وجيهة الحويدر
الحوار المتمدن-العدد: 874 - 2004 / 6 / 24 - 07:16
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
هل توجد هناك علاقة بين تناسق الجوارب وإزهاق الروح؟؟ سؤال للوهلة الأولى يبدو غريبا ومحيرا، أو ربما يبدو للبعض انه طرح ساذج ينم عن بلادة ذهنية..لكن حقيقة هو سؤال في غاية الأهمية. هناك علاقة عكسية متسارعة بين الجوارب المتناسقة الجميلة المظهر وإزهاق الروح بوحشية لجسد ضعيف معدم. قد لا ينتبه لتلك العلاقة سوى القلة من الرجال، لكن ودون أدنى شك يعي ماهيتها غالبية النساء.. لنبدأ الحكاية من البداية.. تغيبت الموظفة الأم في يوم ما لسبب ما عن بيتها، فليكن لرحلة عمل اضطرارية..فألقيت المسؤولية بكاملها على كاهل الأب المتيـّم بعمله خارج أسوار المنزل لا داخلها.. في اليوم التالي رن جرس المنبه معلنا بدء صباح ندي، محمل بأتعابه ومشاغله وحلوه ومره..الأولاد في حاجة لمن يُوقظهم من سباتهم.. ويقتلعهم من أسرتهم.. ليستعدوا للذهاب لمدارسهم..المعضلة ما بعد البديهيات والتي تتجسد بتبعاتها..الطفلة تستيقظ من نومها تحتاج لمن يذكرها بأجندتها اليومية..الاغتسال وتفريش الأسنان، ثم ارتداء الملابس المناسبة.بعدها تناول الإفطار ومن ثم التأهب لحافلة المدرسة..هموم تبدو بسيطة جدا لكنها للأمانة ليست كذلك..لأنها تؤجج سؤالا مهما وهو: أين الجوارب المتناسقة؟ لم ترتدِ الطفلة جواربها التي تـنسجم بوئام مع زيها المدرسي!! الأب لم يكترث أبدا لتلك الجزئية..ولا يعتبره أمرا يستدعي الانتباه..في هذه اللحظة تنكشف الأوراق، ويتعرى الأب إمام نفسه..حيث يبـّين المظهر الخارجي لأبنائه مدى الجهد والوقت الذي استهلكه من اجلهم واستثمره فيهم. تلك مؤشرات صارخة، تفرز من يُـقيد شمعات البيت باهتمام شديد ومن يقبل بتوهج باهت بين الحين والحين. قد يعتبر الذكور ذلك شأن أنثوي بحت، أو "شغلة حريمي" كما يطلق عليه الخليجيون، أو ربما البعض يراه على انه قلة عقل! سموه ما شئتم. بالنسبة للأم يجب أن ترتدي الطفلة أو الطفل الجوارب التي تتماشى بألوانها وزهوها مع المظهر الخارجي..دقة اختيار الألوان..والالتزام بمبدأ التناسق..يوضح حقيقة المشاعر المتدفقة للمرأة ناحية ذاك الآدمي الصغير، الذي يعيش بين أحضانها وفي كنفها..كم أب يعرف ماذا تلبس ابنته من جوارب؟ بل كم أب أعار اهتماما يوما لما يرتديه صغيره من ملابس بشكل عام؟ وكم أب يطبع كل يوم قبلة على وجنة ابنه حين يغادر بحقيبته الصباحية إلى مدرسته؟ قلة بالطبع! ومن تلك النقطة تبدأ الدائرة الأهم والأكثر إنسانية..المرأة تصرف وقتا في التفاصيل والشؤون الصغيرة ولذلك مدلوله، لأنها تقـّدر الأكبر وتحترمه وتثمن ثقله وهو الجنس البشري. فكما كانت تردد "ماذر تريزا" دائما "إن كل قطرة في المحيط بنفس القدر من الأهمية"، لذلك رأت "ماذر تريزا" ان لقيط الشارع المتهالك المبتذل، حياته مهمة وغالية كحياة أكبر قائد لأعظم امة..أيضا المرأة تُثمن قيمة الإنسان الصغير بقلب صادق، لأن ذاك الآدمي الضئيل البنية سيكبر يوما وينضج ويمد الحياة بأبعاد أخرى..لذا لا بد أن يتنامى متكامل مرتاح، مطعّم بحب ومحبة، ومسربل باهتمام وعناية..لا يفتقر لأي شيء في هذه الدنيا، سوى أن يخوض تجارب حياتية أخرى بعيدا عن أحضان أمه..
هل اتضحت العلاقة بين الجوارب وإزهاق الروح؟ لنرى ذكور هذا العالم، الغالبية الساحقة منهم لا يعرفون شيئا عن الأطفال، همهم توفير الزاد وأحيانا يزايدون أفراد أسرهم عليه..يكبرون الصغار دون أن يشعر آباؤهم كيف ومتى جرى ذاك الحدث تحت أسقف منازلهم..بعض الآباء لا يدركون أن كل نبض يشتد للروح المتنامية يقتات كل لحظة على روح أخرى، كي يكبر ذاك العظم الهش وتتمدد جذوره بثبات في الأرض..ولا يحسون إن الروح المنصهرة تلك هي المرأة، لذلك نرى مجمل نساء العالم من الصعب عليهن إزهاق الروح والفتك بها.....
هناك وقفة سجلتها إحدى داعيات السلام قبل حرب العراق الأخيرة، حين أدلت بعبارة مهمة عن رؤيتها، قالت " إذا أردتم أن تُوقفوا مشروع حرب العراق، كلـّفوا كل من بوش وصدام وبلير ومن يطالب بالاقتتال أن يعتني بطفل رضيع طوال الوقت ليل نهار، حينها سيعرف قيمة الروح الإنسانية." كلنا نتذكر إن آخر أزمة شرق أوسطية التي استمرت أكثر من عشرين عاما، هي احتلال جنوب لبنان، التاريخ دوّنها في رصيد أمهات الجنود الاسرائليين، اللاتي حزّن على نصيب الأسد بجدارة في حلها، وقمن بدور كبير وفعّال في إنهائها.
إن كل من يحمل سلاحا اليوم، ويختزل روحا قتالية، فهو في معظم الأحوال إنسان لم يلتصق قط بنفس آدمي صغير، أو لم تحتم عليه الأيام الاعتناء بالتزام شديد بتربية أحباب الله، لذلك نجد القتلة والانتحاريين والإرهابيين والجيوش معظمهم ذكور من فئة الشباب الفتي، الذي لا يقدر قيمة احد ولا تهمه حتى حياته. أختي الكاتبة فاطمة الحويدر كانت ومازالت تردد بألم وتقول "لو أن الرجال أنجبوا لما خلقوا حروبا.." لكن هناك نساء أشعلن حروبا أخرهن "جولدمائير" و "تتاشر"، وذاك يوضح إن القاعدة السليمة ولا تستثني شواذها. الحروب الآن غيـّرت جبهاتها، تبدو وكأنها مبيتة في كل زاوية في هذا العالم..كيف السبيل إلى إيقاف هذا العنف المفخخ بالأحزمة الناسفة وبالسيارات الملغمة المدمرة وبالجيوش المدججة..؟؟ القتال متوار في كل الأمكنة، وقد يشتد في أي وقت ودون سابق إنذار..والمحزن إن معظم ضحاياه من الأبرياء..
القضية الأخرى إن السجون لم تعلم سوى القلة من مرتاديها إن يكفوا عن إيذاء الناس..أماكن مثل فلسطين وإسرائيل والعراق والجزائر وكشمير وأفغانستان والشيشان وحتى السعودية لابد لها أن تتبنى مشاريع أكثر إنسانية، لإيقاف القتل والنزف والدمار من اجل تفتيت دوائر العنف الموحشة.. فبدلا من زج المحاربين في المعتقلات والتنـكيل بهم وتحويلهم إلى بشر أكثر جفافا وتصحرا واستهتارا بأنفسهم وبغيرهم، من الأجدر إلزامهم بإعمار ما هدموا، وتشييد ما دمروا، أن يقوموا بخدمة المجتمع تحت رقابة، كأن يُكلفوا بالاهتمام بالملاجئ التي تعج بالأيتام، أو بتقديم المساعدات للمستشفيات التي تكتظ بالجرحى، أو بمساندة الأمهات الثكلى والأرامل المنهكات من متطلبات الحياة، أو العمل في دور العجزة والمعاقين، أو بالاعتناء بالأراضي الزراعية التي تنتظر أياد رحيمة. فالعالم في حاجة إلى فلاحين لتوسيع الرقعة الخضراء. الفلاحين كالأمهات يعتنون بالبذرة وهي صغيرة إلى أن تكبر وتصبح شجرة ناضجة، أغصانها تناطح السماء بشموخ ونشوة..لذلك هم أكثر الرجال إحساسا بالأمومة.. ونحن بحاجة إلى هذا الصنف من الرجال..
لا احد يجهل اليوم أننا نفتـقر للسلام والطمأنينة والإحساس بالهدوء والسكينة ..الأرض أعيتها شقاوة ذكورها المخيفة وعبثهم الفتاك..كل بقعة من هذه الأرض في حاجة ماسة لرجال يصرفون وقتا أطول وبجودة، في تناسق جوارب الصغار، والإصغاء لأحلامهم، وتحسس همومهم، وتلمس اهتماماتهم، وإثراء نفوسهم الغضة وبجدية حقيقية، كي يعي الرجال جيدا إن الروح الإنسانية لم تنبت قط على أغصان الأشجار، ولم تتواجد تحت الأحجار، ولم تجر بسخاء مع مياه البحار، ولكي يدركوا إن الإنسان اثمن شيء في هذه الدنيا..
[email protected]
#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟