محمد صفدي
الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 10:55
المحور:
الادب والفن
امام المسجد يخشع- قصة قصيرة
"تقبل الله ، تقبل الله"
بهذه الكلمات ودع الامام جموع المصلين الذين ادوا خلفه صلاة العصر . وبدا حرم المسجد يفرغ من المصلين بينما بقي الامام الشاب جالسا مع احد الشبان المواظبين على الصلاة خلفه يشرح له بعض الاحكام السماوية بناء على طلبه.
وبعد ان انهى شرحه ودعه الشاب وخرج من المسجد شاكرا الله على النعم التي وهبه اياها.
وهم الامام بالخروج من المسجد الا ان سيدة تناهز الثلاثين دخلت المسجد واستوقفت الشيخ قائلة: السلام عليكم !
نظر الامام الى الوجه الحسن الذي انكشف له فور سماع صوتها ، ورد السلام قائلا: اهلا يا اختي ، بم اخدمك؟
قالت بنبرة تثير الشفقة : يا شيخ ، ساعدني ارجوك ساعدني ..
فرد الامام الذي اعتاد ان يزوره الناس ليحلوا مشاكلهم ببركاته : قد وصلت يا اختي ، فما مشكلتك؟
قالت السيدة والدموع بدأت تتجمع في عينيها : زوجي عاطل عن العمل ، وليس لدينا ما نؤمن به قوت يومنا ، واطفالي ثلاثة و.. فقاطعها الامام وقد خشع من هول الموقف : لا تقلقي ، عودي الي عصر يوم الجمعة ، وساكون قد وفرت لك مبلغا تستطيعين من خلاله ان تسدي به رمق اطفالك ، وان سالك زوجك – سامحه الله على هذا الاهمال- عن مصدرها قولي هي من عند ربي . فان لم يصدق والح في السؤال اخبريه بانني شاهد على ذلك وارسليه الي للتاكد.
شكرت السيدة الامام وعادت ادراجها تمسح دموعها .
عصر الجمعة حضرت السيدة الى المسجد عند الامام لتحصل على المبلغ الذي وعدت به ، وكان الامام يجلس مع بعض الرجال فاشارت له فطلب المعذرة من مجلسه وخرج اليها وقال لها هامسا: ان المبلغ قد توفر ، وحتى لا احرجك امام الجالسين سالاقيك – ان استطعت الحضور بمشيئته تعالى- عند التلة المشرفة على المدينة عقب صلاة العشاء . فاخبرته بانها ستتوجه الى هناك حال سماعها اذان العشاء.
وفعلا- وبمشيئته تعالى - التقى الاثنان عند التلة المشرفة على المدينة بعيدا عن الانظار وطلب منها الامام ان تدخل سيارته الجديدة وتجلس بجانبه .
جلست السيدة الشابة بجانب الامام الشاب في سيارته الثمينة ، فمد الشيخ يده الى المقعد الخلفي وتناول كيسا مصنوعا من القماش الاسود نقشت عليه اية الكرسي بخيوط ذهبية والقاه في حضنها قائلا :
هذا المبلغ الكبير لا اوفره الا لمن افصحت عيونهم الجميلة لي عن حالتهم الصعبة
وكوني اعرفك شخصيا منذ ان كنا زملاء على مقاعد الدراسة ، فانني اتفهم حالتك واتمنى لك التوفيق من عند الله.
كانت هي منهمكة في النظر الى المبلغ العظيم الذي وضع في الكيس الاسود الذي نقشت عليه اية الكرسي بخيوط ذهبية ، فقالت : اشكرك يا الله ، لكن الا تعتقد ان المبلغ اكبر مما توقعت؟
فرد عليها بينما عيناه تختلس النظر في ظلمة المساء الصيفية على ما يبرز من لحم صدرها الابيض المكتنز الذي يلمع تحت ضوء البدر : انك تستحقين هذا المبلغ ، فقد أفنيت عمرك مع زوج لا يستحق امراة جميلة مثلك ، لا ادري كيف طاوعتك نفسك انذاك وقبلت به زوجا !!!
اقتربت منه وقالت : كنت عمياء !
وسهر الاثنان تحت ضوء البدر يتبادلان الحديث الذي تطور تدريجيا الى غزل كان كل منهما قد كبته بداخله منذ مراهقتهما على مقاعد الدراسة ، حتى وصل الامر بهما الى التشابك والتوحد كجسد واحد بمباركة السماء والبدر والتلة والسيارة الجديدة وكيس النقود الاسود الذي نقشت عليه اية الكرسي.
وقبل ان يفترقا ، ذكرها الامام بان تخبر زوجها بان هذا المال من عند الله وان ترسله اليه فيما لو الح في السؤال.
لم يمر يوم على استلام المال حتى وقف امام عتبة المسجد زوج السيدة منتظرا خروج الامام عقب صلاة العصر حاملا بيده سيجارة مشتعلة وينفث دخانها من فمة بسرعة . فما ان خرج حتى استوقفه سائلا اياه بغضب: من اين اتت زوجتي بالنقود؟ انها تدعي ان الله ارسلها لها وبانك على علم بذلك ! فهل جنت ام ان في الامر ما يريب؟
نظر الامام اليه طويلا دون ان ينبس بكلمة ، فزاد توتر الرجل فصاح : اخبرني لماذا انت صامت؟
فنطق الامام قائلا بخشوع : ان الله قد وهب زوجتك مبلغا كبيرا لقاء صبرها وتضحيتها وايمانها به وصلاتها وصيامها وقيامها .. ان الله لا ينسى احدا ، ومن يتقيه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
ان ما جرى يا سيدي هو ان رجلا من اثرياء المدينة راى في منامه نورا يشع من السماء ويقول له :" يا هذا ، اذهب الى المسجد وهب الامام ثلث ما تملك وليمنحه هو لاول من يرى امام عتبات المسجد عقب صلاة العصر ، فلن يصل المال الا لمن امن وصلى وصبر وصام وقام الليل.. وستجزى على ذلك في الاخرة خير جزاء"
وهذا ما حصل .. فحين استلمت المبلغ المبارك ، خرجت من المسجد فلم ار غير زوجتك امامي ، فهل وصل المال الى عائلة غير محتاجة اليه؟؟
فرد الزوج وقد اغرورقت عيناه : لا يا شيخ ، وصلت في اوانها !! ثم رفع يديه الى السماء وقال: اشكرك يا الله على هذه النعمة ، يا رب بارك هذا الشيخ البار واغفر لي ذنوبي وسامحني ان كنت قد اسات الظن في زوجتي..
خشع الامام وطأطا راسه في الارض اثناء الدعاء مسبحا الله ، فلما انتهى الزوج من الدعاء عانق الامام وقبله في جبينه ، وتعهد ان يصلي العشاء خلفه هذا اليوم ، وبانه سيعتكف بعدها في المسجد طوال الليل يصلي ويشكر الله على نعمته ، ووعده بانه سيتبرع للمسجد بثلث المبلغ الكبير شكرا لله وحمدا له على نعمته.
اما الامام الخاشع فرحب به وشكر الله على ان هدى هذا الانسان الى صراطه المستقيم .
وما ان اذن المؤذن لصلاة العشاء حتى حضر الزوج الصلاة وصلى خلف الامام ، وبعد ان انصرف الجميع اعتكف في المسجد مع زمرة من المعتكفين ممن حلت بركات الله عليهم .
في تلك الاثناء كانت الزوجة تستمع الى ما جرى من فم الامام الخاشع وهي في احضانه في سيارته الجديدة الثمينة ، تحت ضوء البدر عند التلة المشرفة على المدينة.
#محمد_صفدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟