|
الأعياد الدينية..من الطابع الديني إلى الإحتفالي
زهير الفارسي
الحوار المتمدن-العدد: 2873 - 2009 / 12 / 30 - 18:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعيش العالم هذه الأيام على إيقاعات الاحتفالات بعيد الميلاد ورأس السنة الجديدة. وهي فرصة مؤاتية للتجار، حيث يقبل فيها الناس ،في جميع بقاع العالم، علي التبضع بإفراط واضح، كما يحرص الجميع على إظهار مشاعر البهجة و الفرح، عن طريق إحياء الحفلات وتبادل الهدايا. وهذا الأمر ليس بجديد طبعا، بل أنه يرجع إلى قرون عديدة خلت. بيد أن الأمر المثير للانتباه هذه السنة هو تزامن حلول رأس السنة الميلادية ورأس السنة الهجرية، الشيء الذي دفع الكثيرين- وخاصة من المسلمين- للتساؤل عن السر وراء الاحتفال بالسنة الميلادية دون الهجرية- التي حلت قبل أيام وكأنها لم تحل. ليس في الأمر من لغز، ذاك أن رجال الدين المسلمين لايفتؤون ينهون عن التشبه بأصحاب الديانات الأخرى؛ ولان السنة الهجرية تعود إلى حدث الهجرة من مكة إلى يثرب، وهو حدث تاريخي مرتبط بتطور الدعوة الإسلامية، أكثر مما هو مرتبط بقضية الإيمان؛ والأمر الأهم هو أن التقويم المعمول به في المعاملات، بكل أنواعها هو التقويم الميلادي. لا تخلو أي ديانة، سواء كانت سماوية أو غير سماوية، من أعياد ومناسبات دينية يتم إحياءها في مواعيد سنوية محددة. ولعل الإسلام أكثر الديانات زخما بالأعياد والمناسبات الدينية . فالأعياد تنطلق مباشرة مع ذكرى عاشوراء ويليها عيد المولد النبوي، وشهر رمضان، وعيد الفطر، ثم عيد الأضحى. وبين عيد وعيد هناك مناسبات دينية قد تتخذ طابعا محليا (مواسم بعض الأضرحة والزوايا الطرقية يتم إحياؤها في المغرب مثلا)*. واللافت للانتباه أن الجميع ،تقريبا، ينخرط في إحياء هذه المناسبات، حتى الذين لا يلتزمون بأداء الطقوس الدينية،- ولو أن أغلبهم يعلن إسلامه. ويمكن أن نلخص مميزات هذه المناسبات كالتالي: - شهر رمضان: في هذا الشهر يقبل الناس، بعد أدان المغرب، بإسراف على الأكل والسهر، وهو ما يفسر تسجيل هذا الشهر أعلى معدل إنفاق في السنة، برغم انه شهر صيام. -عيد الفطر: يتحول إلى ما يشبه مهرجان كبير لاستعراض أنيق الثياب وأجددها.وطبعا يعتبر مناسبة لملء البطون بالمأكولات. - عيد الأضحى: في هذا اليوم يستغرق الجميع في التهام اللحوم وبشكل جنوني ،هذا طبعا بعد تبار محموم لاقتناء المكتنز من الشياه. رغم أن الذبح في هذا العيد يعتبر سنة وليس فريضة، حسب المنطوق الديني. - عاشوراء: تعرف ، في المغرب ، إقبالا كبيرا على اقتناء الحلويات والمكسرات. ويحرص الآباء في هذه المناسبة على تقديم الهدايا للأطفال في شكل لعب. و تتصرف المرأة في هذا اليوم، بحرية على غير العادة، وتنظم في بعض المناطق كرنفالات للرقص-مدينة الراشدية نموذجا- ، وهي طقوس ذات أصول يهودية. إضافة إلى هذا، من المفيد أن نورد بعض المعطيات المرتبطة بالحياة اليومية للناس خارج أوقات الأعياد والمناسبات، حيث يسجل إقبال كبير على تناول الكحول، وتعاطي الجنس خارج مؤسسة الزواج**، وارتداء الإناث ملابس عصرية تبرز أنوثتهن، وطبعا متى أمكن ذلك ماديا. والى جانب هذا هناك إقبال على المساجد. هذه الحقيقة يقر بها حتى أنصار الأحزاب الدينية في البلدان العربية الإسلامية. ويحاولون جهدهم التنبيه إليها من أجل (تصحيحها). وهم في هذا الأمر مع رجال الدين المسيحيين واليهود في الهم سواء، كما يقال، فالقليلون هم من يعرفوا أن يوم ميلاد المسيح هو25 من دسمير وليس فاتح يناير، وحتى من يعرف هذا الأمر من المسيحيين، فقليلون هم من يحيوا الطقوس الدينية، وهذا حسب أقوال رجال الكنيسة أنفسهم، كما جاء في تقرير إخباري على موقع البي بي سي. ليس في الأمر من تناقضكما قد يبدو، بقدر ما هو تجل للإيديولوجية المتغلبة في المجتمع، وأعني بذلك "القواعد الذهنية المستبطنة في سلوك الأفراد، وفي أحلام الرجال ورسوم الأطفال، في الآداب الريفية ونفسانيات الأبطال الروائية، في نصائح الأمهات"(2). وإيديولوجية/ هوية الشعوب والجماعات بهذا المعنى تتشكل نتيجة تراكم تجارب وخبرات يتداخل فيها الإنتاج المادي للحياة وكذا الإنتاج الروحي، سواء تعلق الأمر بإنتاج روحي حر لم يخضع لتأثير غير تأثير شروط وجوده، أو بقسر/عنف أيديولوجي مورس من طرف الحكام أو الاستعمار. الثابت أن الدين في المجتمعات العربية الإسلامية يعد مكونا من مكونات هويتها، ولو إلى حين، لأنها في حاجة لعزاء ما(3)، من شقائها في مجتمعات الاستغلال. لكنها تمارس هذا الدين بالطريقة التي تفهمها هي وبالطريقة التي لا يحول فيها الدين بينها وبين إرواء حاجاتها البيولوجية والنفسية. حتى ولو اجترحت لنفسها دينا أقرب للاحتفال منه إلى العبادة.
هوامش: *ذكرت مواسم الأولياء والزوايا ضمن المناسبات الدينية، لأنها تمارس باعتبارها من صحيح الدين وهذا هو الأهم بالنسبة لموضوع بحثي- رغم اعتبارها من طرف رجال الدين بدعا. **يستهلك المغاربة في العام الواحد ما مجموعه 131مليون لترمن الكحول حسب ما جاء في جريدة "لافي ايكونوميك" المغربية. أمر آخر، أنا هنا أسجل معطيات تتنافى مع ما يدعو إليه الدين، ولست ارمي إلى تشجيع تناول الخمر أو الإباحية،كما لا أبحث هنا عن أسباب تعاطيهما. (1) عبد الله العروي/ العرب والفكر التاريخي/ص19 الطبعة الرابعة/المركز الثقافي العربي. (2) يقول ماركس في مقدمة كتابه نقد فلسفة الحق عند هيغل:" الدين زفرة الإنسان المقهور(..) إنه روح الظروف الاجتماعية التي طردت منها الروح. انه أفيون الشعوب".
#زهير_الفارسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا تقدم يد العون..والخلاص أيضا!!!
-
المال مقابل لقب من درجة حكيم
المزيد.....
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
-
طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال اقتحم المسجد الأقصى المبارك 21
...
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
زعيم المعارضة المسيحية يقدم -ضمانة- لتغيير سياسة اللجوء إذ أ
...
-
21 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 47 وقتاً في الإبراهيمي ا
...
-
24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با
...
-
قائد الثورة الاسلامية:غزة الصغيرة ستتغلب على قوة عسكرية عظمى
...
-
المشاركون في المسابقة الدولية للقرآن الكريم يلتقون قائد الثو
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|