|
في مواجهة خطة شارون: استحقاقات فلسطينية عاجلة وآجلة
تيسير محيسن
الحوار المتمدن-العدد: 868 - 2004 / 6 / 18 - 06:38
المحور:
القضية الفلسطينية
ارتفعت وتيرة الجدل السياسي في الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة مترافقة مع ما يحدث من تطورات سياسية في الساحة الإسرائيلية إزاء ما يسمى بخطة الفصل أحادي الجانب أو "خطة شارون" والتي تتضمن الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك مستوطنات إسرائيلية والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري. في أعقاب زيارة عمرو سليمان، شهدت غزة لقاءات وجلسات عصف فكري ومؤتمرات واجتماعات للجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، والموضوع الوحيد على الأجندة: الموقف الفلسطيني إزاء الخطة والاستحقاقات المترتبة على هذا الموقف؟ يمكن القول أن ثمة ميل عام للتعاطي بشكل أو بآخر مع الجزء الخاص بالانسحاب، مع رفض الخطة إجمالاً لما تتضمنه من مخاطر على المشروع الوطني من حيث سعيها إلى استبدال عملية السلام ومرجعياتها وأطرافها، فضلاً عن إدامة الاحتلال في الضفة الغربية وجعل فكرة إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في حدود حزيران 67 أمراً مستحيلاً، هذا إلى جانب شطب قضايا الحل النهائي وخاصة مسألتي القدس واللاجئين. وإذا كان رفض الخطة جملة وتفصيلاً ليس من السياسة في شيء سيما وأنها باتت اللعبة الوحيدة في المدينة بعد تبني الرباعية لها وخاصة فيما يتعلق بالانسحاب وتفكيك المستوطنات، وباعتبارها جزءً من خارطة الطريق، فإنه ليس من الحكمة الدخول في مفاوضات على أساس هذه الخطة أو تقديم تنازلات فلسطينية كثمن للانسحاب حتى لو اعترف الإسرائيليون بالطرف الفلسطيني كشريك كامل. وبذلك يصبح التحدي الماثل أمام الفلسطينيين: إدارة الاشتباك مع المعطى السياسي الناجم عن تداعيات طرح خطة الفصل، ولكن على قاعدة رفض الخطة إجمالاً. الاستجابة للتحدي تقتضي جملة من الشروط والأسس والعمليات، نقطة الانطلاق فيها يجب أن تكون ممارسة صريحة وجريئة للنقد الذاتي، وللمراجعة النقدية للخطاب والأداء في السنوات الأخيرة، وهو ما يفترض تجاوز آفة العقل السياسي الفلسطيني المتمثلة في الاتجاهين الرفضوي القاطع، والتجريبي المفرط. نحن في حاجة إلى النزول عن ظهر النمر والكف عن الشرب من نهر الجنون كما يقولون، في حاجة إلى إدراك مخاطر الانعطافة التاريخية الحاسمة في تاريخ قضيتنا وبالتالي الاعتراف بأن ثمة استحقاقات لابد من الإسراع في تلبيتها قبل فوات الأوان. وفي تقديري أن المقاربة الفلسطينية الوحيدة الممكنة لمواجهة التحدي يجب أن تتضمن عناصر الحوار الوطني الجاد، الإصلاح الشامل، تفعيل عوامل القوة الأخرى المتاح منها والمحتمل. ولما كان التحدي الذي يواجهنا مركباً؛ محاولات اختطاف التمثيل، الصراع في الحقل السياسي الفلسطيني، ترهل النظام السياسي، تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، استمرار العدوان الإسرائيلي، فإن المقاربة الفلسطينية في المواجهة يجب أن تكون مركبة كذلك. على سبيل المثال، الحوار الوطني يجب أن يتضمن الاشتغال الفوري على إنجاز صيغة اتفاق سياسي، نموذج مؤقت للشراكة السياسية، بينما يستمر الحوار من أجل الوصول إلى إقرار صيغة مستديمة لنظام سياسي يقوم على أسس المشاركة والتعددية والشفافية. وبنفس القدر، يمكن القول أن التصدي الفوري لمظاهر الفوضى والتسيب في الوضع الداخلي يجب ألا يمنع الشروع في القيام بخطوات على طريق الإصلاح الأمني الشامل للأجهزة استناداً إلى عقيدة موحدة، معلنة ومتفق عليها. على أي حال، سأتوقف مطولاً عند العنصر الأول من عناصر المقاربة الفلسطينية المقترحة، أي الحوار الوطني، بينما سأكتفي بالإشارة إلى أن الإصلاح، والإصلاح السياسي تحديداً يشكل شرطاً واجباً لتحقيق الشراكة السياسية، وهي الهدف المأمول للحوار الوطني المعلن عن استئنافه قبل أيام،كما يشكل ضرورة لتفعيل عوامل القوة وخاصة فيما يتعلق بترتيب البيت الداخلي، ومن المهم التأكيد في هذا الصدد على أن الانتخابات هي الرافعة الحقيقية للإصلاح. في الحوار تبدي جميع الأطراف رغبتها في استئناف الحوار الوطني، وقد أُعلن عن ذلك رسمياً في اجتماع لجنة المتابعة مع رئيس الوزراء السيد أحمد قريع في غزة، ومع ذلك فثمة أسئلة عديدة في حاجة إلى إجابات. من هي أطراف الحوار؟ ما هي موضوعاته؟ وأي الآليات سيتم إتباعها في إجراءه؟ وهل يكون برعاية إقليمية أم يظل فلسطينياً خالصاً؟ ما هي مواقف الأطراف المختلفة، ودرجة جاهزيتها واستعدادها للذهاب إلى أبعد الأشواط الممكنة؟ هل الهدف الوصول إلى وقف إطلاق النار فقط؟ من الصعب الإجابة على كل هذه التساؤلات في عجالة، لذلك سأكتفي بطرح بعض أسس الحوار المطلوب، وكذلك تناول بعض المحاذير القائمة والمحتملة. وفي تقديري أن الحوار يجب أن يبدأ ويتواصل فلسطينياً وعلى أساس أجندة فلسطينية، ويمكن أن ينتهي إقليمياً. الحوار من حيث الآليات والنتائج يجب أن يفوت الفرصة على من يحاول أن يلعب بورقة التناقضات الداخلية الفلسطينية، ويظهر أن الفلسطينيين موحدين في مواجهة خطة شارون، من هنا تكتسب مسألة اشتراط الرعاية الإقليمية للحوار بما يعزز وحدة الموقف الفلسطيني ودون فرض تقديم تنازلات مقابل الانسحاب من قطاع غزة أهمية بالغة. ومما لاشك فيه أن أية عملية حوار لا تقوم على أسس واضحة وملتزم بها لن يكون مصيرها سوى الفشل، وكذلك تقتضي هذه العملية الاتفاق المبدئي على الأجندة والآليات والأهداف. في الحالة الفلسطينية، وفي ضوء تجارب الحوار السابقة التي أفضت إلى لا شيء، يجب تأسيس الحوار المزمع على جملة من القواعد والأسس كالجدية وإعمال العقل واحترام التعهدات والاستعداد لتحمل المسؤولية ونقد الذات والشفافية والاعتراف بالآخر والتقليل من شحنات الأيديولوجيا وعدم التمترس وراء المواقف المسبقة ووضع المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الحزبية، إلى ذلك فالحوار يجب أن يفضي إلى مخرجات محددة: وثيقة مبادئ، خطة عمل مشتركة، الاتفاق على التزامات واضحة وإجراءات محددة. أما الموضوعات العاجلة للحوار فهي: التعامل مع الانسحاب من قطاع غزة بما لا يجحف بإمكانات التصدي لخطة شارون وخاصة مواجهة جدار الفصل العنصري وبما يؤكد جدارة الفلسطينيين كشركاء فعليين في عملية سلام عادلة وشاملة. الموضوع الثاني الإصلاح السياسي والانتخابات كرافعة له وذلك في إطار تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة الاعتبار لمؤسساتها المختلفة على أساس مشروعها السياسي ومبادرة السلام عام 1988. الموضوع الثالث خاص بترتيب الأوضاع الداخلية والقيام بخطوات من شأنها إعادة الاستقرار والأمن للمواطن واستعادة دوره المشارك في مواجهة مختلف التحديات في إطار تأكيد سيادة القانون واحترام المؤسسة والإدارة الرشيدة والعادلة للموارد. الموضوع الأخير، خاص بالخطوط الحمراء التي لا يجدر بأحد تجاوزها سواء تعلق الأمر بالمقاومة أو بالتفاوض أو بإدارة الشأن العام. إن حواراً جاداً ومسئولاً يمكن أن يحقق الغايات المرجوة منه، ولكن يجدر التنبيه إلى جملة من المحاذير، أبرزها: 1- أن يجرى التوافق على صيغة شراكة تقوم على مبدأ المحاصصة "الكوتة" في التمثيل والحصول على المنافع دون تغيير جدي في آليات اتخاذ القرار ودون إحداث نقلة نوعية في الخطاب والممارسة، ودون تفعيل دور المؤسسة. 2- أن يفشل الحوار لأسباب لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية الحقيقية، ما يعمق التناقضات والانقسامات في الساحة الفلسطينية وهو ما سوف يسهل ويبرر استمرار محاولات اختطاف التمثيل وفرض الوصاية المعلنة أو المستترة. 3- أن تحول آفة العقل السياسي الفلسطيني (ثنائية الرفض العدمي والتجريب المفرط) دون الوصول إلى خطة عمل مشتركة لمواجهة خطة شارون، الأمر الذي يهدد بخطر تمريرها ونجاحها في قصم ظهر المشروع الوطني وتكريس الاحتلال. 4- أن يصر طرف ما على بند وحيد في الأجندة، إما تجاوباً مع ضغوط خارجية دون مراعاة العامل الداخلي، وإما تماهياً مع أطروحات أيديولوجية دون كبير اهتمام بالمتغير الدولي والمعطى الإقليمي. وفي كلا الحالين لن يسهم الحوار في تعزيز القدرة الفلسطينية سواء في الاشتباك الفعال مع المعطى السياسي أو في قطع الطريق على خطة شارون الهادفة إلى إدامة الاحتلال. 5- أن يحقق الحوار المزمع غاياته الآنية ثم ينقطع وتعود الأمور إلى سابق عهدها من حيث بقاء حالة الاستفراد بالقرار والموارد كما هي، ومن حيث بقاء المؤسسة في حالة عجز وشلل في غياب الشفافية والمحاسبة والكفاءة، ومن حيث استمرار حالة الترهل والعجز في مجمل مكونات المنظومة الاجتماعية وتحديداً المنظومة السياسية، ومن حيث فقدان القدرة على التعلم من الخبرة والتراكم والبدء دائماً من نقطة الصفر وبناءً على استجابات شرطية لمؤثرات خارجية فقط. بالطبع، ليس من الحكمة في شيء الاعتقاد بأن الحوار الوطني قادر على حل كل المعضلات أو إعطاء أجوبة شافية لكل التساؤلات، فكما أسلفت الحوار مجرد عنصر واحد من عناصر المقاربة الفلسطينية المطلوبة، هذا إلى جانب أن الأطراف المعنية الدولية والإقليمية لا تمارس ما يكفي من ضغوط على الطرف الإسرائيلي لينزل هو الآخر عن ظهر النمر، بل أن بعضها يمعن في التماهي مع الموقف الإسرائيلي دعماً وتشجيعاً وهو الأمر الذي يقلل بالضرورة من فرص نجاح الحوار الوطني في الوصول إلى صيغة توافقية موحدة. أخيراً، طالما أن الهدف هو الوصول إلى شراكة من نوع ما تزيد من قدرة الفلسطينيين على الدخول في الاشتباك مع المعطى السياسي، وعلى مواجهة جدار الفصل العنصري ومحاولات إدامة الاحتلال واستبدال مرجعيات الشرعية الدولية للحل، فلا بأس من اعتماد آلية تدرجية في الحوار، على قاعدة الاعتراف بالمتغيرات في الحقل السياسي وبضرورة إعادة تركيب النظام السياسي على أسس وقواعد جديدة، تبدأ هذه الآلية بالاتفاق على قضايا بعينها، ليتواصل الحوار بعدها عبر أشكال مختلفة وباستدعاء كل الفاعلين الاجتماعيين إلى طاولته، وبتناول كل مكونات الحالة الفلسطينية. لن ينتهي الحوار، فطالما كانت التعددية سمة نظامنا الاجتماعي يظل الحوار إلى جانب التداول والمحاسبة والمشاركة من أهم وأبرز ميكانيزمات إدارة هذا التعدد.
#تيسير_محيسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في العمل مع الشباب: التنشيط الاجتماعي والثقافي
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|