|
الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 18:07
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ثمَّة خاصية منطقية مشترَكة بين الإرهابيين (من أفراد وجماعات) ومحاربي الإرهاب (من دول وحكومات).
كلا الطرفين يؤمِن بأنَّ "كل كلب حيوان"؛ وكلاهما، بالتالي، لم يَحِدْ عن "المنطق" قيد أُنملة في إيمانه هذا.
يحيدان عنه؛ بل يناصبانه العداء، في "الاستنتاج" الذي يتوصَّلان إليه، فَمْن بديهية، أو مسلَّمة، "كل كلب حيوان" يستنتجان أنَّ "كل حيوان كلب".
ولو كانا في صراع يُلْزمهما الانحياز التام والدائم إلى "المنطق"، لفكَّرا وعملا بما يوافِق "المثال المنطقي" الآتي: كل كلب حيوان؛ ولكن ليس كل حيوان كلب".
إذا كان بوش (مثلاً) من أهل الغرب فإنَّ الشيخ أسامة بن لادن (مثلاً) يُفكِّر ويعمل بما يوافِق "المثال المنطقي (أي اللامنطقي)" الآتي: بوش من أهل الغرب؛ وكل غربي يجب أن يكون (بالتالي) من أهل بوش.
وإذا كان بن لادن من أهل الشرق العربي الإسلامي فإنَّ بوش (وأوباما الآن) يفكِّر ويعمل بما يوافِق "المثال المنطقي (أي اللامنطقي)" الآتي: بن لادن من المسلمين؛ وكل مسلم يجب أن يكون (بالتالي) من جماعة بن لادن.
إنَّ "العمى" هو الذي يقود "حرب الإرهاب" و"الحرب على الإرهاب"؛ وكلا الخصمين نجح، وينجح، في خَلْق الآخر على صورته ومثاله.
وهذا "العمى" في البصيرة كان مشترَكاً بين الإرهابيين الذين يضربون مدنيين أبرياء وأولئك القادة والمسؤولين الحكوميين في الغرب الذين يسرعون في نَسْبِ تلك الجرائم الإرهابية إلى المسلمين، وكأنَّهم مِنْ مدرسة ذلك الفيلسوف الذي كان يَنْسِب كل شيء يجهله إلى "الروح"!
وفي "الإرهاب"، وفي "الحرب عليه"، نرى أيضاً الميثولوجيا تزدهر تفسيراً وتعليلاً.. ففي "تفسير ميثولوجي" للضربة الإرهابية في "عاصمة الضباب"، رأى "أبو عبد الله"، وهو الناطق باسم "أبو حمزة المصري" وخليفته في صفة "أمير" جماعة "أنصار الشريعة"، أنَّ استفحال "الزِّنا واللواط" في المملكة المتَّحدة هو الذي عاد عليها بهذا "العقاب الربَّاني". على أنَّ هذا "التفسير" لم يمنعه مِنْ أنْ ينسب التفجيرات الإرهابية في لندن إلى "أيدٍ خفية"، بعضها مِنَ "الحكومة البريطانية"، وبعضها مِنَ "جماعات الضغط اليهودية"، فـ "لأصحاب هذه الأيدي" مصلحة في "زَرْع الخوف" بين المواطنين البريطانيين. وهذا "أُسلوب هتلري استلهموه"، وقد يفيدهم، أيضاً، في "توريط" المسلمين.
منطقان متضادان تنطوي عليهما "الحربان" في "القرية العالمية"، فمنطق "حرب الإرهاب" هو "الضرب حيث تستطيع الضرب"، وليس "حيث ينبغي لك الضرب"، ومنطق "الحرب على الإرهاب" هو "الضرب حيث يضر ولا يفيد الضرب".
الإرهاب لا يستطيع أنْ يضرب حيث يجب أنْ يضرب، أي حيث يصيب مقتلاً مِنَ الخصم أو العدو، فـ "الأهداف" هنا ليست في متناول اليد. إنَّها في حصن حصين، وفي بروج مشيَّدة. وتستطيع الدول والحكومات أنْ تحمي تلك الأهداف بقليل مِنَ الجهد.
ولا شكَّ في أنَّ العداء للولايات المتحدة وحلفائها كان سيُتَرْجَم بـ "أعمال قتالية مختلفة"، يصعب إدراجها في مفهوم "الإرهاب"، لو كان ممكناً ضربها، وضربهم، حيث يجب الضرب، أي حيث يصيب مقتلاً منها، ومنهم. لقد اجتمع فيها، وفيهم، "الظًُلم العظيم" مع "الجبروت"، فكان لا بدَّ لهذه "الوحشية المنظَّمة" مِنْ أنْ تُنْتِج، في المظلومين الضعفاء، نقيضها، وهو "الوحشية العشواء".
المظلومون فشلوا في خوض "الحرب النظيفة"، وفي خوض الصراع الذي ينبغي لهم خوضه في سبيل التغيير الذي يحتاجون إليه، فخرج الإرهاب مِنْ رحم هذا الفشل، الذي تحوَّل إلى "نجاح" في قتل مدنيين أبرياء حيث يمكن قتلهم، وليس مِنْ مكان يصعب فيه قتل وإيذاء المدنيين الأبرياء.
والإرهاب يستطيع "إعالة نفسه بنفسه"، فبضعة أفراد، وبقليل مِنَ الجهد والمال يستطيعون اقتناء وسائل ومواد للقتل والتدمير، واستعمالها، مِنْ ثمَّ، في ضرب مدنيين أبرياء في هذا الموضع الذي يحتشدون فيه أو ذاك.
ولجعل "الهدف"، الذي في متناوَل الأيدي، في متناول العقول والنفوس أيضاً، يُصوَّر قتل المدنيين الأبرياء على أنَّه عمل مُبرَّر حتى مِنَ الوجهة الدينية والأخلاقية، فالبشر يخترعون مِنَ الأخلاق والعقائد كل ما يُبرِّر لهم ارتكاب الجرائم، فالسائح الغربي الذي جاء إلى شرم الشيخ، مثلاً، إنَّما جاء لنشر الفسق والفجور. ويكفي أنْ يُفسَّر وجوده ومجيئه على هذا النحو حتى يصبح قتله هدفاً بحدِّ ذاته.
وتَعْظُم "المصيبة" مع الانتقال إلى ما يشبه "التبرير السياسي"، فهذا "العمل" يفهمه القائمون به، ومؤيِّدوهم، على أنَّه تجريعٌ لـ "العدو" مِنَ العذاب ذاته الذي يُذيقنا في فلسطين والعراق وأفغانستان، فهو يرتكب الجرائم في حق مدنيينا الأبرياء العُزَّل مِنْ أطفال ونساء وشيوخ، ولا بدَّ لنا، بالتالي، مِنْ أنْ نُذيقه العذاب ذاته لعلَّه يرعوي. وهذا "التبرير" يستمدُّ مزيداً مِنَ "المنطق" مِنْ عواقب "التفوُّق القتالي" لـ "العدو"، فهذا التفوُّق يمنعنا مِنْ ضربه حيث يجب أنْ يُضْرَب، ويَحُولُ بيننا وبين خوض "الحرب النظيفة"، أي الحرب التي تكفينا شرَّ هذا "الإرهاب الأعمى".
إنَّ "الإرهاب" هو "العنف" الذي "يستهدف" المدنيين الأبرياء العزَّل، بصرف النظر عن جنسهم وجنسيتهم ودينهم، توصُّلاً إلى "هدف سياسي". والعجز عن خوض "الحرب النظيفة" ضدَّ عدو متفوِّق عسكرياً يجب أنْ يشدِّد الحاجة إلى "المقاوَمة الشعبية الشاملة والمنظَّمة"، وليس إلى "الإرهاب"، وضرب "الأهداف (المدنية) الرخوة".
وما يكسب الإرهاب مزيداً مِنَ "الجاذبية" أنَّ الخسائر التي تتكبدها المجتمعات في مكافحته ومحاربته تفوق كثيراً الخسائر التي يلحقها بها مباشَرةً، وكأنَّ "الوقاية" قنطار، و"العلاج" درهم!
"الإرهاب الأعمى" لا ينال مِنْ قوَّة "العدو"، وإنَّما يزيده قوَّة، وهو لن يؤدِّي إلاَّ إلى مجتمعٍ زُرِعَ فيه مِنَ الخوف ما يكفي لجعله في مَيْلٍ أشد إلى التضحية بكل تلك القيم والمبادئ التي لنا مصلحة حقيقية في بقائه مستمسكاً بها، فهذا "الإرهاب الأعمى" إنَّما يزرع مع "الخوف" أسباب "النازية" و"العنصرية"، ويرفع، حتماً، منسوب "الوحشية السياسية" في "العولمة"، التي هي، بِحُكْم طبيعتها الرأسمالية، مُحبَّة لـ "الوحشية"!
ومع أنَّني لستُ مِنَ المعتقدين بجدوى محاربة الإرهاب في "داخل العقول والنفوس والنصوص"، وكأننا نسعى لإزالة الشيء مِنْ خلال إزالة صورته في المرآة، فإنَّني أُؤيِّد الدعوة إلى حملة عربية قومية ديمقراطية من أجل "بتر واقتلاع الفكر السلفي التكفيري"، الذي يتوفَّر دعاته وعلماؤه ومشايخه على تأويل "النص الديني" في طريقة تُظْهِر الإسلام على أنَّه العقيدة التي يمثِّلها خير تمثيل أسامة بن لادن، وأمثاله، مِنَ "المجاهدين"، الذين، عن وعي أو عن غير وعي، لا يعرفون مِنَ الجهاد إلاَّ ما يعود بالنفع والفائدة على الولايات المتحدة وإسرائيل في "جهادهما" في سبيل القضاء على ما بقي لدينا مِنْ قوى البقاء القومي.
هؤلاء المشايخ، الذين يمثِّلون في أفكارهم وعقائدهم الموات الفكري والحضاري والإنساني، يتَّخذون "الاحتياج الديمقراطي والقومي والاقتصادي والحضاري والإنساني" لدى شبابنا سوقاً لبضائعهم الفكرية الفاسدة والمغشوشة، فالمحتاج لا بدَّ له مِنْ أنْ يلبِّي حاجته، وليس في "السوق"، التي تحميها حكوماتنا بـ "الديمقراطية الغائبة المفقودة"، غير تلك البضائع، فيُقْبِلُ عليها، كمثل جائع يتضوَّر جوعاً فلا يجد شيئاً يأكل غير معلَّبات غذائية فاسدة انتهت صلاحية استخدامها منذ زمن طويل.
مَنْ أراد، حقاً، مكافحة الإرهاب، عليه أنْ يقرَّ، أولاً، بحاجة شبابنا، الذين يرون العدم خيراً مِنَ الوجود، إلى أنْ يبادِل عدوه القومي، أي إسرائيل والولايات المتحدة، عداءً بعداء، وإلى تجربة سياسية تقنعه بأنَّ لديه مِنَ الحقوق والحرِّيات الديمقراطية، ومِنْ احترام الحكومات وأنظمة الحكم لها، ما يمكِّنه مِنْ أنْ يكون سيِّد نفسه، وصانعاً للتغيير الذي يريد ويحتاج إليه.
شبابنا لا يرى مِنْ وجود فعلي له في الحياة السياسية، وكأنَّ الوطن سجن وسجَّان. ولا يرى مِنْ حكوماته، في كل معارك الدفاع عن الوجود القومي، إلاَّ "الامتناع" و"المنع"، فهي ممعنة في الامتناع عن "الدفاع (غير الإرهابي)"، وفي منع شعوبها ومجتمعاتها مِنْ أنْ تقوم هي بنفسها بالمهمة. شبابنا هذا ليس مِنْ خيار له إلاَّ أنْ يستجير مِنْ رمضاء حكوماته بنار "مشايخ الإرهاب والتكفير والتزمُّت"، وكأنَّ حكوماتنا لم تحكم إلاَّ بما يؤدِّي إلى تمليك هؤلاء المشايخ "مستودعات بشرية"!
مَنْ أراد، حقاً، مكافحة الإرهاب، عليه أنْ يدل شبابنا على "الطريق القويم" إلى حماية وجودنا القومي مِنْ إسرائيل والولايات المتحدة، فنحن، في مبادَلتنا لعدوِّنا القومي هذا عداء بعداء، لا نحتاج إلى نبذ الصراع، وإنَّما إلى تعلُّمه وإتقانه، وإلى أنْ ننبذ، إلى الأبد، الأُسلوبين الفاشلين: أُسلوب حكوماتنا وأُسلوب أسامة بن لادن.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
-
احذروا فضائيات التكفير!
-
شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
-
قيادات في تيه سياسي!
-
-جدارٌ فولاذي- لفَلِّ -الأنفاق-!
-
أزمة الإصلاح السياسي والديمقراطي في الأردن
-
الحقُّ في السؤال!
-
معالي الوزير!
-
ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!
-
بين مفاوضات مُفْلِسَة ومقاوَمة عاجزة!
-
أعداء -السببية- يَنْعُون -السبب-!
-
هذا التمادي في شتم العرب!
-
الطريق الملتوية إلى -الدولة ذات الحدود المؤقَّتة-!
-
رياضة بروح سياسية.. وسياسة بروح رياضية!
-
طاب الموت يا طابة!
-
-نعم- للقرار الدولي.. و-لا- لإعلان الدولة!
-
مسار -الدولة من طرف واحد-.. ماذا يعني؟
-
عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!
-
بعض من ملامح -البديل- الفلسطيني
-
ما هي -المادة-.. وكيف يُمْسَخ مفهومها ويُشوَّه؟
المزيد.....
-
-أنا-.. فيفي عبده تتصدر غلاف أغنية ويجز الجديدة
-
محمود عباس يصدر إعلانا دستوريا بشأن من يتولى السلطة الفلسطين
...
-
مأساة غزة: قصف مدرسة يلجأ إليها النازحون في حي الزيتون
-
الولايات المتحدة تستعيد ثلاثة مواطنين محتجزين في الصين
-
إنقاذ 5 أشخاص بعد غرق اليخت السياحي في البحر الأحمر المصري
-
بعد أنباء عن وصول وفد مصري لبحث الصفقة.. مصدر سياسي إسرائيلي
...
-
الجزائر: النيابة العامة تستجوب بوعلام صنصال واتهامات له بالع
...
-
الجزائر: نواب أوروبيون يدعون للإفراج فورا عن بوعلام صنصال
-
وزراء خارجية مجموعة السبع يدينون -الأنشطة الخبيثة- لروسيا في
...
-
التصعيد الروسي الأوكراني: ما مواقف الدول المغاربية من احتمال
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|