|
من أين نبدأ بالإصلاح؟
عبدالرحمن النعيمي
الحوار المتمدن-العدد: 874 - 2004 / 6 / 24 - 07:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
أبدت بعض الدول العربية اهتماما شديدا، بعد الطفرة النفطية في السبعينيات من القرن المنصرم بنشر المدارس الدينية ونشر الدعوة السلفية في الكثير من البلدان العربية بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا، وكانت النتيجة انتشار المدارس الدينية التي ترعرت فيها الحركة السلفية التي شنت حربا على مجتمعاتها وعلى الدول التي يعيش أفرادها فيها، باعتبار ان هذه المجتمعات كافرة وانها تعيش جاهلية ويجب محاربتها، وشاهدنا الكثير من الأعمال الإرهابية في العديد من دول العالم التي لا علاقة لها بالصراع العربي-الصهيوني على أرض فلسطين.
وبعد ربع قرن نكتشف نتيجة ما تم بناؤه حيث صبت برامج التعليم المتخلفة أو الخاطئة في الوضع المأساوي المهمش الذي تعيشه قطاعات كبيرة من أبناء الشعب، اضافة الى العداء المشروع للولايات المتحدة الأمريكية حيال موقفها من القضية الفلسطينية واحتلالها للعراق، لنشاهد ان القوى التي تواجه الاعداء التاريخيين للأمة تقدم برامج لا تضعنا في موضع الند للند مع العدو وتكون قادرة في الوقت ذاته على تحقيق التقدم للمجتمع، بل يمكن القول إنها تضعنا خارج الفعل التاريخي، وتريد تقديم حلول لنا في الآخرة بدلا من الحياة الدنيا، ضاربة عرض الحائط بالحديث النبوي الشريف: «اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا.. واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».
من هنا تكتسب عملية إصلاح التعليم أهمية بالغة في البلدان العربية.. ليس لأننا نستمع الى ضغوطات الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد برمجة التعليم ليصب في التطبيع مع العدو الصهيوني وإنما نريد التعليم ليصب في تطوير الكفاءات والملاكات والمواهب المتجددة لدينا، وتصب في تعميق العلاقات العربية-العربية وزرع القيم الديمقراطية وفي تلبية سوق العمل وخلق أجيال من المهندسين والفنيين والعلماء القادرين على تحقيق قفزة نوعية في مجتمعاتنا.
وحيث تتحمل الدولة مسؤولية كبيرة خاصة في الدول الخليجية حيث العائدات النفطية تصب في خزينتها، فإن المجتمع يطالبها بتقديم خدمات أساسية من بينها التعليم والصحة والخدمات الأساسية بالاضافة الى البنية التحتية الضرورية. إلا أن تطور العملية التعليمية في منطقتنا لم يكن بالاتجاه الصاعد الذي يواكب المتغيرات والثورات العلمية والتقنية العاصفة في عالمنا، وانما بسطت بعض القوى المتخلفة هيمنتها على وزارات التعليم وفرضت خطها السياسي والفكري بحيث باتت وزارات التعليم وكرا لهذه الجماعات من جهة، تمارس من خلالها كافة أشكال التمييز الطائفي والديني والعرقي، أو متخلفة الى درجة كبيرة عن مواكبة احتياجات المجتمع وسوق العمل من المهارات والكفاءات العلمية والإدارية والتقنية، ودون تخطيط مستقبلي حيث باتت لدينا أعداد كبيرة من العاطلين من خريجي الكليات الأدبية بالدرجة الأساسية الذين يرون في الدولة وحدها ميدان عمل بحكم انها تحتضن البطالة المقنعة بامتياز شديد. وحيث بات الربح السريع والكبير هو الموجه للكثير من النشاطات في هذه المنطقة، فقد دخل التعليم هذه الخانة، واصبحت المدارس الخاصة والجامعات الخاصة هي التي تستقطب قطاعات محددة من أبناء الطبقة الوسطى في المجتمع، واصبح التعليم الرسمي مثار سخرية وتندر، بل ان بعض المسؤولين يدفعون باتجاه اضعاف التعليم الرسمي لصالح التعليم الخاص، مما جعل التعليم الرسمي بؤرة تفرخ أجيالا عاجزة عن الدخول في سوق العمل وعاجزة عن الاندماج في المجتمع المتقدم، ان لم تكن ناقمة عليه تفتش عن التنظيمات الارهابية التي تنفس عبرها عن بعض الكرب الذي تعاني منه.
وليس المطلوب إلغاء التعليم الخاص، بل نحتاج الى المزيد منه فالمنافسة تدفع باتجاه الأفضل، لكن من الضروري تطوير التعليم الرسمي، واخراجه من سيطرة قوى التخلف والتجهيل والتمييز الطائفي بحيث يقدم نموذجا للمساواة بين أبناء البلاد، ويكون في مستوى متطور باستمرار من حيث كفاءات المدرسين والأساتذة والامتيازات التي يحصلون عليها، بالإضافة إلى الاهتمام بالطلبة وتنمية مواهبهم وكفاءاتهم والاهتمام بالطلبة الموهوبين في كل البلدان العربية.
وإذا كنا نركز على القاعدة التعليمية، في الوقت الذي تتزاحم فيه المؤتمرات حول الإصلاح في المنطقة العربية سواء بضغط من قبل القوى الإصلاحية في البلدان العربية أو بضغط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وسعى بعض الحكام العرب لتقديم تنازلات شكلية لإرضاء واشنطن ولندن، فإن إصلاح التعليم يعني بناء المستقبل واصلاح الوضع السياسي يعني ترميم الحاضر، وبالتالي لابد من ترميم الحاضر ليكون قادرا على بناء مرتكزات قوية للمستقبل، وترميم الحاضر يعني المشاركة الشعبية الحقيقية في صنع القرار السياسي ومراقبة المال العام، وما يتطلبه ذلك من اطلاق العنان لقوى المجتمع لإقامة وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني المتحررة من قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، وحزمة القوانين التعسفية التي تكبل كل النشاط السياسي الشعبي المستقل.
#عبدالرحمن_النعيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع النعيمي في المشاهد السياسي
-
أهمية بناء الكادر للحركة السياسية
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|