|
اللطم من اجل( الهريسة)
عودة وهيب
الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 05:58
المحور:
كتابات ساخرة
منذ ( نعومة) أفكاري، كانت تشدني إلى العزاء الحسيني قوة خفيه، رغم أني لم أكن افقه شيئا عن معاني الثورة الحسينية العظيمة . كنت وأصحابي نتنطر قدوم عاشوراء على أحر من الجمر، لا لسبب عقائدي ، لاننا لم نكن نفقه ذلك ، بل لأن رقابة أهلنا ومحظوراتهم العديدة تتلاشى أو تضعف في عاشوراء ، وتتاح لنا فرص السهر والتجوال إلى وقت متأخر . كان عاشوراء بالنسبة لنا فرصة للهو والمرح مع ما يرافق ذلك من التباهي بأحمرار الصدور نتيجة اللطم ،خاصة إذا كان اللطم في النهار وبحضور النواهد ، وكنا نحزن ونحتج إذا قرر( الملا ) عدم الانطلاق بموكب الطم إلى أماكن خارج مجلس العزاء .. أما إذا قرر (الملا) أن يكون اللطم من موضع الجلوس فانه سيتلقى سيلا من شتائمنا السرية التي نحرص على أن لا يسمعها الكبار. عندما كبرت قليلا صرت أتحمس للمعارك التي( كان) أصحاب الحسين(ع) وأفراد عائلته يخوضونها ضد أصحاب يزيد، وكنت أتمنى بصدق أن تعاد المعركة فأشارك فيها، لذا كنت اردد بحماس مقولة ( يا ليتنا كنا معكم سيدي فنفوز فوزا عظيما) ، وكنت أرى في كل ( اللطامة ) جنودا جاهزين للقتال إلى جانب الحسين(ع)، وكنت اعذر( فلان وفلان) اللذين نسمع أنهم يحتسون الخمر ويفعلون الموبقات في الأيام العادية، وكنت أرى في حماسهم الاستثنائي في اللطم وضرب القامة دليلا على صحوة الضمير، وكنت حين أراهم في اليوم الثاني احسبهم كأبطال عادوا لتوهم من ساحة الجهاد مع الحسين(ع) فأهش لهم بالسلام . كبرت أكثر فسمعت من يقول : ( إن فلانا لا يلطم حبا بالحسين ولكن من اجل الهريسة ) فاستنكرت الأمر وقلت لنفسي: ( وهل يعيب المقاتل - اللطام - أكل الهريسة كي يستعد لجولة أخرى من القتال الافتراضي ( اللطم ) ؟!! غير إني ولكثرة ما تردد هذا القول إمامي صرت كلما أتناول الهريسة ،سواء في عاشوراء أو في رمضان، أحاول أن أجد شخصا من معارفي ينطبق عليه ذلك الوصف السيئ فلم أجد، فكل اللطامة، من وجهة نظري آنذاك ، هم ( عبيد الزهرة ) المستعدون للتضحية بإشارة منها... وراهقت و(راهقت ) معي همومي، التي صار جلها سياسيا، فصرت أعجب اشد العجب من خنوع هؤلاء الأبطال (اللطامة) لارادة الرفاق البعثيين ، وصرت أتساءل باستغراب : ( كيف يرضخ هؤلاء الأبطال الذين يمنّون أنفسهم ليل نهار بالشهادة مع الحسين،لإرادة السلطة ، كيف لا يثورون ؟!!) ثم زاد استغرابي امتناعهم عن اللطم شيئا فشيا خوفا من البعثيين وصار لطمهم في أحسن الأحوال من موضوع الجلوس (المشين - من وجهة نظري آنذاك ) ، واعترف إن أول إعجاب شدني إلى الشيوعيين هو انخراطهم الجريء في مواكب اللطم بل وقيادتهم لبعض هذه المواكب بحماس ، وكنت أتسقط أخبار وردّات (موكب الرميثة) و(موكب الكاظمية) التي كان اغلبها سياسيا، وصرت احتقر السادة والشيوخ والمعممين الذين يعارضون حماسنا للانطلاق بمواكب اللطم إلى الشوارع، ويطلبون منا أن نلطم في داخل الحسينية أو الجامع أو المضيف ،أما من يحاول إنهاء لطمنا ولو بأسلوب دبلوماسي معروف عبر ترديد عبارة ( مأجورين...مأجورين ) فإننا، وعنادا له، نزيد من حدة اللطم، ..وكنت احقد على سيد ( ...) الذي يبادر دوما إلى توزيع الهريس لإنهاء لطمنا ، وعندما شاهدت أعدادا من الناس يتركون اللطم ويهرولون إلى الهريسة صدقت لأول مرة أن ثمة من يلطم لأجل الهريسة لا من اجل الحسين ، فخاب ظني.. صرت اكره الهريسة لارتباطها بالنفاق،وصارت ابغض المأكولات عندي ،والى ألان . ومرت الأيام.. وتبدلت الأحوال.. وسقط النظام.. وجاءت (عواشير) عدة زاهية بالاعلام السود وبمواكب اللطم والتطبير.. صرت أراقب بفرح غامر وعبر شاشات الفضائيات ملايين اللطامة و(القامجية) وهم يواسون ابا عبد الله الحسين(ع)، وأفرحتني هذه المناظر الإيمانية الرائعة ،وأُعجبت كثيرا بمواكب( المشاية) المليونية ، واطلقت حسرة على أيام طفولتي حيث حرمت من هذه النعمة لمحدودية هذه الممارسة وقتذاك... رحت أفكر في حال شعبنا المؤمن الذي يتحدى الإرهاب ويتحمل الصعاب من اجل نصرة مبادئ الحسين(ع) في العدل والإنصاف ومحاربة الظلم والفساد فشكرت الله على نعمة الإيمان التي منّ بها على شعب العراق.. لاادري كيف ذهب خيالي إلى مظاهر الفساد والخراب في عراق اليوم.. قلت لنفسي : إن (ملايين) العراقيين يذوبون عشقا في الحسين (ع) فمن أين أتتنا (ملايين) السلابة والعلاسة والصكاكة والمشلغمين والمفخخين والقتله واللصوص والحواسم والمهربين وسارقي الاثار والمزورين ،وووووووووو ؟ هل هناك شعب أخر غير هذا الشعب المؤمن يعيش على ارض الرافدين( ارض الحسين-ع-)؟ هؤلاء هم العراقيون.. يلطمون ويبكون ويصلون ويصومون ويزورون، فمن يسرقنا ياترى..؟ هاهم، وبشهادة الكاميرات، تتحرك مواكبهم المليونية صوب الحسين (ع) لمواساته .. هاهي مواكب الإيمان يضج ضجيجها فمن أين يأتينا الفساد ياترى؟! إذا كنا بهذا الإيمان الكبير وهذه التقوى الرائعة فمن نهب العراق وحوسمه؟! من يسرق النفط ؟ من يسرق أدوية الشيوخ والأطفال ؟ هل يعقل إن احد هؤلاء اللطامة يلطم معنا في الليل ويسرقنا في النهار ..؟! لو إن القضية تخض ألفا أو ألفين، أو حتى مئات الآلاف ، لوجدنا تبريرا وعزاء، ولكن هذا الخراب الهائل يحتاج إلى ( تضافر ) جهود ملايين السلابة والعلاسة والصكاكة والمشلغمين والخاطفين والقتلة ، فمن أين جاء هؤلاء؟! لايوجد غير تفسير واحد وهو: إن أعداد اللذين يلطمون لأجل الهريسة لا لأجل الحسين -ع - صارت أعدادا مليونية... وامصيبتاه...واحسيناه
#عودة_وهيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تخضعوا للضغوط الايرانية
-
(حن بوية حن)
-
في المطعم البحري الابيض
-
لهاث الباء
-
وزارة الداخلية ( والعوائل المتعففة )
-
هل ان ( الحوار المتمدن ) حوار متمدن حقا
-
الفرق بين الوطني والبعثي
-
لقاء صحفي مع الحاج زعيبل زعيم قائمة شفط الشفاطة - الحلقة الر
...
-
تكعة ملا علي
-
أسباب أزمة قانون الأنتخابات
-
قبوط الحاج زعيبل
-
الجاج زعيبل يبحث عن ( الروح الوطنية )
-
هموم الحاج زعيبل الأنتخابية
-
عراقيو الخارج بعثيون
-
خرّوعة البعث مرة اخرى
-
أبو ملصومة
-
خروعة البعث لن تخيف طيور الحرية
-
لماذا يزعل الترس
-
قل لي ماهو الطعام الذي تحب اقول لك من ستنتخب
-
جباه لاتعرق
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|