|
النص بين سلطة الثقافة وسلطة القارئ
سلمان ع الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 17:21
المحور:
الادب والفن
النص إذا خرج إلى الوجود فإنه لا يعني مجرّد كلمات استمدّت وجودها من المعجم بل هو عملية خلق فاعلة تمثّل تفاعلاً بين صاحب النص وثقافته والمرجعيات التي استمدّ منها فكره . والقارئ للنص يحاول أن يكشف ما وراء هذه الكلمات مستخدماً أساليب التأويل والفهم والتحليل حاملاً معه إرثه الثقافي ومرجعياته التي استقرّت في ذهنه وقدرته التي اكتسبها من خلال تعامله مع النصوص . النص عمل إيديولوجي وثقافي ويصدر عن مرجعية معينة وإسقاطات نفسية خاصة بصاحب النص وفي المقابل فقارئ النص يحمل معه ثقافته وإيديولوجيته ومرجعياته بالإضافة إلى إسقاطاته النفسية لذا فالنص محاصر بين سلطتين : سلطة الثقافة وسلطة القارئ . الثقافة تمارس سيطرتها على قائل النص وتفرض وجودها وقد تكون واضحة أو مضمرة خلف حجب النص الذي يحمل ألفاظاً تمثّل تفاعل الفرد مع كل ما يحيط به من قريب أو بعيد من الموجودات وأشكال الهيمنة والسلطة وتفاعله مع محيطه وإسقاط مشاعره التي تضمّ الموروث الثقافي أو مخزونه الذاتي خارج دائرة العقل الواعي وبهذا فالمجتمع – أفراداً أو كياناً ثقافياً يحمل قيماً وعاداتٍ وتقاليد وأعرافاً وأنماط تفكير وتوجّهات وصراعات مع كل أشكال الهيمنة – يفرض سلطته ليكون خلف الكلمات والرموز والصور الفنية . وفي الجهة المقابلة يحاول القارئ أن يفرض سلطته وأحياناً يمارس شبقيته مع النص ويحاول أن يكشف حجبه ويتعرّف على أسراره ويحاول كشف الدلالات والرموز والأنساق واستراتيجية الحجب والمخاتلة والنسخ والتبديل والتعرّف على أسرار البنية النصّية ويستخدم مهاراته المكتسبة وقدراته وإرثه الثقافي ومرجعياته ليصل إلى رؤية قد تختلف عمّا كان يرمي إليه صاحب النص لذلك اتجه الحداثيون لاختراع نظرية ( موت المؤلف ) وبهذه النظرية لا يعود للمؤلّف أية سلطة يمارسها على قارئ النص . دائرة ( المؤلّف والنص والقارئ ) دائرة لا تنتهي وسيظلّ الأمر معقّداً وإنْ بدا غير ذلك لأول وهلة، فالمؤلّف وضع أفكاره وتصوّراته متأثّراً بعدة عوامل، والنص أصبح محمّلاً بأمور شتّى فهو يحمل أبعاداً فنية وأبعاداً ثقافية وأبعاداً نفسية وأبعاداً اجتماعية وأبعاداً فكرية والقارئ محمّلٌ بما يضجّ به النص من أبعاد وكذلك المؤلف ويظل القارئ الواعي هو الذي يستوعب كل ما يتعلّق بالنص مع محاولته الربط بين ما هو داخل النص وما هو خارجه ليصل إلى فهم أكثر نضجاً واستيعاباً للحقيقة المتعلّقة بإنشاء الخطاب . البنيوية حاولت أن تضع نفسها موضع الحياد لتكون في نظام مغلق لا يتّصل بالخارج لكنها لم توفّق في هذا الفصل والرومانسية التي أسندت للقارئ مهمة استشعار النص بذاتية وانطباعية أغفلت جانب الحياد في النص والواقعية التي فصلت النص عن القارئ والمؤلّف أغفلت دور التفاعل الثلاثي ( المؤلف / النص / القارئ ) وركّزت على عنصر واحد وهو الخطاب فهي ترى أن النص قائم بذاته لا يحتاج إلى ربط بين تلك العناصر وهذا إجحاف بحقّ العملية الخطابية وعدم المعرفة بدور هذا التفاعل . جاءت دراسات ( الهرمنيوطيقا ) بعد ذلك لتدرس إشكاليات القراءة بدءاً ب( شليرماخر) ومن جاء بعده ليدخلوا فنيات الدراسة اللاهوتية وتطوير عملية فهم إشكالية القراءة والتلقّي وحل مشكلات الفهم والتأويل إلا أنّ العملية أكثر تعقيدأً ممّا يتصوّر الإنسان ،وهكذا فتلك الدائرة مليئة بالتعقيدات ومن هنا فإنّ مهمة القارئ – الذي يستوعب كل هذه الإشكاليات وما يتعلّق بالنص من الداخل والخارج – الكشف عن المقصد مع محاولة التوفيق بين تلك العناصر الثلاثة . لا يوجد نص يتفق عليه الناس وهذا دليل على أنّ كل قارئ يمارس ثقافته وفكره ومرجعياته وبالتالي فالاختلاف وارد ومحاولة الفهم والتفسير تبدو عملية معقّدة ولا تخلو من مجازفة ومن إسقاطات نفسية وأحياناً أخرى ممارسة افتضاض بكارة النص ليعلن القارئ فحولته وأحياناً تحوير للمعاني حسب الخبرات المكتسبة أو الرغبات والنزعات الفردية الذاتية . وبهذا نخلص إلى أن النص لا يزال في صراع بين سلطة الثقافة وسلطة القراءة وسيظل الأمر كذلك ولن يحكم الأمر بدقة في مسألة القراءة وما نحاول أن نفعله نحن بقراءتنا هو محاولة للاكتشاف أو التقرّب من المعنى ولكنّنا لا ندّعي أننا فهمنا الحقيقة كاملة ولا يدّعي كاتب النص أيضاً امتلاكه للحقيقة وبهذا تظل الحقيقة رمزاً ومثالاً قد لا ندركه عند اقتحامنا عالم الأدب . —- سلمان عبد الله الحبيب
#سلمان_ع_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكبت قنبلة موقوتة !
-
حين ينثر الرماد
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|