|
لعب التشبيهات ، و الأصوات .. قراءة في كأنها نهاية الأرض ل رفعت سلام
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 19 - 02:27
المحور:
الادب والفن
في ديوانه " كأنها نهاية الأرض " – الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة – يكتب رفعت سلام نصا شعريا حواريا ، يقوم على التنوع في تكوين الصوت الواحد من جهة ، و اندماج مستويات الوجود الشخصية ، و التمثيلية / الإبداعية ، و الكونية في حركة لا يمكننا – في سياقها – التمييز بين صيرورة الكتابة ، و نشوء الصوت ، و مدلول الحدوث الكوني نفسه . إنها الكتابة خارج الأطر المعرفية ، و استقلال العمل الفني ، أو الأدبي ؛ إذ تسهم في توسيع دائرة الاحتمالية التصويرية الأصلية فيما تتصل به من تكوينات ، و أبنية تتسم بالظهور ، و الاختفاء المفاجئ ، أو الطفرات المجازية ، و الطبيعية في انحرافها المستمر باتجاه الزيادة التي تميز الحالات المتضادة في النص ، أو التساؤلات المتكررة في كتابة رفعت سلام ، و التي تترك الدال طيفا لدنا يقبل الاستبدال ، و المحو ، و النحت الشبحي في ذاكرة المتلقي في آن . إن الآخر يذوب في الحوارية الشعرية هنا ؛ فالانفصال الواضح بين صوتي المتكلم ، و الأنثى في الديوان ، يتجه إلى التوحد بالقوى الشعرية / الكونية المتناقضة الأسبق من الوجود الذكري ، أو الأنثوي ، و المتجاوز لحدودهما ، و هو ما تتجه إليه الأفكار المعاصرة عن النوع بطرق مختلفة . يعاين التكوين / الصوت تجارب الصراع ، و الولادة ، و الخلاص ، و العدم ، و الانقسام ، و التفكك ، و الاحتمالية المجازية للذات بشكل متكرر ، دون الإحالة إلى تاريخ ، أو مرجعية خارج عملية الزيادة الإبداعية المشكلة لتداعيات الصور في الديوان . إنه يعري الصوت من طبقاته الزائفة حتى يتركه طيفا لانهائية في انتشار الصور ، و انحرافها الأصلي عن المركز ، ثم يعيد نحته ؛ ليكشف عن خاصية التبديل المميزة لبكارة تجارب الشاعر ، و الصوت النسائي في النص . في كتابه " الكتابة ، و الاختلاف " يرى جاك دريدا أن الكتابة تشمل محتويات اللغة الأولي من وعي ، ولا وعي ، وحركة ، وفكر ، وتفكير ؛ فتتجاوز هويتها التي تعلقت بتسجيل الحروف إلي إنتاج وحدات إبداعية جديدة لها ؛ ولهذا التجاوز ، فإن الكتابة ستصنع اللغة الأولي باستمرار دون توقف ، وتحول الابنية المنطقية إلى علامات ، وحركات لها بكارة الإبداع دون توقف ( راجع / جاك دريدا / الكتابة و الاختلاف / ترجمة كاظم جهاد / دار توبقال بالمغرب ، مع سوي بباريس 1988 ص 107 ) . إن سمة الخروج عن النصية من داخلها عند دريدا ، تبدو في عملية النقل الواضحة عند رفعت سلام ، و أعني بالنقل ذلك التمرد الخفي في مادية الدال ، و انفلاته من أية خصوصية مكتملة ؛ فصوت المتكلم في الديوان تتناوبه حالات التوحد بالأنثى ، و كونه فريسة مع تفكيكه لبنية الصيد ، و الرغبة في الاختفاء ، أو ممارسة الانقسام أمام المرآة ، و الإيحاءات الأنثوية الإنسانية . أما الأنثى فتتجلى في مجموعة من الأخيلة المتناقضة ؛ مثل الوردة ، و وهج النار ، و إلحاح دال الفراغ بدلالاته الجسدية ، و إنذاره المستمر برعب النهايات . قد تهيمن أخيلة الصيد على الأنثى حتى تصل إلى عدم صاخب ، يجمع بين حركية الحياة ، و السكون معا . يقول الصوت : " نصبت مني شركا ، أغمضت نفسي فلا أرى ، أيها الصائد الأعمى ، لماذا ؟ صائدي أم صيدي ؟ فريستان نحن لنا ، أم للثالث المرفوع بالضم .. منفردان بالكون ، رقصة الموت حتى المنتهى ... شاخ الزمان دفعة واحدة ، بوم ، و فئران ، و سحالي مبرقشة ، أطلال بلا بكاء ، أو حنين " . ثمة تكوين تستبقه التشبيهات التأويلية للأنثى ، و إعادة استنباتها في الحركة الكونية الاحتمالية ، لا وجود للصوت سوى في تجدد الفراغ ؛ فالمتكلم يمثل الوجود ، و العدم معا ، الإيروس ، و الرغبة في التفكك الذاتي . إن الأنثى تجسد الصراع فيما وراء بنيته التي تؤكد الأنا في مواجهة الآخر ؛ فهي تكتشف وهج الحياة في رقصة الموت التي تحيل إليه ، و تؤجل حدوثه في دوال الشر الفارغة من العواطف الشريرة . هل هي حكمة الفراغ ؟ أم أنه الصخب الإبداعي المضاد للموت ، و الشر ، و البهجة ، بوصفها مفاهيم أصيلة ؟ و يتسع مدلول الاختفاء ، حتى يميز الهوية ، و يختلط بآثار العشق ، و الغياب ، و صخب العناصر الحلمية ، و الطبيعية . الاختفاء ينقل دلالاته إلى ذروة الاحتجاب ، ثم الصور المادية الموحشة دون أن يفقد حالته الأولى في صوت المتكلم . يقول : " أغلقي علي الأبواب من خارج بالمصاريع ، ها هنا مقامي النهائي ، و صبوتي ، أنا الداخلي المستديم ، لا خارج لي ، تصعد بي ، ما الذي جاء بالهديل ، نهر عسل ، و لبن ... شهوات شاسعة ، و جسدي ضيق ... وحوش تطارد الفرائس الهاربة ، الجوارح تنقض ، لا هوادة ، لا يأس . صحوة أم إغماءة . من الفريسة " . الهوية الشعرية تلج الفريسة فيما قبل الصيد ، في الظلمة الأنثوية ، و بهجة اتحاد العناصر خارج الوعي بالذات ، أو إدراك حكمة الهزيمة . إننا أمام باب يسلب ظهور المتكلم ، بينما يمنحه الخصوصية ، و تكرار صاخب للفريسة دون اكتمال للموت . إنها الاحتمالية الشعرية المتناقضة ؛ و لننظر إلى جملة " لا خارج لي " في النص ، حيث دال / خارج يقع بين السلب في / لا ، و إثبات الهوية في / لي ، و كأن التنازع بين القوى الكونية ، و الصور يصب في التكوين الإبداعي خارج الأصول ، و الخطابات الثابتة . المتكلم يطارد الغايات التمثيلية ؛ مثل الهوية ، و العشق ، و الأنثى ، و هو يرغب في إقصائها بصورة لا نهائية ؛ فهو يدفع الوصول ، و الاكتمال خلف اللغة الطيفية ؛ و لهذا نجد نشوءه الإبداعي يسخر من غاية أودسيوس ، و من الصوت الأنثوي الذي يلتحم به . يقول : " أنا البحار الأبدي ، ضعت في الخلجان و الأرخبيل ، عاريين نمضي ، نشعل الحرائق في المسافات ، و السكينة ، لا رثاء ، لا ندم ... / صوتها / يزحف في جسدي / بلا دبيب / أقتفي أثره / لا أصل " . إن رفعت سلام ينقل مركزية الوطن في وعي أودسيوس إلى أصالة البحر / التيه ، و كأنه الممثل الحقيقي للهوية ، هل ترتبط الأصالة – على نحو وثيق – بالضياع ؟ هل هو تيه في الذات ، أم البحر ذي النزعة الأنثوية الغائبة ؟ إن الحرائق التي يشعلها الوعي توغل في البراءة ، و الحفاظ على سياق ما قبل البدايات ؛ حيث تندمج أخيلة اللاوعي بالكتابة ، فتشكل الحرية ، و تأجيل الحدود . و تختلط الشهوة ، بالتدمير ، و الاختراق في الوعي الأنثوي ، و هيمنة دال الفراغ على أخيلته ؛ إذ ينفك في سياقات العبث ، و الاستحالة ، و سطوة الغريزة . يقول : " أنا فريستك الدائمة / في دمي شهوة الفتك بي / و اختراقي من كل الجهات / شهوات معتقة في السر / محبوسة في ظلمة الجسد / ترعى حلمها بالطوفان " . تتعلم الأنثى لا معقولية الكينونة و تؤول اختراق الذات بالظلمة التي ينتجها السياق الشعري لغريزة التدمير الفرويدية ، و كذلك صورة الفراغ التي تشبه الذات في قابليتها للاستلاب ، و التعبير عن الامتلاء في الجنس ، و كذلك الدائرية الأنثوية في الخيال المبدع . و تختلط الأنساق الثقافية للنهايات في المقطع السابق بين استشرافها في الغرائز ، و البنية المادية للجسد من جهة ، و استعادة الطوفان بوصفه خلاصا ، و محوا ، و نشوءا متجددا في آن . و يبدو التكرار الشعري للسلب في الديوان ممثلا لما بعد البدايات الطيفية التي تناهض ثوابت المادة ، و التأويل الوجودي للذات معا ، أو تمزجه بالمحو كفعل إيجابي لبراءة البداية ؛ فالمفاهيم النسبية حول الإدراك ، و الاختيار الذاتي باتت موضع تساؤل ، و استبدال من قوى التجدد الأصيلة في الكتابة . يقول : " لا مسيرة أو مخيرة ، من يحمل عني صليب الاختيار الصعب ، لا تدخلني في تجربة ، أريد لا أريد ، فمن يقول لي ؟ بين الأبيض و الأسود لا أريم ، لا أميل ... وجهه أعرفه لا أعرفه ، ينبهني إلى الخواء ، ثم يمضي إلى الضفة المقابلة " . التجسد يولد الصلب ، و من ثم الألم . أما التكوين الملتبس ؛ فهو يسير ضد بنيته ، ضد العدم ، إنه يقاوم الكينونة ؛ كي يطهرها من شرك التجربة ؛ فتبدو كقصيدة ، أو كالصوت الآخر / الغائب الذي يؤول الأنثى ، و ينفصل عنها في المساحة الحرة للعب التشبيهات ، و الأصوات في الديوان . و من خلال دال الصوت المجرد يقرأ المتكلم حركة اللامعقول الخفية في الصراع ، و الصيد ، و الآلام الداخلية الأكثر ارتباطا بالأنا الأعلى ؛ فالصوت أثر متكرر لعمليتي الصراع ، و الولادة دون نهاية . يقول : " صرخة تؤاخي الطيور الليلية / ترف برهة غامضة / و تطعن الزوايا المنفرجة / تقضمينني / ألتهمك / هل أنت ندمي الغيبي / لا بأس / ما الذي يطرق الأبواب ، و النوافذ / ما ؟ " . القصيدة تستنزف الجسد في الصوت ؛ سواء أكان ممثلا لبهجة القصيدة ، أم دالا على رعب الصرخات الكونية التي تمارس صراعا لعبيا دون مركز فيما بعد النهايات . و قد جاء الحرف ما لتغييب أي حدود ممكنة للصوت ، إنه طيف ، أو فراغ ، و لكنه يحفر أثرا كونيا ، و يؤول وجود المتكلم ، و أخيلته . و قد تتفاعل مستويات الخصوبة ، و التدمير ، و الكتابة ، و ولوج الذات لتداعيات الصورة ، و كأن التكوين بحد ذاته زيادة مجازية . يقول : " كلما ابتللت ازدهرت ، نمت لي غصون أنبتت فواكه الفصول المجهولة ، كلما خطوت احترقت ذاكرتي ، و اشتعل هشيمي / لا تطفئوني ، لست حديقة ، لست بستانا ، أنا الموءودة قال كوني كنت ، أنا الصرخة الشاردة " . الصوت الأنثوي ينقل نفسه في تكاثر الفواكه ، و انتشار النار ، و الصرخة ، و كأن الأنثى هي احتراق اللغة المناهض للاحتراق المطلق ؛ إذ يستدعي لذة الحب ، و الولادة الجديدة . إن كتابة رفعت سلام هنا تقوم على الانقسامات ، و الحالات التشبيهية ، لا النهايات ؛ و لهذا سنجد الضمائر تلج نظائرها ، و كذلك الأخيلة الاستعارية ؛ كي تمنح الصوت حرية الكتابة .
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقطة الخروج في مسرح أوجين يونسكو
-
نحو فضاء آخر .. قراءة في ديوان هوامش في القلب للدكتور عز الد
...
-
الوعي المبدع يتجدد .. قراءة في كتاب المغني ، و الحكاء ل فاطم
...
-
انطلاق القوى اللاواعية .. قراءة في دموع الإبل ل محمد إبراهيم
...
-
الإكمال الثقافي في فكر أرنولد توينبي
-
الاندماج الأول بالعالم .. قراءة في تفاصيل ، و تفاصيل أخرى ل
...
-
سرد في نسيج الحجر .. تأملات في طبعات الأيدي القديمة
-
امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس
-
سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت
-
تأملات جمالية في الأنا الأعلى
-
تجاوز الذات التاريخية .. قراءة في أحب نورا .. أكره نورهان ل
...
-
العولمة ، و الاختلاف
-
شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا
...
-
الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا
...
-
التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ
...
-
الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
-
تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد
...
-
صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
-
دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل
-
وهج البدايات النصية .. قراءة في حجر يطفو على الماء ل رفعت سل
...
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|