أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - السيد الوزير















المزيد.....

السيد الوزير


فاتن الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 2870 - 2009 / 12 / 27 - 12:14
المحور: الادب والفن
    



لم أكن أنا داخل غرفته الواسعة الباذخة التأثيث ، المفروشة أرضيتها المرمرية بالسجاد الكاشاني ، أخرى ترتدي أجمل ثيابي تحمل حقيبتي اليدوية وأوراقي ، كنت أراها من خلال شاشة شفافة جدا تتفوه عباراتي ، وتصرح بأفكاري ، بذات التوجس والتردد ، تعبث بخصلات شعري ، ترفعها عن جبيني بيدها اليسرى التي وضعت بأحد أصابعها خاتم زواجي ، لها ذات ملامحي ، تتزين بزينتي وتأتي أليه ، تتركني في دوامات الدوران صحبة مذياع لايهدأ على مدار الساعة ، يقرع الآذان برسائل التبشير لإناس متهللين بومضات سحرية من نور غمرهم وشع بضياءه على قلوبهم من كل وسائل الأعلام ، يغمرني معهم نور الله بأشعاعاته السماوية التي تنثال كلمات قدسية ووعودا وردية بخيرعظيم ، بعد أن أستكانت القلوب وهدأت لصمت فوهات البنادق والمدافع ، زغرد الناجون من سعير حربين ضاريتين على حدود الجيران فرحا ، أشباع البطون يأتي لاحقا ، أقفز من فراشي فزعة خشية أن تكون باغتتني في بدء صباحها ، أثبت نظري في زاوية خفية ، أراها تقاسم زوجي السرير تسند رأسها على ذراعه يتبادلان الحب ، ويغرقان في خيانتي ، تقف خلفي تشاركني مرآتي تتعطر بعطري الأثير وتغادر غرفة نومي .

رغم أنها تتمرد علي وتستبيح تفاصيل خصوصياتي بتحد سمج ، لكني أخاف عليها من غوايات الغرف المغلقة الفارهة ، أتبعها خلسة متخفية بين جموع الناس المهرولين نحو الحافلات المحشوة حشوا بالأجساد البشرية ، أقف خلفها أحرس جسدها من ملامسة أجساد الرجال الجائعة كل صباح بنظرات عيونهم النهمة التي ترتوي من أجساد النساء المكتنزة التي تتكوم بلا حرج بين أجسادهم.

تدخل مبنى كبير، دقائق تخرج مهرولة خلفها السائق ، في مهمة على درجة قصوى من الأهمية ، أنط فوق المقعد الخلفي في سيارة المؤسسة ، والتي تسير بنا بضعة أمتار وتتوقف أخرى ، لشدة الازدحام ، الشوارع مكتظة بالسيارات التي أصطفت في صفوف طويلة تتحرك ببطيء ، أغلقت الشوارع الرئيسية وتحول مسار السير الى الشوارع الفرعية ، كانت بغداد تعج بضيوف الأيمان ، تبتعد السيارة عن وجهتنا ونتأخرعن الموعد ساعتين .

من خلف مكتبه الصاجي الفخم هب واقفا تلقف يدها في مصافحة حارة ، جلست على الاريكة الجلدية السوداء قبالته بعد أن فردت أوراقها على الطاولة المستطيلة لتدون ما يمليه عليها من تقارير وأخبار وزارته في رحاب الحملة الأيمانية التي يعيشها البلد ، كان متوترا ، كلماته مشتتة عائمة ونظراتة شاردة ، يطيل النظر في وجهها وأبتسامة ذات مغزى .. فهمه كلانا
نظراته الثعلبية تعبث بوجهي وتخترق تضاريس جسدي ، في لحظة واحدة أنتفضنا أنا والاخرى ، حين تدفقت الدماء ساخنة الى خدي متشاغلة بأوراقي البيضاء الفارغة تارة وبالنظر الى ساعتي تارة أخرى ..

لملمت أطراف تنورتي عندما أنتصبت قامته الطويلة أمامي ببزته الزيتونية ، يتقدمها كرشه المنتفخ ، ورائحة عطره الممزوجة برائحة دخان سيجاره الأجنبي الفاخر تملأ فضاء المكان ، جلس جواري بمسافة قليلة بيننا ، ألتصقت بحافة الاريكة ، أكاد أخرج منها ، ملوحا بيده مظروفا بنيا منتفخا بأوراق نقدية ونسخة رائعة من القران الكريم ذات طباعة أنيقة وفاخرة ، منذ لقائي الاول به وهو يبتكر طرقا شتى لتقديم الهدايا تثمينا لجهودي ، رفضي المؤدب يقابل بالاستنكار ، فهو لايحتاج رشوتي بل مكافأة لكل المتعاونين ، يحاول الغاء المسافة الصغيرة المتبقية بيننا يلتصق بي ويده ، ما زالت تحمل كتاب الله وفي الأخرى يطوقني بقوة ..

أنتفضت مذعورة حملت حقيبتي اليدوية تاركة أوراقي الخالية مبعثرة على سجادة الغرفة ، خرجت من غرفته وعلامات الأرتباك والاستياء بادية على وجهي وأنا أقطع غرفة السكرتير الذي وقف خارج مكتبه مندهشا من هيئتي المرتبكة ، صفقت الباب وأنطلقت مهرولة غير مبالية لمزامير السيارات وأنا ألقي نفسي أمامها وتعليقات سائقيها تحذرني وأخرى تشتمني أجتزت الشارع المزدحم الى الرصيف عندها تنبهت أني أسير عكس وجهتي ،تذكرت حينها أن السائق ينتظرني في المرآب ،عدت أدراجي لكني لم أستطع مواصلة السير حتى البوابة الكبيرة ، شعرت بدوار يطرق رأسي موشكة على الاغماء ، أشرت لأول سيارة أجرة صادفتني ، قذفت بها جسدي المرتجف بردا في صيف بغداد الملتهب ، على جانبي الطريق كانت عيناي لا ترى سوى لافتات خطت شعارات الايمان بألوان مختلفة.

أسدلت ستائر الغرفة لإحجب قليلا من أشعة الشمس ، التي تنعكس بشدة على السرير الذي أرتميت فوقه مجهشة في بكاء مر أذهل زوجي وصغيري ، متذرعة بألام داء الشقيقة الذي ينتابني بين حين وأخر ،عازفة عن التحدث معهما بأي موضوع ، أقترب زوجي متوجسا يستدرجني للبوح ، حيث لم تقنعه تبريراتي ولا داء الشقيقة الذي تذرعت بآلامه ، تخميناته كانت مضايقة روتينية من مسؤول القسم برفضه أحد تحقيقاتي الصحفية وغالبا ما يحدث ، كنت أرى قلقا في عينيه يخشى أن تنزلق من بين شفتيه كلمات ،أن أكون قد بلغت بقرار التفييض من عملي الذي هُددت به لسنوات ، بددت خوفه ، قائلة ياليتهم فعلوها ، سحب ذراعه التي كانت تطوقني ، أعاد جسده الى الخلف متكئا على لوح السرير الخشبي بعد أن تهاوت أحتمالاته المتوقعة ، وأنبرى يسبر غور أفكاره بعيدا ، كنا نتحاشى ألتقاء نظراتنا خشية أفتضاح أفكارنا التي تسير بخط واحد وتلتقي بالنقطة ذاتها ، أنفجرت عيني بالبوح المر دموعا طعنت رجولته ، لم يزرنا النوم ليلتها ، صباحا رافقني الى موقع عملي ، عندما رفعت الى مدير عام المؤسسة شكوى ضد سيادة الوزير ، كان مرعوبا وهويستلم الشكوى يتلفت ذات اليمين وذات الشمال ويشيح نظره بالسقف ، طلبت أجازة لمدة أسبوع واحد بأنتظار ماستؤول أليه الايام القادمة.

حالما فتحنا باب الدار أستقبلنا رنين الهاتف ، كان المتحدث على الطرف الثاني مسؤول الأمن يستدعيني للعودة لأجراءات مهمة ، كان الذئب يقف في أنتظارنا وبناية المؤسسة الاعلامية خالية من كل العاملين ، دلفنا الى غرفة جانبية وبلا أدنى مقدمات أخرج قلما وورقتين وبلهجة حازمة بتهديد مبطن قائلا ..

ـ أكتبي الآن تنازلا عن الشكوى وفي الاخرى ستكتبين أعتذارا لسيادة
الوزير ...

قبل أن أنهي أجازتي الاسبوعية كان خبر تفيضي قد تسرب وصار على لسان الزملاء الذين لم يعرف أحد منهم سبب نقلي الى دائرة ماء ومجاري بغداد.



#فاتن_الجابري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبعاد قسري
- ليلة الزينين
- أختطاف
- أمرأة الريح
- صباحات مألوفة


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - السيد الوزير