أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عبدالوهاب حميد رشيد - قلوب في المنفى














المزيد.....

قلوب في المنفى


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 2877 - 2010 / 1 / 3 - 16:02
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


لاحظتُ (كاتبة المقالة) ظاهرة "غريبة" عند لقائي بعراقيين، وشعرتها في داخلي.. هناك موضوع نتجنب الحديث عنه بأي شكل..إنه المنفى.. في كل مرّة يتم فتح موضوع المنفى Exile ، فالجملة المعيارية standard sentence التي نسمعها هي "ماذا يمكننا أن نفعل.. إغلقوا الموضوع.
يستطيع المرء قراءة قلة من المقالات بشأن اللاجئين العراقيين وظروفهم البالغة الصعوبة، ولكن ليس عن مشاعرهم الذاتية subjective sense ومعاناتهم الشخصية في المنفى.
في اليوم التالي اتصل بي أحد المعارف، متمنياً سنة جديدة سعيدة.. تجاذبنا أطراف الحديث لبعض الوقت ومن المعتاد ورود اسم بغداد, قال لي: أرجوكِ... أنتِ تعرفين أننا نتحفظ بالحديث عن هذا الموضوع وفي هذا المكان.. لا تُعيدي فتح الجروح.. وحتى إذا عُدتُ سأجد نفسي غريباً هناك كما أنا غريب هنا..
بعد ظهر هذا اليوم، مشيتُ طويلاً، وفكرتُ بعمق في هذه الجملة.. شعرتُ بعدم ارتياج شديد.. حاورني عقلي في محاولة لتحويل انتباهي عن المنفى، مع شعوري بعاطفة قوية تزداد في داخلي، ووقفتُ لإُداري خجلي أمام الناس.. حاولت بقوة أن أمنع دموعي..
اضطررت أن أواجه الحقيقة، وأتعامل مع هذه الدموع بواقعية.. لا استطيع العودة إلى العراق.. أنا غريب هنا وسأبقى غريباً هناك.. إلى جانب ذلك: يمكن أن اتعرض إلى الاختطاف أو القتل حالما أضع قدمي على أرض بغداد.
وهذا احتمال حقيقي.. حقيقي جداً.. هناك قانون اللا عودة NO RETURN كُتبَ بالنسبة للكثيرين من العراقيين، لآلاف المنفيين مثلنا.. أكثرنا من طائقة أقلية الحكم أو الأقليات الثقافية.. كلنا هربنا بسبب انتماءاتنا الوراثية- العرقية/ المذهبية.. جزء منا فقدوا منازلهم للمليشيات وعائلاتهم وهم يحتلونها حالياً.... نحن في الانتظار.. أنا انتظر ويخالجني شعور بأني سأنتظر لفترة طويلة قادمة..
وإذا أفترضتُ أن لا شيء سيحدث ضدي، وكل الأمور ستسير على ما يُرام، فلن أتمكن من تقبل حياتي هناك في هذا المجتمع.. لن أقبل بإجباري لبس الحجاب.. لن أقبل أن أواجه المضايقات harassed يومياً.. وحتى على افتراض أن هذه ليست المشكلة.. أين سأقيم؟ لا استطيع مشاركة الأقرباء سكنهم لفترة غير محدودة.. وعلى فرض حل مسألة السكن، مَنْ يقبل بتشغيلي؟ لا أملك موارد مالية لممارسة عمل تجاري على حسابي، ولا حتى أعرف كيف.. السبيل الوحيد هو الوظيفة، وهذه مرتبطة مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالمؤسسات الحكومية.. ولكن وبعد كل ما جرى، كيف يمكنني العمل مع دمى الاحتلال Occupation puppets؟ وعلى فرض استطعت، مَن سيستخدم شخصاً مثلي ينتمى إلى خانة خارج طائفة الحكم، وفوق كل ذلك أنا إمرأة؟
كيفما قلبتُ الأمور ومن أية زاوية بإفتراض أفضل وأسوأ السيناريوهات، تتضح الأمور لي أن قانون العودة لا ينطبق على حالي.. ليس بالنسبة لي فقط، بل كذلك الكثيرين من أمثالي ممن يشاركونني نفس المأزق، ولا ينطبق عليهم قانون العودة..
إنه قانون غير مدون.. قانون نفهمه، ونحن جميعاً ملتزمون به.. هذا يُفسر سبب غياب حصول عودة جماعية للاجئين إلى العراق. نحن نفهم أن لا مكان لنا هناك بعد الآن.. غرباء في المهجر، وحتى غرباء أكثر في بلدنا..
أواصل محاولاتي في إبعاد شعوري بالحنين إلى الوطن homesickness.. لا أريد مواجهته.. غلقتُ الباب في وجهه.. وأحاول بصعوبة بالغة أن أضع علامة X على هذا الحنين الحارق، حتى لا أشعر به بعد الآن أبداً..
من هنا فهمتُ لماذا يتجنب العراقيون المنفيون الحديث عن العودة من منفاهم، ويعمدون إلى تغيير الموضوع حال ظهوره.. ألم شديد جداً، بل وإدراكه أشد ألماً.. فكرة أن لا نعود- تولد ألماً أكبر.. شعور لا استطيع حقاً أن أصفه بكلمات..
المعضلة كمثل منفى داخل منفى.. تشبه قليلاً الواقف على الشاطئ، يرى مكاناً في الأفق، يتراءى له أن المسافة ليست كبيرة، ومع ذلك فإنها هائلة... أو كمثل مَنْ يرى مكاناً تعرفونه جميعاً وبصورة جيدة جداً، وتحبونه، وعندما ينظر حوله لا يجد زورقاً ينقله إلى الجانب الآخر..
واصلتُ المشي وأنا مستمر في التفكير.. قلتُ لنفسي_ واجهي المحنة أيتها المرأة.. أنتِ لا تصغرين سناً مع مرور الأيام.. وهكذا تختلط الأفكار لتقود كل فكرة إلى أخرى.. هل سأموت دون أن أرى بغداد مرة أخرى.. هل هذا احتمال واقعي يتطلب أن أعيش وأتعامل معه بنفسي؟ أن لا أرى منزلي.. أن لا أزور مقابر عائلتي.. أن لا أرى دجلتي.. أن لا اتنفس عبق وطني الذي اعتدت عليه.. هل سأبقى غريباً بقية عمري!؟.. الفكرة بذاتها تقتلني..
واصلت المشي.. ومن مكان عميق في داخلي، جاءني هذا الصوت: رجاء خذيني إلى منزلي.. لم استطع حبس دموعي أبداً.. وعندما أحدق المارة في وجهي، تظاهرت بمنديلي بأن شيئاً غريباً اقتحم جفوني..
عدتُ إلى سكني، وإذا بوالدتي توجه لي كلامها (وصيتها) وبقوة: المرة الوحيدة التي سوف أرى فيها بغداد مرة أخرى.. من داخل كفني.. عليكِ أن تضمني نقل رفاتي إلى هناك!!
مممممممممممممممممممممممـ
Hearts in Exile.،Layla Anwar,uruknet.Info, January 1, 2010…





#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطورة الوضع الإنساني في قطاع غزّة..
- الترويج الإعلامي لنجاح حملة زيادة القوات
- عيد الميلاد في العراق
- انتشار عمالة الأطفال بين الاجئين العراقيين في سوريا
- استئناف عقوبةالإعدام في العراق يثير قلق الأمم المتحدة
- اللاجئون العراقيون في سوريا يسقطون في مصيدة الفقر
- الاضطرابات تكشف تصاعد اعتماد العراق على الولايات المتحدة
- كتاب مدرسي في العراق يبرز الانقسام بين الطائفتين -الإسلاميتي ...
- مسيحيو العراق يفتقدون فرحة عيد الميلاد
- سياسة النفط الخام في العراق المحتل
- التطهير الثقافي في العراق
- حكومة الاحتلال في العراق تخطط لإعدام 126 إمرأة
- العراق.. تصاعد مخاطر انتشار السرطان والولادات المشوهة
- الإمبريالية الأمريكية.. 11 سبتمبر.. وحرب العراق..
- ب -فضل- الاحتلال لا حقوق للمرأة في العراق
- جوعى في أغنى بلد بالعالم
- كلمة موجزة بخصوص المقاومة العراقية
- اللاجئون العراقيون ومخاطر تضاؤل التمويل الدولي
- الفساد.. أفغانستان، العراق.. قرب قاع مؤشرات الشفافية..
- العراق.. حكومة الاحتلال تدفع باتجاه خصخصة النفط


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عبدالوهاب حميد رشيد - قلوب في المنفى