوي للضوء ما بين قاسم أمين والطاهر حداد
-
قراءة في قصص ذاكرة الجسد
-
المرأة الحزينة والمرأة الحالمة دوما
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|