أمير المفرجي
الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 19 - 14:02
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
بعد قرابة سبعة سنوات من الغزو الأميركي لبلاد الرافدين, أثبتت التقارير والبحوث التي عُملت في مجال النفط والطاقة ، سواء من قبل مراكز الدراسات الأمريكية المؤيدة لها أو الموضوعية ألأخرى, صحتها في أسباب الحرب الأمريكية على العراق. لقد أظهرت مهزلة مسلسل توزيع مناقصات النفط الأخيرة بأن السبب في الاحتلال العسكري لهذا البلد كان من أجل الاستيلاء على ثرواته الموجودة وخصخصة نفطه لمنفعة شركات النفط الغربية القريبة من أمريكا. وهكذا استطاعت شركات النفط الدولية الكبرى في الدخول في العمق الاقتصادي العراقي بعد وصولها إلى المخزون العميق في احتياطيات النفط العراقية معلنة ارتباط العراق بالمجمعات الإنتاجية العالمية . وقد كان لصعوبة الوضع الاقتصادي والمالي الذي يعيشه العراق حاليا وحجم الكارثة التي يعيشها الاقتصاد العراقي الدور الكبير في تمرير هذه الحالة انطلاقا من إن فكرة تمويل هذه العقود للخزينة من شأنه أن يحل المشاكل الاقتصادية التي يمر بها العراق والذي يتطلب بتنظيم الصادرات النفطية من خلال زيادة الإنتاج من (مليونين برميل يوميا ليصل إلى ستة مليون تقريباً). بالرغم من خطورة هذه التوجهات, إذ لا يمكن دفع العراق في المجازفة بثرواته النفطية وتسليمها للشركات لفترة عشرين سنة قادمة في غياب المبررات القانونية والسيادة الوطنية وفشل البرلمان في التصويت على قانون جديد. من هذا المنطق فأن منح الاستثمار بمثل هذه الطريقة هو مجازفة ترهن من خلالها الثروة النفطية العراقية وبالتالي فهي خطوه مكملة لإحتلال العراق اقتصاديا من خلال القضاء على الشركات الوطنية و تغييب خبرتها في هذا المجال.
وبالرغم من موافقة هذه الشركات النفطية الكبرى على قبول عقود خدمية ، تربح فيها من كل برميل نفطي ينتج, يرى العراقيون طريقة مشاركة هذه التكتلات في الإنتاج والتي تربح من خلاله حصة مساوية من النفط نفسه تذكيرا بحقبة الهيمنة الاستعمارية، حينما كانت الشركات النفطية الأجنبية هي المسيطرة على النفط العراقي وبالتالي فهو يُمثل العودة إلى ما قبل فترة تأميم النفط العراقي في عام 1973 . وبهذا فأن هذه العقود والتراخيص النفطية قد تثير جدلا ورفضا من قبل العديد من العراقيين، والتي تبقى في نظرهم عقود جائرة بحق العراق وسيادة ثروته النفطية, ستهيمن من خلالها الشركات الأجنبية على الاحتياطيات النفطية لعقود من السنين ووفقاً لمتطلبات مصالحها في التصدير.
ونتيجة لهذا الرفض الوطني لهذه الهيمنة الاستعمارية, حاولت الولايات المتحدة باعتبارها القوة الداعمة لحكومة الاحتلال، بطرح مشروع قانون خصخصة النفط العراقي المعروف بـ (قانون النفط والغاز في العراق) غرضه الالتفات وخدع الشعب العراقي. وتمت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء في حكومة الاحتلال الرابعة، ولكن دون أن يتم تمريره في البرلمان بسبب المعارضة الواسعة النطاق ورفض الشعب العراقي لهذا المشروع وعمق الحس الوطني لنقابات عمال النفط في العراق. النقطة الجديرة بالذكر في هذا السياق هو هذا الرفض العام الذي يُقدر ب65 % من العراقيين في استفتاء عام 2007، وعدم قبوله في تمرير قانون النفط وترك ثروات العراق إلى شركات أجنبية بدلاً من شركات عراقية هو الذي أدى إلى تأجيل تمريره لغاية ما بعد انتخابات آذار 2010. وبتحصيل حاصل الرفض الشعبي العراقي, لجأت حكومة الاحتلال العراقية على بلورة المشروع الأمريكي في تركيع العراق اقتصاديا من خلال مسرحية الشهرستاني المتضمنة بجولات تراخيص مع شركات أجنبية لتكون بالتالي خطوة غير قانونية في ظل غياب قانون للنفط والغاز.
وفي الوقت الذي تسبح العاصمة العراقية بغداد بدماء أهلها, نظم الطامعون في خيرات هذا البلد حفلة تقاسم كعكة النفط في مقر وزارة النفط في بغداد, ضمت ائتلاف شركات دولية كبرى من بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وهولندا وماليزيا ودول اخرى . وبغض النظر عن كل هذه الضجة الإعلامية وهذا التضخيم السياسي الذي يراد منه نسيان حقيقة الوضع السياسي والاجتماعي لهذا البلد الُمحتل, فقد جرت هذه المناقصات النفطية تحت رعاية السفارة ألأمريكية وبقيادة وعيون سفيرها وقواتها المسلحة الجاثمة على أرضه ونفطه, في الوقت الذي تتقاطع فيه أنهار من الدماء العراقية وسيول المليارات المسروقة في عراق الفاسدين والمهجرين في ظل حكومة فاشلة لا تستطيع حماية أمن المواطنين. ومن أجل إنجاح مهمة سرقة النفط العراقي وبالرغم من الوضع الأمني الخطير, لم تفشل حكومة العراق هذه المرة في الملف الأمني في تأمين الحماية لممثلي هذه الشركات حيث حلقت طائرات الجيش العراقي في سماء العاصمة في حين نقلت قوافل من العربات المدرعة المسئولين النفطيين عبر المدينة, ونشرت عربات الشرطة وقوات الأمن في الشوارع التي تقود إلى وزارة النفط, في الوقت الذي غلقت الشوارع الجانبية تأميناً لهم ومباركة لهم حفل توزيع العقود. ولم يكن من الصعوبة للمرء في قراءة مشهدها المسرحي التي كانت أشبه بعرض تمثيلي عززهه ديكور القاعة المسرحي وطريقة دخول الشركات الهولندية والماليزية والانكليزية...الخ وفي غياب عجيب للشركات الأمريكية بالرغم من كونها الدولة التي تحتل وزارة نفط العراق وبوجود 150 ألف جندي على أراضيه. وقد وجد البعض بالشي الغريب هذا الغياب الأمريكي الظاهر في توزيع العقود. في الوقت الذي تساءل البعض الأخر عن سر هذا التناقض في الطرح بعد الغزو وأهداف حجم الجهد المالي والعسكري الذي بذلته وتبذله الإدارات الأمريكية في العراق وعن جدي مقتل الآلاف من الجنود ومصير الأموال والضرائب التي دفعها المواطن الأمريكي من أجل العراق.
لكن ولحسن الحظ فقد سبقت التقارير والبحوث التي عُملت في مجال النفط والطاقة كل هذه التطورات التي نعيشها اليوم, وكشفت أسباب وأهداف الحرب الأمريكية الاقتصادية على العراق ودور النفط فيها, وما تبعها من أحداث مأساوية لهذا البلد المُحتل, ابتداء من عملية الاستيلاء على وزارة النفط العراقية ومروراً في بنود دستور(نوح فيدلمان) الذي حرص على أن يتضمن بنوداً تمنح للولايات المتحدة عن طريق حلفائهم الأكراد السيطرة المطلقة على كافة حقول النفط في إقليم كردستان العراق. وقد تكون مسرحية توزيع المناقصات الأخيرة وتوزيع الحصص إلى شركات من جنسيات أخرى غير أمريكية هي حلقة أخرى من هذا المسلسل والتي قد يُعرفها عشاق مسرحيات شكسبير وبريشت ومسرح الفن الايطالي ب( حفلة تنكر) والتي من مظاهرها التنكر والخداع والتي من خلالها يتم تنكر الهوية الحقيقة واستبدالها بهوية الواجهة عن طريق القناع . إن كل من له بصيرة وإلمام في شؤون السياسة والتجارة العالمية يعرف جيداً بأن جنسية الشركة في زمن العولمة قد تكون واجهة لشركات الدول العظمى والتي من خلالها يتم التداول والسيطرة على السوق النفطية والاقتصادية في العالم .
أن الحرص على تأمين هذه الحقول النفطية في المفهوم الاقتصادي لا يُحسب فقط من منطق الربح في سعر البرميل، ولكن وجب تصنيفه واعتباره كقيمة ووسيلة للهيمنة على القطاع النفطي في العراق، انطلاقا من فكرة ومعنى السوق التجاري الذي هو عنصرا مهم ومُكمل للهيمنة. حيث أن السيطرة على نفط المنطقة والعراق لا يقتصر هدفه على تأمين حاجة أمريكا من الوقود، بل يتضمن كذلك تأمين الزعامة الأمريكية الدولية وحرية بيعه للأخرين. إذ في عالم، حيث القوة العسكرية والاقتصادية للأمم، تعتمد بشكل أساسي على واردات النفط، فإن سيطرة أمريكية أكبر على البترول، تعني نفوذاً أقل لمنافسيها على السلطة العالمية وبالتالي نجاح الهيمنة الأمريكية وفشل ما تتوخى إليه الدول الأخرى بعالم متعدد الأقطاب يضمن لها سوقها التجاري والسياسي. ان مشاركة بعض الدول كالصين وروسيا وفرنسا بحصص محدوده في نفط العراق لم يكن في أن يتحقق ألا بوجود مشاركة وإندماج مع شركات خاضعة للسيطرة الأمريكية . إن تفعيل الولايات المتحدة للتهديدات عن طريق حكومة الاحتلال الرابعة بتهميش الدول التي لم تشترك في تدمير العراق واحتلاله يظهر جلياً من خلال فصول مسرحية المزاد الأخيرة والتي يمكن تسميتها ب (كيف تشفط أمريكا النفط العراقي بدون أن تسمح بالكثير للأخرين ).
ولكن يبقى نجاح عمليات شفط النفط وتوزيعه في المزاد, في ظلّ غياب سيادة وهيبة الدولة العراقية وعدم توفر إرادة وطنية جامعة على مقومات وعوامل عراقية سوف تحتمها بالدرجة الأولى التغيرات السياسية القادمة وموقف البرلمان الجديد من قانون النفط السي الصيت, ناهيك عن مدى قابلية الحكومة في توفير العامل الأمني للشركات الأجنبية العاملة في البلد. أن التوقيع على هذه العقود الأولية لا يعني بتاتا نجاحها في الإنتاج وزيادة في استخراج الثروات من الأرض. ان أي نجاح في تصدير ثروات الشعب لا يمكن أن ينجح إلا باستقرار هذا البلد وثبوته سياسياً واقتصاديا وفي ظل حكومة وطنية بعد طرد الاحتلال.
#أمير_المفرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟