أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال ابو شاويش - قصة قصيرة-خارج السياق














المزيد.....

قصة قصيرة-خارج السياق


طلال ابو شاويش

الحوار المتمدن-العدد: 2872 - 2009 / 12 / 29 - 02:11
المحور: الادب والفن
    


الرفاق نيام ... وجوههم لا توحي بهذا ... القيظ و الذباب و سخط الصحراء ينهال عليهم وقت القيلولة ... كانت تلك أحب الساعات إليه ... ينكب على الكتب و يبدأ القراءة وقد قرر أن ينهي كل ما توفر من مواد ثقافية مطبوعة و غير مطبوعة !
شاويش القسم يوقظ أقرب الرفاق إلى الساحة ... يناوله بعض الصحف القديمة و عدداً من الرسائل ... أراد أن يلعب لعبة صغيرة قد تخفف من عبء الساعات المضنية .
_ تعميم حزبي يا رفاق ! صرخ بأعلى صوته ... و خلال أقل من دقيقتين كان الجميع يلتف حوله وسط " الخندق " ... العيون تترقب و الآذان تتهيأ للاستماع إلى أي شيء جديد ...
الجميع يحيا نفس الحالة منذ شهور ... انقطاع تام عن الأهل... ليس هناك أي نوع من الزيارات ... الصحف تصل بعد أيام من صدورها ، و الرسائل هي الصلة الوحيدة بين المعتقلين و أهلهم ... ودائماً ما تصل بعد تأخير مقصود و بعد أن يزج ضباط الأمن أنوفهم في أنفاس الزوجة أو الأم أو الأخت ... ويتلصصوا على الهمس الحزين و الحنون لذوي المعتقل !
لذا فقد كان المعتقلون يرون في التعاميم المركزية و الصحف والرسائل التي تصل من حين لآخر ، فسحة من الأمل ، من الحرية ... فهي الوسيلة الوحيدة للاتصال بالعالم الخارجي ...
انتقلت النظرات المترقبة بين الورقة التي يمسكها " على " و بين عينيه الصغيرتين الأشبه بعيني ذئب ... تعمد إثارتهم أكثر ... فنهض طاوياً الورقة و استأذن للذهاب إلي الحمام لقضاء حاجته ... أمسك به عدد من الرفاق المشاغبين و منعوه ، و أصروا على قراءة التعميم لأنهم يريدون العودة للنوم ... و لكن هل كانوا ينامون فعلاً ؟ و هل يمكن للإنسان أن يخلد للنوم في هذا الصيف الأحمق ؟ !
" زوجي الحبيب ... أرسل إليك بكلماتي هذه آملة أن تخترق الأسلاك و الرقابة و تصلك و أنت ...... ! " لم يعلم " علي " كيف يتقي ضربات المخدات و المناشف وكؤوس الشاي البلاستيكية و غيرها من الأدوات القليلة التي توفرها إدارة معتقل " كيتسعوت " الصحراوي للمعتقلين !
هدأ الرفاق و بدأ " علي " بتوزيع الرسائل القليلة عليهم ... تلقفتها الأيدي بلهفة ، و بعد لحظات قليلة كان كل شيء قد خرج عن سياقه الطبيعي ... المناخ و المشاعر و الأفكار ... احتضنت " الأبراش " أجسادهم المتعرقة و حلق الجميع في عوالمهم الخاصة ... خيم صمت واسع فوق سماء " الخندق " وامتد لينشر جناحيه فوق القسم برمته !
اقترب أحد الرفاق من " علي " وسأله :
_ ألم تتسلم أية رسالة منذ اعتقالك ؟
_ نعم ! أجاب بعد لحظة من التفكير بينما انشغلت أصابعه بإشعال سيجارة "أسكت" أو "إخرس " _ كما كان يسميها _ !
_ لماذا لا يكتب أهلك لك ؟
_ أنا وحيد لأبوي ... و لو فكر والدي بإرسال رسالة ، فيرسل ورقة بيضاء في وسطها بصقة سوداء كبيرة ... صمت قليلاً ليتنهد ثم غمغم : المهم أن أخرج من هنا !
شعر رفيقه بأنه غير راغب في الحديث ، فانسحب إلى فراشه تاركاً له أن يسبح في تأملاته الخاصة .
" تجار الذهب يختلفون عن غيرهم من الناس ... حياتهم كلها أرقام ... يحسبون كل شيء بالميلغرام ... حتى مشاعرهم تجاه الآخرين يحسبونها بالأرقام ... أراد أن يعلمني هذه المهنة ... كنت أمقتها أكثر من أي عمل آخر ... أخرجني من المدرسة لهذا السبب ... لم أكن متفوقاً في الدراسة ، لكني كنت أستطيع الحصول على شهادة الثانوية العامة و الالتحاق بأي جامعة ... أمضيت هناك عدة أيام على مضض ... كان يشعر بذلك و يكرر دائماً : مستقبلك في هذا المحل ... أنظر ... ويشير إلى مقتنياته الذهبية أو يحملها و يقول بانفعال بغيض : هذا سيجعلك تكسب ذهباً ... هذا أهم من الشهادة ... أنظر ... و لم أكن أهتم ... لم تكن مقتنياته الذهبية تثير لدي أي انفعال... لم أكن أحس بأي فرق بين الذهب و أي معدن آخر ... و كنت أفكر دائماً عن سبب قرب سوق الصاغة من سوق الإسكافية !ّ
التقطني أحد الرفاق ... جندني للعمل في اللجان الشعبية ... وفي الحزب اكتشفت الفرق الكبير بين الذهب و الفكرة ... بين أبي و رفاقي ... الدرس الأول كان التمرد ... لم يهتم كثيراًَ ... قال ببساطة لا يمكن أن يتحدث بها سوى زوج أم ظالم : آخرتك السجن أو الموت فطيس ! افعل ما يحلو لك !
كنت أشعر بسعادة غامرة حين أعلم بأن مهمة ما بانتظاري ... و كنت أحرص على العودة إلى المنزل متأخراً كي أتيقن من نومه ... أسوأ الأيام كانت تلك التي يفرض خلالها حظر التجوال ... يستمر العراك بيننا حتى ينتهي الخطر ... و كثيراً ما غامرت و ذهبت للنوم عند بعض الرفاق مخبراً والدتي بذلك... لم يكن لها أي دور ... سطوته عليها مطلقة ... كنت أتخيل بأنه لو أراد الزواج من إمرأة أخرى و طلب منها أن تخطبها له ، لنفذت ذلك دون أي اعتراض ! و الغريب أنني لم أرها يوماً تتزين بأية قطعة ذهبية !
شعور باليتم يسكنني ... الشعور العميق بالوحدة يساوي الأشياء في نظري ... و يمنحني إحساساً بأن أحداً لن يبكيني لو مت ... هذا الإحساس كان يدفعني لتنفيذ أية مهمة مهما عظمت و مهما بلغت خطورتها ... غامرت كثيرا , لكن الصدفة كانت تبقيني حيا...لعله الآن يقول لوالدتي : ألم أقل لك من قبل ؟ هذا هو المصير الأنسب لهذا الصايع ... السجن... نعم... هذا أنسب مكان له ! "
_ خذ رسالتي و اقرأها يا علي...بل أقترح أ ن تعطي جميع الرسائل لمن لم تصلهم رسائل هذا اليوم ليقرأوها وكأنها لهم ...وليكن هذا تقليداً...أليس هذا شيء جميل يا عليّ ؟ !
قطع الرفيق حبل تأملاته... حاول الإبتسام لكن الإبتسامة تعثرت و لم تصل إلى شفتيه... هز رأسه وعلق متفلسفاً :
_ لا خصوصية داخل السجن وهذا ليس لدوافع أمنية , ولكن لأن حالة الاشتباك المباشر تذيب هذه الخصوصية وتجعل من العام أقوى وأعمق !
أمضى "علي " الأشهر الستة دون أن تصله رسالة واحدة ... وخرج ليجد والده منغمسا في مهنته المحايدة ... ووجد والدته تحيا نفس السلبية القاتلة ، فقرر دون تردد أن يعود لممارسة أنشطته التي أدخلته السجن ذات مرة !



#طلال_ابو_شاويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة
- ام الفقراء في عيدهاالثاني و الاربعين


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال ابو شاويش - قصة قصيرة-خارج السياق