|
الاقتصاد السياسي والعولمة
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الحوار المتمدن-العدد: 869 - 2004 / 6 / 19 - 05:09
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أضحت المعرفة العلمية لمفهوم وواقع العولمة ضرورة سياسية واقتصادية لتوضيح الأساليب والوسائل الجديدة للدفاع عن مصالح الشعوب العالمثالثية ومنها شعبنا العربي، في وجه أنظمة العولمة الأكثر حداثة في السيطرة والاستغلال والأكثر شراسة في انطلاق التوحش الرأسمالي في أعلى قدراته من حيث استخدام أرقى منجزات العلم والتكنولوجيا والمعلوماتية وشبكات الاتصال، بهدف أساسي: استثمار شعوب العالم وتحويل كل قدراتها إلى مؤسسات هائلة تملكها شركات محدودة العدد، تسيطر على كوكب الأرض والفضاء الخارجي والحكومات. مفهوم العولمة: استخدمت مفردات كثيرة للتعبير عن مفهوم العولمة. على أن الكلمة الأكثر شيوعاً واستخداماً في هذا المجال هي Globalization وقد أخذت من كلمة Globe ومعناها: الكرة الأرضية، الأمر الذي جعل البعض يترجمها بـ الكونية. العولمة هي: ( التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية). والذي يعني هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره بعمق لا بل هيمنة النمط الأمريكي سيما وأن الرأسمالية كنمط إنتاج تتغير ملامحها وأساليبها في الاستغلال عبر الزمن. على المستوى الاقتصادي، تفترض العولمة أن العمليات والمبادلات الاقتصادية تجري على نطاق عالمي، بعيداً عن سيطرة الدولة القومية. بل: إن الاقتصاد القومي أو الوطني يتحدد بهذه العمليات. وهذا الوضع مغاير تماماً، لما كان عليه الحال في الإطار السابق، حين كانت الاقتصادات القومية هي الفاعلة، أما الاقتصاد العالمي فهو ثمرة تفاعلاتها. وإذا كان الفكر الليبرالي الجديد Neoliberal هو الناظم الجوهري " للعولمة " فإن الليبرالية الجديدة تتجه الآن ضد الدولة القومية نفسها، كأداة ضبط وتنظيم، أي أداة تدخل ولجم على الصعيد القومي وعلى الصعيد العالمي، والفكرة المطروحة حالياً إن الرأسمالية تنشط الآن على المستوى الكوني، مديرة حركة رأس المال، والخدمات والسلع وبالطبع العمل. وهكذا فإن الاقتصاد المعولم يقع خارج نطاق تحكم الدولة القومية، مما يزيد في إمكانات الصراع والتنافس، ويريد من دور الشركات متعددة الجنسية ويحولها إلى شركات فوق قومية Trans – Nation ورأسمال طليق بلا قاعدة وطنية محددة وبإدارة عالمية. ويبدو أن " العولمة " لم تفقد الدولة القومية الكثير من وظائفها كناظم وضابط اقتصادي فحسب، بل إن انتهاء الحرب الباردة، من جانب ثان، ساهم مع العولمة في تقليص وظائف الدولة العسكرية ـ الأمنية … إلى حد غير قليل. إذا صدرت الدعوة إلى العولمة من بلد أو جماعة فإنها تعني إعمام نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل الجميع: العالم كله، وإنه طالما صدرت هذه الدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأمر يتعلق بالدعوة إلى تعميم النموذج الأمريكي، وفرضه وفسح المجال له ليشمل العالم كله. مما يعني أن العولمة الثقافية التي راحت تصل إلى أي مكان، كل مكان تقريباً، على وجه كرتنا الأرضية، عبر وسائل الإعلام التي تتحكم الولايات المتحدة بمعضمها (خمسة وستين بالمائة من مجموع المادة الإعلامية في العالم)، ستقود بالنتيجة المتوخاة إلى قطع الصلة شيئاً فشيئاً بين الإنسان ومجتمعه ووطنه، والقفز فوق الوطن عبر صيغة العولمة هذه، وهذا ما يجب أن يرفضه العرب، ويجب أن يفعلوا. لقد رفضه المثقفون الأوروبيون قبلهم انطلاقاً من فكرة تقول بتعارض العولمة مع التعددية الحضارية ومع صلة الإنسان بوطنه وضرورة توحد المجتمع الأوروبي ضد العولمة بصيغتها الأمريكية. يقول الأمريكي توم فريدمان: " نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطيرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق. إن صندوق النقد الدولي قطة أليفه بالمقارنة مع العولمة. في الماضي كان الكبير يأكل الصغير، أما الآن فالسريع يأكل البطيء". ولكن العولمة بالمفهوم المعاصر ( الأمركة ) ليست مجرد سيطرة وهيمنة والتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية القومية والوطنية، وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي بالتالي تحمل ثقافة (غربية أمريكية) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى، ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه. وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال بعد انتهاء حرب الخليج الثانية: " إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي". - ويسهم مشروع العولمة بشكل كبير في تآكل الهياكل والمؤسسات المتوفرة في دول العالم الثالث. - كما أنه ينمي التناقضات الموجودة في الساحة الاقتصادية العربية وكذلك على المستوى الإقليمي والدولي. ولا مكان للدول النامية عامة والدول العربية خاصة في ( العولمة ) إلا في الاتجاه السالب، أي تأثيرها عليها وتأثرها بها. ومع ذلك فنحن بهذا المعنى معولمون منذ زمان بعيد اقتصادياً وثقافياً … وسياسياً في كثير من الأحيان. العولمة وفقاً لتحليل الاقتصاد السياسي: العولمة وفقاً لتحليل الاقتصاد السياسي تعني: وصول نمط الإنتاج الرأسمالي إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والتداول، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها، أي أن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضاً، ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله. العولمه بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق (في مجال الإنتاج وإعادة الإنتاج) بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره (في مجال التبادل والتداول)، قد تمت. بعبارة أخرى، أن ظاهرة العولمه التي نعيشها الآن هي طليعة نقل دائرة الإنتاج الرأسمالي ـ إلى هذا الحد أو ذاك ـ إلى الأطراف بعد حصرها هذه المدة كليا في مجتمعات المركز ودوله. في الواقع لان عالمية دائرة التداول والتبادل بلغت حد الإشباع بوصولها إلى أقصى حدود التوسع الأفقي الممكنة وشمولها مجتمعات الكرة الأرضية كلها ـ باستثناء جيوب هنا وهناك ـ كان لابد لحركية نمط الإنتاج الرأسمالي وديناميكيته من أن تفتح أفقاً جديداً لنفسها، وان تتجاوز حدوداً بدت ثابتة سابقاً عن طريق نقلة نوعية جديدة تأخذ الآن الشكل المزدوج لعولمة دائرة الإنتاج ذاتها ونثرها في كل مكان مناسب تقريباً على سطح الكرة الأرضية، من ناحية وإعادة صياغة مجتمعات الأطراف مجدداً، في عمقها الإنتاجي هذه المرة، وليس على سطحها التبادلي التجاري الظاهر فقط، من ناحية ثانية، أي إعادة صياغتها وتشكيلها على الصورة الملائمة لعمليات التراكم المستحدثة في المركز ذاته. وهذا يعني سيادة نمط جديد للإنتاج الرأسمالي وعلاقات الإنتاج الرأسمالية تتناسب مع قوانين المرحلة الجديدة. (.... وهكذا نجد أن العولمة تفسح المجال واسعاً أمام أصحاب رؤوس الأموال لجمع المزيد من المال على حساب سياسة قديمة في الاقتصاد كانت تعتمد على الإنتاج الذي يؤدي إلى تحقيق ربح، بينما اليوم فالاعتماد هو على تشغيل المال فقط دون مغارم من أي نوع للوصول إلى احتكار الربح: أنها مقولة تلخص إلى حد ما بعودة (شايلوك المرابي اليهودي التاريخي) محملا على أجنحة المعلوماتية والعالم المفتوح لسيطرة القوة المتغطرسة، وعودته المدججة بالعلم والتقانة تقلب القاعدة القديمة القائلة: إن القوي يأكل الضعيف، إلى قاعدة جديدة عصرية عولمية تقول (السريع يأكل البطيء)، وسمك القرش المزود بالطاقة النووية ومعطيات ألحواسيب وغزو الفضاء يستطيع أن يبتلع الأسماك الأخرى والصيادين الذين يغامرون إلى ابعد من الشاطئ). يعلمنا الاقتصاد السياسي أن منطق التطور الرأسمالي يقضي بالتوسع المستمر خارج الحدود هكذا بدأ أمره قبل قرون حين انتقلت الرأسمالية من حدود الدولة القومية والاقتصاد القومي إلى عالم (ما وراء البحار) في عملية من الزحف الاستعماري واسعة، شملت معظم مناطق جنوب الأرض بحثاً عن المواد الخام ومصادر الطاقة واليد العاملة الرخيصة والأسواق، وحدث هذا مجدداً قبل قرن حين خرج النظام الرأسمالي العالمي من طور المنافسة الحرة إلى طور لاحتكار (الطور الإمبريالي). واليوم، في سياق الثورة التقانية الكبرى وثورة المعلوماتية، يبلغ التوسع الرأسمالي ذراه، فيطيح بحدود جديدة: الحدود القومية داخل المعسكر الرأسمالي الميتروبولي نفسه، بعد أن أطاح منذ زمن بعيد بحدود المجتمعات التابعة المنتمية إلى مجموعة دول الجنوب. إن هذا النمط الجديد من التوسع هو ما يطلق عليه اسم العولمة، وسمته الأساسية هي توحيد العالم وإخضاعه لقوانين مشتركة تضع حداً فيه لكل أنواع السيادة الوطنية. ولقد بدأت علائم هذا المسار منذ ميلاد ظاهرة الشركات المتعددة الجنسية، قبل عقود، لتصل اليوم إلى نظام التجارة الحرة الذي أقر دولياً، بعد توقيع اتفاقيات (الغات)، وتم التعبير عنه مؤسسيا بقيام المنظمة العالمية للتجارة، وبقوانين وتدابير يلغي مفعولها مفعول القوانين المرعية في الدول الوطنية. قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدور رئيسي في دعمها للرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي، وفي نجاح وتفوق الرأسمالية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ففضلا عن كونها طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أكبر سوق وأكبر دولة مصدرة في العالم، جعلت الولايات المتحدة الأمريكية من بناء اقتصاد رأسمالي عالمي حجر أساس في توجهها دولياً على الصعيدين السياسي والاقتصادي والعسكري. ولما كانت أكبر دولة مصدرة فان لها مصلحة في الإنماء الاقتصادي على الصعيد العالمي لكونه يغذي نموها الاقتصادي. وكي تحافظ على أنظمتها ومؤسساتها الرأسمالية في وجه التهديدات التي تكونها أنظمة اجتماعية اقتصادية أخرى وأهمها الشيوعية السوفيتية، أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير على انتشار اقتصاديات رأسمالية في بلدان أخرى وعلى الأخص لدى عدويها السابقين ألمانيا واليابان وفي بلدان أخرى في أوروبا الغربية وفي شرق وجنوب شرق آسيا بالإضافة إلى مشروع مارشال في أوروبا الغربية وإلى المساعدات الضخمة التي قدمتها إلى شرق آسيا استعملت الولايات المتحدة مساعداتها الخارجية لمناطق أخرى في العالم النامي لتعزز المؤسسات والاقتصادات الرأسمالية حيثما أمكنها ذلك ". يمثل النظام الاقتصادي المعاصر مرحلة جديدة من مراحل تطور الاقتصاد الرأسمالي العالمي. وقد يكون من الممكن تسمية هذه المرحلة بـ (العولمة) كما هي محددة أعلاه، أو اقتصاداً دولياً أكثر تكاملاً واندماجاً. ويتسم النظام الاقتصادي العالمي المعاصر بعدد من الخصائص أهمها: 1 ـ انهيار نظام بريتون وودز. 2 ـ تزايد دور وأهمية الشركات متعدية الجنسية في الاقتصاد العالمي. 3 ـ تزايد دور وأهمية مؤسسات العولمة الثلاث ( صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، المنظمة العالمية للتجارة). 4 ـ عولمة النشاط الإنتاجي. 5 ـ عولمة النشاط المالي واندماج أسواق المال. 6 ـ تغير مراكز القوى الاقتصادية العالمية. 7 ـ تغير هيكل الاقتصاد العالمي وسياسات التنمية. 8 ـ تراجع أهمية ودور مصادر الطاقة التقليدية والمواد الأولية في السوق العالمية. التدويل المطرد للاقتصاد العالمي: إن أهم البصمات بروزاً في الاقتصاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة هو التدويل المطرد الذي اصبح يتسم به الاقتصاد العالمي، ويظهر التدويل في نظرة أولية كبروز متعاظم لدور العلاقات الاقتصادية الدولية، بالمقارنة مع النشاط الاقتصادي على الصعيد المحلي أو الوطني. وهذا واضح من خلال الدور المتعاظم الذي تقوم به وتقوده الشركات متعددة الجنسية العملاقة التي تمتد نشاطاتها وفروعها إلى مختلف أنحاء العالم، وتسيطر على شطر كبير ومتنام في عمليات إنتاج وتمويل وتوزيع الدخل العالمي. مع العلم أن هذا الدور يكون أحياناً غير مباشر وغير ظاهر، فاصبح من الممكن الآن الحديث عن مستوى اقتصادي عالمي متميز بآلياته ومشكلاته وآفاق تطوره عن/على المستويات الوطنية، وتصبح النظرة للعالم باعتباره الوحدة الاقتصادية الأساسية. وتبدو ملامح العولمة في الاقتصاد من خلال المظاهر التالية: ـ الاتجاه المتزايد نحو التكتل الاقتصادي للاستفادة من التطورات التقنية الهائلة. ـ تنامي دور الشركات متعدية الجنسية (عبر القومية) وتزايد أرباحها واتساع أسواقها وتعاظم نفوذها في التجارة الدولية. ـ تزايد دور المؤسسات المالية الدولية بشكل مباشر وبخاصة في تصميم برامج الإصلاح الاقتصادي وسياسات التثبيت والتكيف الهيكلي في الدول النامية (التحول إلى اقتصاد السوق). ـ تدويل بعض المشكلات الاقتصادية مثل الفقر، التنمية المستدامة، السكان والتنمية، التنمية البشرية، التلوث وحماية البيئة، والتوجه العالمي لتنسيق عمليات معالجة هذه المشكلات والتعاون في حلها. ـ تعاظم دور الثورة التقنية الثالثة وتأثيرها في الاقتصاد العالمي (التغيرات السريعة في أسلوب الإنتاج ونوعية المنتج ). ـ بروز ظاهرة القرية العالمية، وتقليص المسافات نتيجة لتطور وسائل النقل والمواصلات وزيادة الاحتكاك بين الشعوب. ـ تطور وسائل الإعلام وتأثيرها على طبيعة البشر وتطلعاتهم وسلوكهم، واثر ذلك على اختلاط الحضارات والثقافات. ـ تعاظم دور المعلوماتية، والإدارة، والمراقبة من إدارة نظم المعلومات. ويهدف النظام الرأسمالي الذي يحكمه قانون تعظيم الأرباح والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج إلى التوسع وذلك عبر استثمار أرباحه والحصول على قروض من أسواق رأس المال. فإذا لم يتوسع يتعرض للركود والكساد والأزمات الدورية، والأمثلة التاريخية على هذه الأزمات كثيرة ومعروفة. ويؤدي التوسع إلى ظهور المنشآت الاقتصادية الكبرى عبر تركز وتمركز رأس المال. ومن أهم آليات تحقيق ذلك عمليات الدمج بين المنشآت الكبرى أو استيلاء منشأة كبرى على منشأة أصغر منها عن طريق الشراء أو غير ذلك. كما انه في عملية التوسع تتراكم فوائض مالية لا تجد أحياناً مجالات مربحة في استثمارات حقيقية تؤدي إلى زيادة الإنتاج والتجارة، بل تجد هذه الفوائض مجالاتها المربحة في المضاربة ضمن إطار الدولة الواحدة، كما أن هذه الفوائض تضغط لتأمين حرية انتقالها من دولة إلى أخرى عبر إزالة القيود على حركة رأس المال. ومن الواضح أن أهم سمة للنظام الرأسمالي العالمي الراهن هو ما يسمى بـ (العولمة المالية).
العولمة تروج لأربع ثورات أساسية: إن للعولمة أهدافا أبعد من الربح والتجارة الحرة والحدود المفتوحة والأسواق الحرة، إن الخطر الكبير يكمن في ما يسمى بثقافة العولمة أكثر. حيث تروج العولمة لأربع ثورات أساسية، من المتوقع أن يكون لها تأثيراً كبيراً في حياة الناس جميعاً وسط تحديات هائلة. وهذه الثورات هي: 1 ـ الثورة الديمقراطية. 2 ـ الثورة التكنولوجية الثالثة ـ أو ثورة المعلوماتية. 3 ـ ثورة التكتلات الاقتصادية العملاقة. 4 ـ ثورة اقتصاد السوق وحرية التبادل التجاري، وبخاصة بعد قيام المنظمة العالمية للتجارة لتحل محل اتفاقية الغات وتقوم بتنفيذها. وفي إطار هذه الثورات وما ينتج عنها من آثار يتم بناء النظام العالمي (العولمة)، ويعتمد فيه الاقتصاد على استثمار الوقت بأقل تكلفه، وعن طريق استخدام المعرفة الجديدة وتحويلها إلى سلع أو خدمات جديدة أو التحسين السريع والمستمر في المنتجات وطرق التصنيع والدخول بها إلى الأسواق بطريقة فعاله. ولم تعد التنمية الاقتصادية تعني التغيير من وضع سيئ إلى وضع أفضل بل المهم هو الوقت الذي يستغرقه هذا التغيير. ولتوضيح ذلك يمكن أن نورد المثال التالي في مجال مضاعفة إنتاجية الفرد: - لمضاعفة إنتاجية الفرد احتاجت المملكة المتحدة في عام 1780 إلى حوالي 60 سنة. - لمضاعفة إنتاجية الفرد احتاجت إمبراطورية اليابان في عام 1880 إلى حوالي 34 سنة. - لمضاعفة إنتاجية الفرد احتاجت كوريا الجنوبية في عام 1966 إلى حوالي 11 سنة.
وفي المحصلة الأخيرة يكون مشروع العولمة. هو عبارة عن إرغام دول العالم الثالث على الاندماج في الاقتصاد العالمي. ومحور هذا الاندماج هو السوق، بحيث تتحول هذه الدول إلى سوق استهلاكية عالمية لمنتجات الدول الصناعية المتقدمة. ويتم الاندماج في الاقتصاد العالمي دون توفر شروطه الاقتصادية والسياسية والحضارية في الدول النامية، ودون أن تمارس الدول الصناعية المتقدمة أي دور إيجابي في امتصاص العواقب والآثار السلبية والحالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخبيثة الناجمة عن ذلك. الخروج من الآثار السلبية لمشروع العولمة: والخروج من الآثار السلبية لمشروع العولمة مرهون، بقدرة الدول العربية، على توفير الشروط الموضوعية للاستقرار السياسي وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بحيث تتوفر كل الأسباب والعوامل التي تجعل الوطن العربي قوة اقتصادية متكاملة، وتتكئ على أرضية صلبة، قوامها الاستقرار السياسي القائم على الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان. لذلك من الضروري أن تتمثل المواجهة العربية لتحديات مشروع العولمة، بمزيد من التضامن والتكامل الاقتصادي العربي والانخراط في مشروعات اقتصادية وإنتاجية تجعل الدول العربية تحول بعد فترة زمنية من العمل الاقتصادي العربي المشترك، إلى كتلة اقتصادية وسياسية واحدة. ولن نستطيع نحن العرب، أن نواجه تحديات العولمة ومتطلباتها الكبرى وتعظيم الفوائد الناجمة عنها - على محدوديتها - وتقليل الخسائر، إلا بالمزيد من التكتل والتعاون والتنسيق والتكامل وتوسيع دائرة المصالح الاقتصادية المشتركة، والانطلاق في بناء بنية تحتية اقتصادية عربية، تتجاوز كل الحدود وتحقق مصلحة الجميع. بهذا نتمكن نحن العرب، من الاستجابة النوعية لمشروع العولمة، وبه نتأهل للمشاركة الإيجابية في قضايا العالم ومتطلبات النظام الاقتصادي العالمي الجديد. إن التكامل الاقتصادي العربي أصبح اليوم الشرط الأول للدخول في العصر الجديد. إذ أن هذا التكامل يوفر إمكانات متعددة وآفاقا كثيرة، لبناء خطط ومشروعات عربية، تؤهل الدول العربية، لمواجهة التحديات الاقتصادية والحضارية، المترتبة على مشروع العولمة. فبناء الأسواق العربية، وتحديث الهياكل الإنتاجية وبناء الاقتصاديات العربية، والعمل العربي المشترك الجاد وفق خطط علمية مدروسة، سواء في مشروعات اقتصادية أو ثقافية أو حضارية، كلها أعمال وخطوات تسهم مساهمة فعالة في تأهيل الوطن العربي للمشاركة الإيجابية في مشروع العولمة. ومن دواعي الضرورة القصوى أن يتم التمييز بصفاء عقل عربي واحد موحد في رؤيته وفهمه للأمور فهماً علمياً وموضوعياً بعيداً عن التعصب من جهة، وبمزيد من القيم والمبادئ الروحية والأخلاقية من جهة ثانية، بين العولمة المراد شيوعها بصيغتها الأمريكية وما تنطوي عليه من انحرافات خطيرة، وبين عالمية تسعى إلى إشاعة قيم ومعايير إنسانية تتفق وتطلعات أمم الأرض وشعوبها نحو العدالة والحرية والسلام والاستقرار والتكافؤ في العلاقات الدولية. الدكتور مصطفى العبد الله الكفري جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برنامج الإصلاح الاقتصادي وسياسات تشجيع الاستثمار في سورية
-
أسعار النفط كسلعة إستراتيجية قابلة للنضوب
-
السياسة السكانية والتنمية الشاملة
-
الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية
-
الصندوق العربي للأنماء الأقتصادي والأجتماعي
-
صندوق أبو ظبي للإنماء الاقتصادي العربي
-
مؤسسات العـون الإنمائي في الوطن العربي
-
قياس أثر السياسات السكانية ومدى فاعليتها
-
التنمية الزراعية في الوطن العربي الخصائص، المقومات، المتطلبا
...
-
التنمية الشاملة والتنمية البشرية
-
مناخ ومحفزات الاستثمارفي الجمهورية العربية السورية
-
تطور السياسات النقدية والمالية في الجمهورية العربية السورية
-
الترجمة والانتقال الفكري والمعرفي بين العرب وأوروبا
-
أضواء على صندوق النقد العربي
-
الانتقالات الفكرية بين العرب والأوروبيين
-
تاريخ العلاقات الاقتصادية السورية اللبنانية
-
العولمة أم الأمركة ؟
-
معوقات التنمية الزراعية في الوطن العربي
-
المرأة وظاهرة العنف
-
التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الأوروبية في م
...
المزيد.....
-
مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا
...
-
100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
-
رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح
...
-
مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في
...
-
-حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي
...
-
-أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور
...
-
رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر
...
-
CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع
...
-
-الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب
...
-
الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|