خاطرة بين المسافات - تنمية الابداع والنشء الجديد

عصام عبد العزيز المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 2880 - 2010 / 1 / 6 - 22:57
المحور: الادب والفن
    

لقد بلغ مفهوم الإبداع درجة من التعقيد بحيث أن مجرد الوصول إلى تعريف جامع مانع لمفهوم الإبداع هو إبداع بحد ذاته ، وان عدم اتفاق الباحثين على تعريف واضح محدد للإبداع لم يأت من فراغ بل هو حصيلة عوامل عديدة منها تعدد جوانب الظاهرة الإبداعية وتعقدها وكثرة المجالات التي شاع فيها هذا المفهوم واختلاف مناهج الباحثين واستناد كل منهم إلى خلفية نظرية معينة Theoretical Background 0
ولو نستعرض بعضا" من هذه التعريفات لوجدنا مدى هذا الاختلاف بحيث عرّفه جلفوردGuilford بأنه ( تفكير في نسق محدود يتميز الإنتاج فيه بخاصية فريدة هي تنوع الإجابات المنتجة والتي لا تحددها المعلومات المعطاة)
وعرّفه روجرز بأنه ( عملية انبثاق أو توليد علاقة جديدة بين الفرد من ناحية والظروف أو المواقف ومافيها من أشياء وأحداث وأشخاص من ناحية أخرى )
أما المنظر التربوي الأمريكي الشهير تور انس Torrance الذي يسمى ( أب الإبداع ) فقد عرّف الإبداع بأنه ( عملية يصبح فيها الفرد حساسا" للمشكلات وأوجه النقص وفجوات المعرفة والمبادئ الناقصة وعدم الانسجام وغير ذلك ، فيحدد فيها الصعوبة ويبحث عن الحلول ويقوم بتخمينات ويصوغ فروضا" عن النقائص ويختبر هذه الفروض ويعيد اختبارها ويعدلها ثم يقوّم نتائجه في آخر الأمر ) وعرّفه شتاين Stein بأنه ( عملية ينتج عنها عمل جديد يرضي جماعة ما أو تقبله على أنه مفيد ) وكان للتربويين والنفسانيين العرب تعريفاتهم الخاصة بالإبداع حيث عرّفه المنظر التربوي المصري السيد عبدا لحليم محمود بأنه ( التفكير المرن الذي ينطلق في اتجاهات متعددة خصبة ، وهو الذي ينحو بالفرد نحو تغيير طريقته كلما تطلبت المشكلة هذا التغيير إلى معالجة جميع الاحتمالات الممكنة للمشكلة القائمة ، وخاصة إذا كان للمشكلة أكثر من حل صحيح ) 0

ورأى المنظر التربوي العراقي د0نوري جعفر الإبداع بأنه ( صفة مكتسبة تنشأ بالتدريب والممارسة نتيجة تفاعل إمكانيات الشخص المخية مع العوامل البيئية المحيطة ولاسيما الثقافية منها في موضوع تخصصه )


وعرّف عالم النفس السوري د0فاخر عاقل الإبداع في معجم علم النفس الذي وضعه من خلال تعريفه للفكر المبدع ، حيث عرّفه بأنه ( تفكير ذو نتائج خلاقة جديدة وليست روتينية ) 0
ولقد فنّد الأكاديمي العراقي الدكتور قاسم حسين صالح المنحى المرضى Tendency في تفسير الإبداع والذي يربط بين الإبداع والمرض النفسي والذي مازال يتردد في كثير من الكتابات بقوله : ( لو أن الإبداع حالة من حالات المرض النفسي أو العقلي ، فهل يكون هذا مسوّغا" إنسانيا" لكي نخلق أو نديم ظروف المرض النفسي أو العقلي لنحصل على مبدعين ؟ أم يكون العكس هو الصحيح ؟ ) 0
وهكذا نرى أن الإبداع ظاهرة متعددة الجوانب والأوجه . ويرى ماكينون Mackinnon وهو من الذين كتبوا عن الجوانب السيكولوجية للإبداع أنه لايمكن دراسة الإبداع إلا بالإحاطة بأربعة جوانب تجمع في ما يعرف ب 4 P of Creativity ( وهي الأحرف الأربعة الأولى من مكونات الإبداع وعناصره ) وهي كالآتي :
1- الشخص المبدع Creative Person
2- الإنتاج الإبداعي Creative Product
3- العملية الإبداعية Creative Process
4- الموقف الإبداعي أو البيئة الإبداعية Creative Press or situation
فالعنصر الأول يتمثل بالشخص المبدع يتطلب وجود خصائص معرفية وخصائص نفسية تميز المبدع عن غيره ، حيث توصلت نتائج العديد من الدراسات إلى وجود صفات معرفية يشترك فيها المبدعون وهي : الطلاقة اللفظية والأصالة والمرونة في التفكير وقبول الرأي الآخر ( النقد ) والذكاء المرتفع والخيال الواسع واستثمار المعرفة الموجودة لتوليد أفكار جديدة والقدرة على حل المشكلات وتحديد مشكلات جديدة وقوة البيان والقدرة على التفكير المنطقي في إصدار الأحكام وغيرها 0
أما بالنسبة للخصائص النفسية فإنها تجمع بين بعض التناقضات أو المتعارضات في الخصائص النفسية للفرد المبدع كالتحرر والسيطرة على الذات ، ثائر لكنه لايعمل ضد المعايير الاجتماعية ، يتميز بالاندفاع وسرعة الاستثارة وعدم ضبطه لتعبيراته الانفعالية ، وفي نفس الوقت يتميز بقوة الإرادة واحترام المطالب الاجتماعية والطموح والقدرة على ضبط الانفعالات ، وقد يعني هذا أن الفرد المبدع يعاني توترا" شديدا" للتوفيق بين المتعارضات الكامنة في طبيعته مع محاولته تحمل ذلك التوتر والحد منه ، ومايهمنا هنا في مكونات أو عنصر الإبداع هو البيئة الإبداعية ، وما نقصده بالبيئة الإبداعية هو المناخ بما يتضمنه من ظروف ومواقف مختلفة تيسر الإبداع أو تحول دون إطلاق طاقات الفرد الإبداعية ، وتقسم هذه الظروف إلى ظروف عامة مرتبطة بالمجتمع وثقافته بصورة عامة ، حيث أن الإبداع ينمو ويترعرع في المجتمعات التي تهيئ الفرصة لأبنائها للتجريب دون خوف أو تردد وتسمح بمزيد من الاحتكاك الثقافي والأخذ والعطاء بين الثقافات المختلفة ، وظروف خاصة ترتبط بالمدرسة والمعلمين وكل أطراف العملية التربوية 0
ولكي ترتقي المدرسة بالإبداع وتنميه يجب ( تحويل الصف الدراسي إلى مختبر يحضر إليه الطلاب للاكتشاف والبحث وان كان مايكتشفونه قد توصل إليه غيرهم : أي أنهم يتوصلون بأنفسهم وبمعاونة المدرس والكتاب إلى الاستنباطات الجديدة بالنسبة لهم ووفق مستوى تطورهم الثقافي واستنادا" إلى تفكيرهم المستقل لا أن يقتصر الأمر على مجرد تلقي المعلومات القديمة وترديدها بشكل آلي ببغاوي في أغلب الأحيان ) وهذا مانادى به د0 نوري جعفر 0
إن أهم ما يجب أن يعلمه كل معلم هو أن جميع الطلاب مبدعون وان من الخطأ الفادح تقسيم الطلبة إلى مبدعين وغير مبدعين ، فالاختلاف بينهم هو اختلاف كمي وليس في امتلاك السمة أو عدم امتلاكها 0
وان من معوقات الإبداع في المدرسة هي طرائق التدريس التقليدية Talk and Chalk
(إلقاء المحاضرات وإجراء التجارب حسب خطوات محددة سلفا" ) ونقص الإمكانات التربوية والمناخ التقليدي السائد في المدرسة المتمثل بالمعلم المتسلط 0
إن الإبداع كالصوت لايحدث في فراغ ، ولكي ترتقي المدرسة بالإبداع وتنميه فيجب توفير مانسميه بالمناخ المدرسي الإبداعي والمناخ الصفي الإبداعي ، حيث يتميز المناخ المدرسي الإبداعي بتقبل التنوع والاختلاف في الأفكار والاتجاهات واحترام الرأي والرأي الآخر وإتاحة الفرصة لكل فرد أن يعبر عن نفسه والعمل بروح الفريق وبمشاركة الأطراف ذات العلاقة والمطالبة بالحقوق مقابل القيام بالواجبات واحترام رأي الأغلبية 0

( نشرت في جريدة الزمان في العدد 2109 في السبت 5 من ربيع الثاني 1426 هجري المصادف 14 من أيار ( مايو ) 2005م صفحة أضواء صفحة رقم 11 )

#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات