|
الصمت
يسرا القيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 18 - 08:41
المحور:
الادب والفن
سار عكس التيار وعكس المألوف ... أحبها وهي لا تملك مواصفات الجمال الانثوية ... كانت فتاة عادية بملامح وجهها البريئة... وهو رجل عربي الملامح ؛ مفتول العضلات ؛ لكنه أحب أن يجرب حظه هذه المرة بعلاقة حب وأرتباط مع فتاة صغيرة في العمر طموحها على قدر تفكيرها ومستواها الاجتماعي فهي من عائلة ذو مستوى أجتماعي متواضع؛ قليلة التجارب في الحب والحياة ؛كلما رأها كانت تمتلكه رغبة في أن يُفرغ مشاعره على فمها الصغير ..الذي لا يعرف أحمر الشفاه يومآ...؛ كانت تراقبه من شباك غرفتها خلسة كأي فتاة في تلك المرحلة العمرية ... تخشى من أي حدٍ في عائلتها يراها وهي تراقبه أو تتلصلص على موعد دخوله وخروجه من فيلته الفخمة المقابلة لبيت أهلها.. أُعجبت بطول قامته وأنتفاخ عضلاته ...ترتبك حين تراه ...أحبت طلته وسمرة وجهه أُعجبت به وكأي فتاة تحلم بفارس أحلامها؛ سرحت كثيرآ وحلمت أكثر في اليقظة ...أن ينتشلها من مستواها الاجتماعي وظروف عائلتها الاقتصادية المحدودة...تخيلت حياتها معه كيف ستكون معه وكيف سيعاملها وكيف سينظر اليها .. وكيف ستنتقل الى وضع أجتماعي أفضل مما هي عليه...تأملت مستقبلها كثيرآ رغم بساطة تفكيرها ولكن طموحها لحياة أفضل ..وقبل أن يفاتحها بأي موضوع حب لكن أحساسها كأنثى وبوصلة قلبها ورادار عقلها توجها نحوه... تبادلا النظرات والابتسامات وكأنهما في زمن الحب القديم الجميل زمن الحب العذري... تفاجئت حين رن جرس بيتهم المتواضع ودون موعد مسبق مع والدها .. طلب يدها وتقدم لخطوبتها .. تفاجئوا الاهل .. فرح الجميع... أختلطت دموع الفرح مع دموع المفاجئة وأختلطت الزغاريد بالعبرات ...فلم يخطر على بال أحدهم أن هذا الرجل الميسور الحال أبن الحسب والنسب يتقدم لخطبة أبنتهم ؛وافق الاهل على عجل ودون تفكير ؛لكن شرطهم الوحيد أن تكمل دراستها الجامعية التي لم يتبقى منها الكثير ... أختصروا الزمن وتزوجا زواجآ لم تحلم به حتى في اليقظة.... كان زفافآ أرستقراطيآ ؛بدأت تشق طريق مستقبلها بمساندته له ؛ وهي بدورها بذلت جهدآ غير عادي كي توفق بين دراستها وواجباتها المنزلية وبين حقوق زوجها الشرعية...كان يصيبها الوهن أحيانآ والملل أحيانآ آخرى .... بسبب بعض الصعوبات التي كانت تعترضها الا أنها أصرت على سهر الليالي... وتتحمل أكثر من طاقتها كي لا تفقد وضعها الاجتماعي ولا تفقد دراستها الجامعية...كانت مثل زمبلك الساعة تهتم بكل تفاصيل الفيلا وترفض وجود أنسانة أخرى تساعدها في أمور الفيللا والاهتمام بطفلها الاول أخذ من وقتها الكثير ... فتحت زهرة عيادة أسنان ... وهو مشغول دائمآ خارج البيت في التجارة ولغة الأرقام وحركة البورصة... بعد مرور عام على زواجهما أتسعت المسافة بينهما وتوقفت لغة الحوار وسادت لغة الصمت ... سهرت كثيرآ تنتظره على العشاء....تحملت أسلوبه المتعجرف...ولا يترك مناسبة الا وأن يحسسها بالفوارق الاجتماعية والطبقية بينه وبينها.. تحملت خياناته وعلاقاته النسائية المتعددة؛ حرصت على أن تخفي معرفتها أمامه حفاظآ على كرامتها وسقف بيتها من الانهيار التي طالما حلمت به وحبآ لطفلها أن لايفقد اسلوب الحياة المرفهة.. وأن لا يعيش حياة مبتورة... شكت زهرة لوالدتها من سوء معاملته وخياناته المستمرة وتبدل أسلوب معاملته لها ..وكأي أم رمت باللائمة على أبنتها كي لا توسع الفجوة بينهما ..... ونصحت أبنتها في الحفاظ على بيتها وأطاعة زوجها في كل الظروف... أخذتها بحضنها وخففت عنها وأوصتها بالصبر كما جدتها نصحت أمها بالتحمل والصبر الجميل ...أتسعت الهوة بين زهرة وكمال ؛بدأ يتحجج عليها ويختلق المشاكل ...ووصل به الحال أن يحاربها نفسيآ ؛ يُسطح عقليتها في أي نقاش أذا ما حدث ذلك ...كانت تستغرب وتستهجن أسلوبه لأنه كان دافعآ لنجاحها في حياتها الدراسية والعملية... أنتبهت الى أنحدار مستواه فمن غير المعقول يتغير كمال الذي لم تتعرف عليه كثيرآ قبل الخطوبة أو حتى خلالها.. كبتت أحزانها وكتمت غيضها لأنتقاصه من قيمتها وسخريته من عملها في العيادة ...صبرت وصبرت .. في ليلة ممطرة دخل الفيلا متجهم الوجه عابسآ متنرفزآ ...مستاءآ .... طالبها بغلق العيادة ...وعندما ناقشته أنها تعبت وسهرت وذكرّته بوقوفه الى جانبها ومساندته اليها ؛ وأنها ترى نفسها بعملها وهو ثمرة سهر ليالي وتعب سنين وسنين ... مع هذا أصر على غلق العيادة والتفرغ للاولاد وكلما أطالت بالنقاش معه أصر على موقفه...تفاجئت بعناده المرضي أصبحت تكتشف صفات شخصيته بعد مرور 5 أعوام من حياتهم الزوجية أحست وقتها بأنهم في مفترق طرق... تكرر أهماله لها ولأطفاله ولألتزامه في بيته... أدمن السهر والليالي الحمراء الماجنة مع بائعات الهوى... ولعب الميسر في فنادق الخمس نجوم ...أدمن كمال على كل شئ وهو الرجل الملتزم أبن الحسب والنسب وبشكل مفاجئ وبلا مقدمات أنحدر في سلوكه الاجتماعي ... تهاوى كما تتهاوى الصخور الصغيرة من أعلى قمة الجبل ...لقد فشل في صفقاته ... توقفت زهرة بجدية على حياتهم وما آلت اليه من خراب وفشل وبرود وفتور في العلاقة الزوجية ...قررت زهرة المرأة المخلصة التي حرصت وبشدة أن تكون ملتزمة معه ومع أولادها وبكل تفاصيل حياتهم.... الفيلا كبيرة فخمة بجدران باردة تخلو من الحب والدفئ العائلي بذلت جهدآ كبيرآ في مناقشته على مصير العائلة والحفاظ على سقف البيت...لكن كل محاولاتها الجادة باءت بالفشل الذريع بسبب تعنته؛ أنتظرته تلك الليلة وأعصابها تحترق كما تحترق الأشجار الخضراء بصاعقة سماوية ... فتح باب الفيلا وقف وسط البهو الكبير ... وقفت أمامه وقبل أن تتفوه بكلمة عتاب أو لوم أو سؤال عن سبب أستمراره في السهر الى الساعات الاولى من الفجر ...بادرها كمال وكان متزنآ؛ لك الخيار يا زهرة أما البقاء والاستمرار معي وانا على حافة الهاوية ؛ وأما الأنفصال أنا غير جدير بحبك ووفائك لي يا زهرة ؛وأنت من الآن حرة في حياتك ..أنا فشلت معك وفي حياتي العملية لقد فقدت كل شئ ووقعت في فخ السهر وبائعات الهوى...خذي أولادك يا زهرة وأذهبي الى بيت أهلك وسأحاول أن أبعث اليهم مصروفهم الشهري حبست أنفاسها ل لحظات... تقدمت خطوات مواجهة له ... طوقته بذراعيها ووضعت رأسها على صدره ... تمتمت أنت خياري وحبيبي ورجلي الوحيد .....؛
#يسرا_القيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صرخة امرأة
-
دراسة نفسية
-
القسم الثقافي / قصة / ذلك المساء
-
المرأة العراقية في البرلمان
-
المرأة العربية أستهلاك أم أستغلال
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|