|
أم جمعة
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2878 - 2010 / 1 / 4 - 23:30
المحور:
كتابات ساخرة
أم جمعة امرأة كردية من بامرني في حدود الخمسين من العمر، كانت متزوجة في قرية بيشيلي التي نتردد عليها بين الحين والآخر، اختزلت طيبة جميع النساء وحنانهن وعاملتنا كأبنائها.. كانت تعدُ لنا اشهى المأكولات وتتطلب من بنتها وابنها جمعة مساعدتنا بأقصى ما يمكن وتصدر الأوامر لهما بالأسراع فيتلبية حاجاتنا من مطبخها وهي تعد لنا الطعام بعجالة: ـ هيا اشعلوا النار وأجلبوا الصابون كي نستحم واحداً تباعا ً، كأنه واجب وفرض عليها.. كانت تغمرنا بحنانها وهي تقلبُ اسياخ اللحم المشوي لتقدمها لنا واحداً بعد الآخر، وحين نعلن عن شبعنا واكتفاؤنا .. تلحُ علينا لتناول المزيد من الطعام وانْ لمْ تفلح تنهرنا كأننا أطفال صغار لا يقدرونَ خطر الجوع، ومع أحمد بامرني يكون لها تصرفا ً آخر وتختار لهُ كلمات أخرى تقول مازحة:.. ـ هيا.. هيا واصل الأكل بلا تردد .. بطنك كبيرة وتتحمل المزيد.. كل يا بني... هذه اللحمة المشوية ولا تتركها في الصحن تبرد... ـ ولكن يقولون القطعة الأخيرة هي رأس الحماة .. هل ترغبين أن التهم رأس حماتي؟ .. ـ كل ولا تهتم بأمثال الفلاحين.. انتم بحاجة للغذاء وقد تبقون أياما ً بلا طعام.. هكذا تعودنا على أم جمعة وهي تنادينا وتخاطبنا كأننا أولادها الحقيقيين.. بتنا لا نشعر بالخجل في بيتها ونطلب من جمعة أن يجلب معه من دهوك بعض احتياجاتنا الخاصة عند عودته في كل خميس. إذ كان طالبا ً في الثانوية آنذاك... هكذا كانت في كل مرة نذهب اليهم، لا تتردد في تقديم ما يمكن تقديمه لنا عن طيب خاطر.. لقد كانت منسجمة مع نفسها وهي تقدم لنا الأطعمة من محتويات بيتها عن قناعة.. لا شك انها تشعر بالسعادة، كما كنا نحنُ فرحين باستقبالها المميز لنا... هذه طبيعتها لا تفتعل التصرف، ولا تتكلف أو تتصنع اداء الدور... لم تغيرها الأيام بقيت تستقبلنا وتودعنا في كل مرة بذات الكلمات الوديعة طالبة منا المزيد من الأنتباه والحذر.. كونوا يقظين.. لا تدعو العدو يظفر بكم.. إياكم أن تناموا في الأماكن الخطرة.. وتتمنى لنا السلامة وتتطلب من رب الكون أن يحمينا ... بدورنا كنا نشعر كأننا نودع اما ً حقيقية، ونتلهف للعودة الى احضانها باسرع وقت ممكن.. لم يكن هذا هو الوجه الوحيد لأم جمعة.. كانت طيبتها تتحول في بعض الحالات الى قوة تتفجرُ بوجهِ من لا تودهُ ولا ترضى عن تصرفاته وسلوكه بكلمات غاضبة قاسية.. في ليالي السمر يروي اهل القرية عنها قصص وحكايات ومواقف ساخرة، يتباهون بمواقفها وشجاعتها. من بين تلك الحكايات.. قصتها مع مجموعة رجال من المرتزقة دخلوا القرية مع قوات الجيش، حينما انتهوا من التفتيش تقدموا نحو دارها ليطلبوا منها تهيئة طعام فدعتهم للجلوس.. ودخلت المطبخ مع بنتها لتلبية طلبهم. كان ضيوفها على عجلة من أمرهم ينتظرون بفارغ الصبر وجبتهم الشهية التي تعدها أم جمعة مع بنتها.. لذلك سمعت بعد دقائق أحدهم يناديها: ـ خالة نحن مستعجلين.. أين هو الفطور؟.. وعلق زميل له لا تستعجل دع الخالة تعد لنا الطعام بهدوء.. لا تخبصها قد يحترق البيض.. وقال آخر: ـ أهل هذه القرية يشتهرون بالجبن واللبن وقد حدثني أبي عن طرقهم الخاصة باعداد الجبن إذ يتفننون بمزجه بنوع من الخضار الجبلي الذي لا ينبت إلا في هذا الجبل القريب.. ومرّ الوقت... كانت الخالة ام جمعة تسمع نداءات متكررة من "الضيوف الأعزاء" فقررت استقبالهم استقبالا ً خاصا ً يليق بهم.. هاهي تعِدُ الصحون واحد .. اثنين .. ثلاثة..... اثنا عشر صحناً بالتمام والكمال على عددهم وسط ذهول ابنتها مما تشاهدهُ فتساءلت: ـ ماذا تفعلين يا اماه؟ ماهذا الذي تضعينه في الصحون؟ ـ اسكتي هذا ليس شغلك.. انتِ لا تعرفين نوع الطعام الذي يحبه هؤلاء الضيوف.. ستكبرين وبعدها تدركين طبيعة هؤلاء وولعهم بهذا الطعام الخاص.. تشربك الأمر على الفتاة.. كانت المرة الأولى التي لا تفهم ما يجري حولها.. لم تعد تفهم ماذا تفعلُ امها.. بقيت مشدوهة لآخر حركة من يديها.. حينما انتهت من اعداد الصحون حملت الصينية الكبيرة على رأسها لتنقلها الى غرفة المنتظرين.. لكن أحدهم وللمرة الثانية علا صوته: ـ خاله... اين الفطور؟.. هل تريديننا ان ننسحب ونحن جياع؟... لم تجبهُ.. تقدمت خوطتين نحو وسط الغرفة.. قبل ان تنحي لتضع الصينية بمحتوياتها امامهم امتدت اعناق البعض منهم لترى ما في الصحون المرصوفة بعناية على شكل حلقة دائرية مملوءة بالشعير اليابس فقط.. فامتقعت وجوههم... وتساءل أحدهم مستنكرا ً: ـ ماهذا؟ فطورنا شعير يابس؟! ردت أم جمعة بهدوء يحملُ سخرية لا يسعها الكون: ـ نعم شعير الستم جحوش.. وهذا طعامكم المفضل؟!!.. صباح كنجي ــــــــــــــــــــ مقتطف من كتاب يعده الكاتب بعنوان حكايا الأنصار والجبل
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رمزي
-
أيّها الشيوعيون لهذه الأسباب -لنْ انتخب قائمتكم-.!!
-
في منتصف الطريق..
-
الصورة وذاكرة الحدث قيس شاكر
-
صومُ رمضان يكشفُ زيفَ ونفاق -المؤمنين-
-
بالمختصر..3 مشهد.. كنتمْ خيرُ امةٍ اخرجتْ للناس ِ!!
-
حوار عن البيئة مع الدكتور الشذر
-
بالمختصر..2
-
بالمختصر
-
الموصل أم شعب الموصل؟.. نقاش في السياسة مع البروفيسور سيار ا
...
-
من ذاكرة الشيوعيين العراقيين في بحزاني..2
-
من ذاكرة الشيوعيين في بحزاني ...
-
طين النار - مهداة إلى ذكرى جمعة حاجي كنجي
-
الحزب الشيوعي العراقي يساهم في غزو الكويت..!
-
افتحوا الأبواب لعبير الناصرية المتجهِ للبرلمان الأوربي..
-
البعدُ الميثولوجي في ..
-
عراقيون من زمن ِ أهل ِ الكهفِ سينتخبونْ..!!
-
الفرحُ الحزين في زمن إرهاب الدين ..!
-
ثمرٌ مِنْ زمن ِالردةِ والانحطاطِ
-
العولمة وخطر تفشي الإرهاب الديني...
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|