أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون خوري - هولوكست التاريخ ..أنبياء أم قادة سياسيون ..؟















المزيد.....


هولوكست التاريخ ..أنبياء أم قادة سياسيون ..؟


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 10:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في الحلقة الأولى والثانية من ( هولوكست التاريخ ) اشرت الى أن العقيدة الدينية ليست هي التاريخ ، وبالتالي فإن خطأ الوقوع في فخ إعتبار ديانة ما هو التاريخ ، يعني عملياً إلغاء التاريخ ذاته . وإستمرار المعتقدات وشعائر ما قبل التاريخ في الثقافات التوحيدية بإعتبارها نصوصاً ( مقدسة ) ، وليست تراثاً هي المشكلة القائمة التي تتجلى بأوضح تعبيراتها في العصبية وإنكار الأخر المخالف أو المختلف على حد سواء . لأن الماضي أصبح مجرد تصورات غير ملموسة سوى في العقل الناقل لها . والواقع تحت سيطرة الذاكرة الأرجاعية للإسطورة القديمة . وهكذا عندما يجد حراس النص الأسطوري أنفسهم في مأزق مع العقل البرهاني الحديث، تحال الأمور الى فعل إلهي ، كمخرج تسويغي هروبي . وما عليك في هذه الحالة سوى مناقشة ( الأله ) الذي ( خلق ) النص ..؟ وهو ( إله ) في كافة الحالات غائب عن حضور محكمة التاريخ ، فيما يبدو ( الكهنة ) أفضل محامي فاشل يؤجل بإستمرار طلبات الإدعاء العام . فهل تاريخ المنطقة بدأ مع هذا ( النبي ) أم ذاك ..؟
في محكمة التاريخ ، لدينا ثلاث ( نصوص دينية سماوية ) بعض أتباعها يعتبرونها منزلة من ( السماء ، أو وحي إلهي ) ، والبعض الآخر يرفض مجرد مناقشة الفكرة لأن الواقع يتعارض من جوهر الفكرة . بيد أننا هنا سنناقش الموضوع من زاوية مختلفة بغياب المتهم ( بخلق النص ) وتواري محامي الدفاع عن ( النص ) خلف النص ذاته .
ما يعنينا هو إرتباط الكتب العقائدية الثلاث ، بالفكر السياسي ، وإرتباط الأخير بالمعرفة الإسطورية القديمة . فالفكر السياسي ، كان إنعكاساً لإنتظام الإنسان في تجمع أو مجموعة بشرية . إطلق عليها في البداية ( مدينة ) ثم أصبحت دولة مصغرة ، ثم إمبراطورية . هذا التطور كان بحاجة الى منظومة فكرية تحدد إطار حركتة ورؤيته ، وآفاق تطورة . وبدون المعرفة الأسطورية كسلاح هام ، لما أمكن لهذا النص أو ذاك أو لأتباعهم ، من تحقيق الفعل الإنقلابي الأيديولوجي على التاريخ القديم لشعوب الشرق الأدنى . كل ( عقيدة ) كان لها تجربتها الخاصة وزمنها ومكانها الجغرافي الخاص . أي لو أن موسى أو عيسى أو محمد كان أحدهم ، في أمريكا اللأتينية ، لكان ( للنص المقدس ) مزاجاً وطعماً مختلفاً لما بين أيدينا الأن . فالنصوص الثلاث هي نتاج تراكم معرفي إسطوري لمنطقة الشرق الأدنى . تطورت عبر التاريخ الحضاري في مجموعة من الأطوار ، وهي نتاج الصراعات السياسية القديمة التي ولدت من نتائج الممارسة السياسية للحضارات القديمة . فالأفكار والمفاهيم السياسية للإمبراطورية المصرية والسومرية والبابلية والأشورية والفينيقية والإغريقية ، إمتزجت مع الأسطورة . وبالتالي لا يمكن العثور على مفهوم العدالة ، وأنظمة الحكم إلا من خلال الأسطورة . بمعنى أن أساطير الشرق القديم هذه هي التي أسست وشيدت فوقها ( الديانات الثلاث ) أفكارها اللاحقة في عصر إنهيار وتفكك تلك الحضارات القديمة . بالضبط مثل الطبقات الروسوبية التي تخلف طبقات أخرى في علم الجيولوجيا .
ما يؤيد رأينا هنا ، شواهد مختصرة من التاريخ ، ما حملته ألواح ( سومر ) من محضر جلسة ( لبرلمان آرك ) . وقوانين حمورابي ، ونظام الدولة في بابل . وتنبؤات في الحكم والدولة ( حور محب ، وبتاح حوتب ونفر روهو ) وعهد لقمان الحكيم . هذه المعرفة بالتفكير السياسي التي نراها في الأساطير تدلل على مستوى النضج المعرفي الثقافي لشعوب هذه الحضارات . أي أنه كان هناك حالة تفاعل مستمرة بين السياسية والفكر . هذا التداخل تبدى في ثلاث أشكال :
1- الممارسة العملية للعمل السياسي ، وتتفاوت بناء على تفاوت المستوى الفكري والأخلاقي بين حضارة وأخرى .
2- الممارسة الذهنية للعمل السياسي ، من حيث المقدرة على تأليف النصوص بصيغ مكتوبة موثقة ، ألواح وبرديات ونقوش أثرية .
3- الجمع بين الممارسة الذهنية والعمل السياسي ( حمورابي ) معاً في تحقيق نظام قضائي متطور هو الأول من نوعة في الشرق القديم .
هذه النظم المعرفية للحضارات القديمة هي التي شكلت النبع الذي إستلهم منه ( محرروا ) العهد القديم أفكارهم السياسية في قالب إسطوري منسوخ عن أساطير الحضارات الأخرى . ومن العهد القديم ، إستلهم مؤلفوا العهد الجديد ومدوني ( القرآن ) أفكارهم . هنا السؤال يبرز على النحو التالي إذا لم يكن هدف هذه ( الديانات ) الحصول على السلطة السياسية ، فهل كان الهدف من ( الدين ) هو مجرد فعل أخلاقي وعظي ..؟ لنفترض ( جدلاً ) أن موسى خرج من مصر مع ( قومة ) فإن الخروج يعني البحث عن أرض جديدة قابلة لإستيطان قومة ، وهو أكثر أشكال العمل السياسي تعبيراً عن ذاته فهو عملياً ( إحتلال إستيطاني قديم ) . الأسطورة هنا هي السلطة الأيديولوجية التي صنعت الثقافة القادرة على توليد الزخم المعنوي لترسيم الإستيطان الجديد في أراضي الغير. في زمن إنهيار وتفسخ الحضارة المصرية وحضارى ما بين النهرين العظيمة . وعلى سبيل المثال ( الأسكندر المكدوني ) كشخصية حقيقية في التاريخ لم يعتبر نفسه ( إبن الألهه ) إلا حين مدحه الشاعر هوميروس بقصيدة عصماء جرياً على عادة تآليه الأبطال المحاربين في العصور القديمة . وربما ( موسى ) لم يعتبر نفسه نبياً بيد أن ( كاهن مديان ) حوله الى نبي إسطوري ، وحتى المدافع عن الفقراء عيسى بن مريم ربما كان بدورة الوجه الآخر لسبارتكوس العنيف . وتحول على يد أتباعة الى ( نبي ) تمشياً مع عصر سيادة الأساطير والتأليه المتبعة في تلك العصور . وبالتالي لم يكن أمام محمد من وسيلة إقناع أخرى لقومة سوى بإدعاء النبوة ، جرياً على العادة المتبعة . وإذا عدنا لمراجعة حال العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام نجد أن أكثر من شخصية كانت لديها طموحات إدعاء النبوة ومنهم أمية بن الصلت أو حتى مسيلمة بن حبيب .
والمهم في الأمر هنا ، أنه جرت صياغة أساطير ( العهد القديم ) بما يتناسب والثقافة السائدة والمتسربة من حضارات الأخرين . وما بين أفكار ( العهد القديم ) من توافق مع أساطير الحضارات القديمة يوضح الى درجة كبيرة الأفكار الجديدة المعدلة التي حلت محل افكار الحضارات المنهارة .
ما نخلص اليه هنا أن ( العهد القديم ) كان عبارة عن نظرية سياسية جديدة لجماعات ( مهاجرة ) تبحث عن أرض لقيام دولة ( مملكة سليمان ) لاحقاً . و( الإله ) هنا لم يكن سوى العامل المحرض التعبوي الذي إستخدمت رمزية حضوره في النص الديني كقوة رئيسية تعبئ الناس وتدفعهم للقتال . بيد أن ( موسى ) قتل نتيجة صراع على السلطة ، قبل أن يشهد ولادة قيام دولته المنشودة . تماما كما حصل في معارك المسلمين في مرحلة إنتقال الدعوة من ( مكة ) الى ( يثرب ) وإختلاف اللغة المستخدمة بين اللغة المتوددة السابقة الى اللغة الهجومية المحرضة على القتال بدواعي الحصول على رضاء ( الله ) وضمان تذكرة الدخول الى المدينة الفاضلة ( الجنة الفردوسية ) . كان الهدف هو سياسي وليس وعظي . ولا تخفي التعاليم الإسلامية ذلك .فالإسلام كمفهوم يربط بين ( النص ) الرمزي ، وبين نظام الحكم الأرضي . ( الحاكمية الإلهية ) . وكذلك ( توفي محمد أو قتل مسموماً ) قبل أن يشهد بداية ( الفتوحات الإسلامية ) وتحول دعوته من حركة سياسية محلية الى دولة بدون حدود . إضافة الى صراع المحاصصة على السلطة بين ( قبيلة قريش المكية ، وآل بني هاشم اليثاربة ) . ( راجع كتاب د . سيد القمني ، الحزب الهاشمي ) بينما ما حاولت المسيحية تحقيقة هو الفصل بين ( مملكة الرب ) و ( مملكة قيصر ) . بواسطة ثورة بيضاء ضد الإستغلال . لكن سلطة الرأسمال الربوي ( اليهودي ) كانت أقوى من دعوة المسيح وخطابه التحريضي ، وقتل صلباً عندما جرى إعتبار وجوده ، خطراً ليس على مصالح الإحتلال الروماني ، بل على مصالح الأرستقراطية ( الدينية ) للعقيدة الموسوية السائدة آنذاك . الديانات الثلاث كانت لهم ( اهداف غائية واحدة ) أي تحقيق غاية محددة ،وهي السلطة السياسية . بيد أن الشعار السياسي كان ( التوسط بين الخالق المخفي عن الأنظار ، وبين عموم الشعب ) . ولم يكن بالإمكان إستخدام شعار سياسي آخر ، نظراً لطبيعة العقلية السائدة التي تؤمن بالأساطير . لذا ربما على قاعدة هذا التصور، بإمكان المرء مناقشة قضية ( الأنبياء ) بإعتبارهم قادة فعل سياسي ، وليسوا ( أنبياء ) بالمعني الديني . و هنا تصبح المناقشة أكثر حيوية ، وأكثر إنصافاً وتقديراً للمسيرة السياسية لرجال تاريخيين تمكنوا من تحقيق أهم إنعطافات في تاريخ البشرية . عبر رسالتهم السياسية ( العقائد ) . وبالتالي يصبح من الضروري تجريد العقيدة من الأساطير المتناقلة ، والتركيز على نظامها السياسي – المعرفي الذي قدمته في حينه للبشرية ، من موقع كونة تراثاً تاريخياً . فالوحدانية التي طرحتها ( العقائد الثلاث ) في فكرة توحيد الألهة في شخصية إله واحد . تصبح هنا نظام حكم سياسي قائم على الفردية ، وتحويل ( القرار الألهي ) الى فعل دنيوي من أجل ( الإله ) الغائب لكن من خلال ممثله الشخصي على الأرض ( نبياً ) ثم لاحقاً ( كاهناً ) أو حاكماً . ورغم أن فكرة التوحيد ، تنسب الى ( أخناتون ) إلا أن أخناتون لم يكن موحداً ، في حقيقة الأمر، بقدر ما كانت إطروحته ( هرطقة ) للخروج من المأزق السياسي وحدة الصراع الداخلي على السلطة. في مرحلة بداية تآكل الأمبراطورية المصرية القديمة . ربما نجد بذور فكرة ( التوحيد ) في العقيدة ( الزرادشتية ) 3000 ق.م بصورة أوضح مما هي علية في الديانة المصرية القديمة . ومع ذلك فقد شكلت ( العقائد الثلاث ) إنعطافاً فلسفياً جديدًا . بيد أنها كانت تحمل في أحشائها صراع مكتوم بين مفهومين للنظام السياسي بين الديكتاتورية المطلقة ( اليهودية – الإسلام ) وبين التعددية البسيطة ( المسيحية ).
هنا يبرز سؤال على النحو التالي : هل أن العقيدة الموسوية من حيث الرمز الأيديولوجي في ميدان صراع الأفكار، إستعانت لا حقاً بالعقيدة الإسلامية لمواجهة فكرة التعددية البسيطة في ( المسيحية ) ..؟ ( راجع الإسرائيليات في القرآن ) .
فأتباع ( موسى ) من خلال إستيطان بشري جديد مصحوب بثقافة إنقلابية جديدة ، و( عيسى المسيح ) من خلال التمرد الشعبي السلمي على أرستقراطية الديانة الموسوية ودفاعاً عن الفقراء ، والضعفاء . و( محمد ) الطامح لبناء وبلورة قومية أمة جديدة ناشئة . لا يمكن قيامها بدون مركزية القيادة والقرار .
هذه الأشكال الجديدة من ( المعتقدات ) كانت إعلاناً كونياً بولادة أنماط جديدة من العلاقات الإجتماعية – الإقتصادية في الفكر السياسي القديم . وتعبيرأ عن مصالح قوى إجتماعية جديدة صاعدة . ( راجع دعوة محمد الى ملك الروم هرقل للإسلام ) والإله ، لم يكن سوى ( الفترينة ) لطموحات قادتها السياسين الذين ألبسوا أنفسهم عباءة الرسل ، أو( لنقل بحذر جرى إلباس بعضهم ) ولولا تلك العباءة لما تبعهم أحد . فقد كانت هذه العباءة ضرورية كجزء من تقاليد وثقافة مجتمعات تعيش على الأسطورة الشفاهية والمعدلة بإستمرار ، لضمان إستمرارية تأثيرها على أتباعها . حيث لعبت اللغة أو ( الخطاب الورعي الديني الغيبي ) هنا دور ( الساحر ) في آداء الشعائر الوعظية ، بهدف ضمان النتائج السياسية من العمل الشعائري ، في إعادة تكرار ذات النصوص . فاللغة أصبحت جزء من منظومة السلطة الفكرية . سواء بحشوها بكلمات مبهمة أو من خلال تفخيم الصوت ، أو عبرمختلف الطقوس المسرحية الممارسة . إن قيمة أي فكرة نظرية هو في إستمراريتها . والوعظ الشعائري كان من أهم العوامل الرئيسية في نقل الإيمان الوراثي من جيل الى آخر . ثم ماذا كانت النتائج ..؟
من وادي الرافدين في العراق القديم الى فلسطين ، وحتى تخوم الحدود المصرية ، دفعت شعوب هذه المنطقة ثمن عدم إستقرارها ، أو إستقرارها القلق الهش . أو بالأحرى ثمن صراعات عصبيات ( دياناتها ) المختلفة ، وملوكها وكهنتها وغرور قادتها من رحل منهم ، وممن تبقى على قيد الرحيل . وربما ما تشهده المنطقة حالياً هو جزء من الحالة التراجيدية التاريخية التي أصبحت شبه ملازمة ، أو ماركة مسجلة تخص المنطقة . ورغم أننا نستبعد في أحيان كثيرة نظرية ( المؤامرة في التاريخ ) لكن ترى هل الحيلولة دون إستقرار الوضع في العراق وفلسطين ، هو أحد أسباب تخوف الأخرين من إستقرارالوضع في العراق وفلسطين ، لما يمكن أن تسفر عنه حالة الإستقرار من نهوض جديد لشعوب هذه المنطقة ..؟
حالة عدم الإستقرار الداخلي في أي حضارة ، عادة تنعش شهية الاخرين على الغزو والسلب ، وهو أحد القوانين والعوامل التي حكمت علاقات الماضي ، وربما الحاضر . الهجرة ، وحركة السكان ، هي محركة وصانعة التاريخ . أقوام تغزو أقوام أخرى ، يتكلم بعضها لغات مختلفة ، تعبد آلهه مختلفة ، ناقلة معها ثقافة مختلفة . الظروف الإقتصادية من حيث توفر الماء والكلأ ، وتزايد معدلات النمو في التجمع القبلي القديم ، والإنتقال من المرحلة الرعوية الى الزراعية ، أدى الى إحداث حركة بشرية واسعة في منطقة الشرق الأدنى . كما أدى الى ظهور أنماط جديدة من العلاقات الإجتماعية – السلطوية التي فرضتها الحاجة الى تنظيم الأشكال البدائية الأولى لمجتمع نواة الدولة وفق تصورات الفكر القديم . ومن رحمها ولد مبدأ إستغلال القيمة لقوة العمل البشري وتحويل قطاعات من البشر الى عبيد للسحرة أدعياء التواصل مع القوى الغيبية . وأنتجت رؤى فكرية جديدة ساعدت على ظهور عوامل قومية جديدة لسكان محليين ومهاجرين . أو ما يمكن إعتباره قبائل لاجئة ، تبحث عن وطن قابل للإستيطان . ( الأكاديين ، الأراميين ، الهجرة اليمنية الأولى ، حركة القبائل الليبية ) مجرد نماذج في التاريخ القديم
من هذه الهجرات والحركات السكانية ، ظهرت حركة القبائل الرعوية التي كان مسرح حركتها مابين أرض الحجاز الى حدود الأمبراطورية المصرية القديمة ، الى جنوب أرض الأموريين والأدوميين ،واليبوسيين والكنعانيين وبلاد ما بين النهرين وهي أقوام ، تميزت بطابع الإنتاج الزراعي . لكن من هي هذه القبائل الرعوية ..؟
يرى الدكتور ( كمال صليبي ) في كتابه ( التوراة جاءت من جزيرة العرب ) أن مطابقة المواقع الجغرافية مع الأحداث التاريخية التي يوردها ( العهد القديم ) تشير الى أن مسرح صناعة ( العهد القديم ) كانت أرض الحجاز ، نافياً بذلك حدوث عملية ( السبي البابلي ) من أساسه . حسب رواية ( العهد القديم ) و محرروا ( العهد القديم ) تعرفوا على منابع الأسطورة المصرية القديمة ، ومنها جرى تغذية ( العهد القديم) بالأساطير الواردة فيه . لكن هذا لم يمنع هذه القبائل الرعوية من الإستفادة من ثقافة وادي الرافدين المفتوحة على المنطقة . في صنع خليط أو مزيج من ثقافات شتى تعود الى الرواسب الثقافية لمجموعة كبيرة من البشر سجلها محرروا العهد القديم .
فيما يرى الدكتور ( شفيق منقار) في كتابه الأول ( قراءة سياسية في التوراة ) ثم كتابه الثاني ( سحر الأعداد في التوراة ) منشورت مكتبة رياض الريس في لبنان
أن الحضارة المصرية شكلت الملهم الرئيسي لكتبة ( العهد القديم ) بدأً من نسخ الروايات الى الرموز الدينية الى ملابس الطقوس والصلوات . في عملية لحوحة لإصطناع تاريخ قائم على سبي ثقافة الآخرين . في إطار عملية غسيل مخ كوكبية لصالح هدف سياسي إستيطاني .
وبينما يتساءل ( فريدمان ) في كتابة الشهير حول ( من كتب التوراة ..؟ ) كان الجواب قد جاء سابقاً على سؤاله بستة قرون من قبل المؤرخ التوراتي ( اليعازر بن منفيس ) بأن ( موسى لم يكتب التوراة ) ...؟ . بل هناك مؤلفون آخرون للعهد القديم .
فيما يعتبر كتاب ( العهد القديم ) أن مسرح الأحداث يقع ما بين مصر وارض فلسطين . لكن العالم ( د. راينهارد دوزي ) في كتابه 1864 ( الأسرائيليون في مكة ) يرى : ( أن جغرافية فلسطين تكذب نشوء الحدث التوراتي على أرضها ) : راجع مقالة نادر قريط في موقع الحوار العدد 2803 . حتى ( سيجموند فرويد ) في كتابه ( موسى والتوحيد ) طرح علامات شك وقلق حول مصادر وصدقية أسطورة ( الخلق ) . وإذا علمنا أن قبيلتي ( الأوس والخزرج ، اليهوديتين ) هاجرت من اليمن الى يثرب ، وأن قبائل بني ( حِمير) هي أيضاً قبائل يهودية ، وأن قبائل ( بنو عكرمة وبنو ثعلبه ،وبنو محمر ، وبنو زغورا ، وبنو قينقاع ، وبنو زيد ، وبنو النضير ، وبنو عوف ، وبنو قريظة ، وبنو بهدل ، وبنو الغصيص ، وبنو مرانة ) هم قبائل ( يهودية ) إنظر كتاب ( أديان العرب وخرافاتهم - ص 54) للأب ( أنستاس ماري الكرملي – 1896 ) كانت تعيش في مدينة يثرب ، يصبح من حق المرء التساؤل حقيقة حول مكان مسرح تأليف العهد القديم . وعملياً هناك نظريات عديدة حول هذا الموضوع ،لكن كافة النظريات لاتملك المقدرة على تفسير كافة الأحداث ، ربما بسبب عدم تعرض بعض مناطق الشرق الأدنى لعمليات التنقيب الآثارية المطلوبة ، ومنها أرض الجزيرة العربية . وإختفاء أدلة ، ونصوص وثائقية عديدة . وحروب طاحنة ، وغزو تدميري . وهو ما أدى الى عدم وصول مختلف النظريات ( الإفتراضية ) الى مرتبة ( المسلمات ) الغير قابلة للشك . والعلم والتنقيبات الآثارية الحديثة تؤكد أن هذه النظريات المفسرة لموضوعة ( العهد القديم ) هي الأكثر دقة في تفسيرما حصل من ( هولوكست للتاريخ القديم لحضارة شعوب الشرق الأدنى القديم ) .
يشير الكاتب الأستاذ ( هشام محمد أبو حاكمة ) في كتابه ( الأساطير المؤسسة للتاريخ الإسرائيلي القديم ) منشورات دار الجليل – عمان الى ملاحظة ذات أهمية خاصة وهي ، ( أن النقاش الذي يظهر بوضوح ويتصاعد على صفحات الصحف والمجلات الإسرائيلية وغيرها ، هذا الجدل الأكاديمي التاريخي ، والذي يتجه الى إظهار الحقائق التاريخية القديمة والتي تنفي أن تكون مرويات العهد القديم تاريخاً ، اصبح التخوف من أن يؤدي الى فقدان ذلك التاريخ هويته القديمة التي تعتمد عليها إسرائيل كثيراً ) وللحقيقة فإن هذا التخوف ليس حكراً فقط على أصحاب كتاب العهد القديم ، بل ينسحب على أتباع ( العقائد التوحيدية ) الأخرى المستندة والمؤسسة على روايات ( العهد القديم ) . ونظريته في أسطورة ( الخلق والتكوين ) .
بيد أنه ،عندما يكتشف المرء الدور الذي لعبته على سبيل المثال التعاليم الزرادشتية الأخلاقية الرفيعة ( 3000 ق . م ) ، وكذا القوانين البابلية ( حمورابي ) أو السومرية والأشورية، أو المصرية في صياغة منظومة فكرية متقدمة في ذاك العهد على أطروحات لاحقة في عصور متأخرة أخرى ( الأغريقية - الرومانية ) ، وجرى أيضاً سبي منظومة أفكار هذه الحضارات من قبل ( العقائد التوحيدية ) . فإن مقدار دهشة المرء تتراجع الى الخلف ، لكي تحل محلها مشاعر الأسى لما آل اليه تاريخ هذه المنطقة على يد حراس النص . ترى هل حان زمن إعادة الإعتبار المعنوي لهذه الحضارات ودورها التطويري والمحرك للتاريخ ...؟ ليس بهدف تسيدها ، بل بهدف إعطاءها قيمتها الحضارية المصادرة .
هنا تبرز أهمية التصدي للصراعات العقائدية بمختلف أشكالها من حيث كونها ، تعبيراً عن صراع مصالح طبقية لفئات إحتكرت الثروة والسلطة من خلال الأسطورة وتدويلها وتدويرها . والتصدي للخطاب ( الديني ) لهذه القوى لا يتم بخطاب ديني بديل أو متصادم ، بل من خلال كشف جذورهذه العقائد مجتمعة التي ساهمت بوئد حضارات الشرق القديم ، وتحويل المجتمعات المعاصرة الى عبدة نصوص إحلالية وإستيطانية . بل أن بعضها مارس دور الشاهد الغائب على ( صحة ) بعض الأساطير ثم تعارض معها ، من خلال نفيه لها . رغم بقاءها في نصوصة ، كجزء من تعاليمة الدينية . ففي الوقت الذي يعتبر فيه بعض ( فقهاء العقيدة الإسلامية ) أن ( العهد القديم والجديد ) تعرضا للتحريف والتزوير .. لكننا نرى ، ذات النصوص الإسطورية المدونة في كتب العهدين هي ذاتها في الكتاب الإسلامي ..؟ مع تعديلات بسيطة إقتضتها طبيعة الظروف الإجتماعية السائدة وملابسات ظهور فكرة الدعوة . ولشديد الأسف أن تنساق مجموعات بشرية وراء وهم الأساطير كما تساق الشاة الى مذبحها بنفسها . ( للبحث صلة )



#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هولوكست التاريخ / إعادة قراءة لإسطورة الخلق والتكوين ومصادر ...
- هل أدم هو الأسم الحقيقي للإنسان الأول ..؟
- طرقت الباب ... ( حتى ) كل متني ..؟
- الحوار المتمدن و تجديد الخطاب العقلي
- الله .. المزوج .. وجبريل الشاهد ..؟
- إختراع صيني جديد ... خروف برأسين ..؟
- لا حضارة بدون نساء.. ولا ديمقراطية بلا تعددية/ ولا ثقافة بلا ...
- عندما يحمل( النبي ) سيفاً .. يحمل أتباعه سيوفاً
- ينتحر العقل عندما يتوقف النقد
- تحرير العقل من سطوة النص المقدس
- رداً عل مقال شاكر النابلسي / الإنقلابات والثورات والأحزاب ال ...
- وجهة نظر في الرأي المخالف / من قريط الى شامل ومن طلعت الى تا ...
- على المحامي هيثم المالح تغيير إسمه الى هيثم الحلو
- الحضارة الإغريقية/ مجلس للآلهه وفصل الدين عن الدولة .
- اليونان / من رئيس للوزراء الى مواطن عادي
- في الحضارة السومرية .. حتى الألهه كانت تعلن الإضراب عن العمل ...
- الحوار التفاعلي الديمقراطي في الحوار المتمدن
- هل كان موسى ( نبياً ) حقاً ؟ وهل إنتحلت شخصية أخرى شخصية ( م ...
- نظرية الصدمة في الفكرة الدينية الإنقلابية
- أخناتون قائد أول إنقلاب في التاريخ على الديمقراطية


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون خوري - هولوكست التاريخ ..أنبياء أم قادة سياسيون ..؟