مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2875 - 2010 / 1 / 1 - 20:14
المحور:
سيرة ذاتية
2 – .. أوراق من دفاتر العمر
ما دامت حياة الإنسان تبدأ بالطفولة , لا يحق لنا حذف هذه المرحلة أو تجاوزها من تاريخنا , وفترة الطفولة عزيزة على قلوبنا دائماً , فهي محور أساس تربية الإنسان , وركيزة شخصيتة ومسيرته في الحياة .
تعتبر هذه المرحلة من السنين الهامة في تكوين الشخصية الإنسانية , و كما أكد علماء التربية والباحثون الإجتماعيون يمتد تأثيرهذه المرحلة إلى مرحلة الدراسة الجامعية إيجاباً أم سلباً , وتأثيراً حتى سن الشيخوخة . . كما أن روضات الأطفال المبكرة تلعب دورامهماً و إيجابيا تخدم الطفل حتى مراحل الدراسة العليا سلوكاً و تكيفاً ونضوجاً , لما يختزن فيها من خبرات وتأثيرات .
ولما كان الشباب هو إمتداد للطفولة , والكهولة إمتداد للشباب .. فعلينا أن نعرج ونتفيأ تحت ظلال الطفولة السعيدة المزهرة بألف لون , ولعبة , وصورة , وخبرة , لنسترجع عقداً من الزمن هو من أهم مراحل حياة الإنسان على الأرض وخاصة أنني أنتمي إلى حضارة ( بلاد الشام ) , التي هي جزء من حضارة الهلال الخصيب التي هي بدورها لقاء الحضارات المتوسطية والشرق أوسطية ( المصرية السومرية الأكادية الاّمورية الكنعانية الاّرامية العربية وو...... ) ووليدتها و نقطة إلتقاء الشرق مع الغرب والشمال بالجنوب . من هذا الخليط من هذا المركز المكثف الذي صهر وعجن في دمشق ( أم الدنيا ) التي سميت قديماً ( بلاد الأحياء ) أي الينابيع .. الحياة اليانعة .. البدايات .
طفولتي معطرة بالعذوبة والفرح .. مؤطرة بسياج الحرية والتمرد .. حدودها قمم الجبال .. ,, طيبة وناعمة وممتعة .. وحلوة كالعسل .. والعسل مادة حافظة مستديمة صالحة للخلود والإستدامة كما اكتشفها قدماء المصريين ..... ,, دون أن أنسى الطفولة التعيسة التي كان يعيشها الكثيرون في بلدتي , أو في المدرسة , وكنت أتعاطف معهم حتى قبل إلتزامي السياسي بزمن ..
ابتدأت الخطوة الأولى في طفولتي من بلدة صيدنايا , الرحلة الطويلة ابتدأت منها –
أحاول أن أتذكر ما علّق بالبال والذاكرة المجرّحة .
ففي كل مرحلة هناك محطات مضيئة , مميزة , ومحطات سوداء , وأخرى بيضاء .. الحياة تلاوين " وطلعة ونزلة " -
وفي الحياة أيضاً , ما في ولد يشبه أخاه , ولا صوت يشبه الثاني , ولا تجربة ولا كتابة تشبه الأخر ى..
أكتب عن هذه التجربة التي هي أنا , حالتي شخصيتي فكري تربيتي خلفياتي محيطي , وما أحاط بي من مؤثرات خارجية وداخلية , محلية وبيئية وذاتية , منطقية , ريفية ومدينية حضرية .. الخ .. وما أعطتني وما أعطيتها , فمن واجبي الملّح , بل من الضروري كتابة تجربتنا وخبرتنا الحياتية الذاتية ونقلها للاّخرين لأن هذه المسيرة ليست ملكاً لنا فقط , بل هي ملك الناس ملك كل الجماهير التي عشنا بينها ومعها ولأجلها – وعلينا واجب تسجيلها للأجيال لكي تقرأها وتتعلم منها وتأخذ ما تريد .
لأنها حتما لم تمر بنفس هذه التجارب , لذلك يجب أن ننقلها بإطارها الحقيقي للسياسيين والمثقفين وبسطاء الناس والكادحين للإطلاع عليها .. حتى لا تضيع وتندثر في طيات التغييب والتشطيب والنسيان..
هي تجربة إنسانة رأت وعرفت واستخلصت بالكلمة والصورة , والعبرة والحكمة , بعد أن عشت الفعل وأحسسته منذ الأزل أن الوطن هو الحياة , الملعب الأول , المكان الصغير الذي اتسع وكبر وامتد أحياناً بإرادتنا , وأحياناً بإرادة الحياة نفسها , والقدر والأحداث الكبرى والقضية الكبرى , ليشمل العالم أو كل الأرض ..
التذكر بهذه المحطات .. واتساع الدوائر الإجتماعية والجغرافية - المكانية , والعبر من كل مشهد ومعايشة , مهمة روحية وتربوية وعلمية وثقافية , إلى جانب أنها ضرورة عملية زمانياً وتاريخياً .
أحاول أن أكتبها بكل موضوعية وتجرد .. تجارب إنسانية إجتماعية ثقافية نضالية سياسية , وتجارب عمل إجتماعي تربوي مهني في سورية ولبنان والعراق وغيرها من المدن الأوربية والعالمية ..
المحطة الأولى
يقول الكاتب الروسي الشهير تشيخوف عن نفسه : " لقد عشت طفولتي بلا طفولة " .
وأنا أقول : لقد عشت طفولتي في حضن بستان الطفولة , عشتها بكل أبعاد كلمة الطفولة البريئة الجميلة .
ولما كان كل شئ يأخذ مجراه من النبع من الجذور العائلية ... سأحاول أن أتكلم عن هذا النبع الدفاّق والجذور الصلبة الممتدة ......
..........
- " شجرة كانون "
أنا شجرة كانون
في غابة الرياح ولدت
وفي ثوب الثلج تدفأت
في الجبال الجردية تنقلت
وفي الحقول الريفية نشأت . . ولعبت
وفي أحضان الجدّات ترعرعت .. وكبرت .
تعانق اللهب بين الأغصان
كان احتراقاً .. ونورًا
اللهيب كان مطهراً
ومياه الأنهار والبحيرات والينابيع حارّة
" الأشجار ركعت "
ليلاً ؟
والأعياد .. تجمعت
والحمام رنم الصلاة والأشعار
المواقد كانت مشتعلة
والعماد
يطهّر الأشياء , والشوائب , والشرور
والأقذار
رياح كانون ..
ذرّات كحل للعيون
كحل للرماد .. سماد في السهول
حتى الحدود , حتى القارات
بين أمواج المحيطات
اختلطت الذرّات -
حتى الأخشاب القوية انطعجت
تفحمت
الرياح العاتية أخذت الأوراق والجذوع
بعيداً بعيداً في نهر الحياة
نفضت الشجرة ريشها وحشاشتها
ونسغها
بعدما عملت فؤوس الأعداء في جسمها
طرقاً وضرباً دون رحمة أو توقف
قاومت .. قاومت شجرة كانون الثاني
- من فصيلة أشجار دائمة الخضرة كانت
( كالأرز والصنوبر والسنديان والزيتون ... ) -
شجرة الخير , في ( ليلة القدر ) تعلو السماء تعلو الفضاء
ضمّدت ندوب الجروح والتجريح دون انحناء
بقيت الندوب في القلب – والصدر – والجلد
والقشرة الملساء
تزهر تتجدد .. تتفتح مع كل ربيع
تكابر تجتهد من خصب الجذور وأرض الخير والنماء
وتتذكر هنا : غصن عذاب , وانكسار , واحتراق
شجرة الترياق , شجرة كانون
في مطلع كل عام
في ليل السادس من كانون الثاني
تركع الأشجار ..؟؟
تفوح رائحة الأرض حول محيطها , وظلها
كغابة وسط الصحراء
تنثر الندى .. والماء
والزيت , وخبز الأعياد , وهدايا الأطفال
يتبارك المؤمنون في جرن العماد
بنهر الأردن , والطقوس الشعبية
والحلويات الطيبة المقلية
والتفاح الذهبي ..
على كل قمة , وفي كل واد .
عندما وعيت
دخلت بوابة وطني الكبيرة
درجت ملعب قريتي الجليلة
وهياكل قدسها .. ودروبها الجميلة
صافحت كل الناس
كان فقراً – وبساطة
كانت مرؤة وصداقة , وتواضع وتضامن ومعونة
وحب كبير يغمر العلاقات , متراكم منذ اّلاف السنين
كان الشعب ( خام ) بكر
أبيض كالرخام
صلب وفيّ , نقي للخير والوئام
..
كان الطغيان في غير مكان , بل في كل مكان
وتخلف واّثار استعمار
واحتلال
كان إقطاعاً – واستغلالاً , وأميةً , وكان , وكان ..
دخلت مساحة الوطن كلها دون استثناء
جلست أفرش سجادة الصلاة
شجرة العلم والعمل
جلست أزرع الأفكار , والحوار
والثمار والأزهار
والحب الجميل
والحب الكبير
الكبير ..!
--------------
مريم نجمة – لاهاي – 1 /1 / 2010
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟