|
سنديانة وخنساء فلسطين فدوى طوقان في ذكرى وفاتها
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2861 - 2009 / 12 / 17 - 13:08
المحور:
الادب والفن
سنديانة وخنساء فلسطين فدوى طوقان في ذكرى وفاتها بقلم: شاكر فريد حسن في كانون الأول قبل (6) سنوات فقدنا سنديانة وخنساء فلسطين وأم الشعراء ، الشاعرة المبدعة والملهمة فدوى طوقان ،التي شاركت مع نازك الملائكة وبدر شاكر السيّاب وصلاح عبد الصبور وسواهم في تطوير ونمو حركة الشعر العربي الحديث والمعاصر وتجديد أشكاله الفنية ومضامينه الاجتماعية والوطنية . خرجت فدوى طوقان من رحم أمها الى الوجود سنة 1917في نابلس، عاصمة جبل النار ، وفي حي الياسمينة كبرت وترعرعت وعاشت وتلقت دراستها الابتدائية وتثقفت على نفسها، حيث اقتنت الكتب وبدأت بمطالعتها. كتبت فدوى الشعر منذ نعومة اظفارها وساعدها شقيقها ابراهيم على صقل وتنمية موهبتها الشعرية ، وشجعها على نشر قصائدها.وقد ذكرت ذلك في مذكراتها حيث قالت:" منذ صغري بدأ ميلي الفطري للشعر، كنت أجد متعة كبيرة في ترديد محفوظاتي المدرسية ،وأقف مملوءة بالانبهار أمام ما يقع عليه بصري من قصائد أو مقطوعات مطبوعة في الكتب المدرسية أو في الصحف التي كان يحضرها أبي وأخوتي الى البيت وذلك رغماً عن عجزي لادراك مضامينها". وكانت أولى محاولات فدوى طوقان الشعرية قصيدة وجهتها الى رباب الكاظمي، وتقول فيها: أرباب تاج الشاعرات أرباب فقت النابهات واله أنت خليفة بالمدح بين الانسات وأبوك قد أعطاك كنزاً زاخراً بالطيبات.
نشرت فدوى طوقان قصائدها في المجلات والصحف العربية ، وفي العام 1946 أصدرت ديوانها الأول"وحدي مع الأيام" ثم ألحقته بـ "وجدتها" و"أعطنا حباً" الذي يشير الى نضوج تجربتها الشعرية واتساع الحب الانساني الشمولي. وتواصلت بعد ذلك صدور دواوينها الشعرية عن دار "الاداب" البيروتية وغيرها من دور النشر ،وهي:" أمام الباب المغلق"و"على قمة الدنيا وحيداً"و"الليل والفرسان"و"تموز والشيء الاخر"و"قصائد سياسية "وصولاً الى سيرتها الذاتية التي أصدرتها في كتابين هما:"رحلة جبلية"و"الرحلة الأصعب". وتفيض دواوينها، بمجملها، بأشراقات جبال وحارات ومخيمات فلسطين ،وتشحننا في سيرتها الذاتية بالأمل والتفاؤل على مواجهة صعاب وتحديات الحياة. حظيت الراحلة فدوى طوقان باهتمام نقدي واسع ، وكتبت دراسات ورسائل وأطروحات متنوعة وعديدة حول حياتها وكتاباتها الشعرية ، أبرزها دراسة هاني أبو غضيب "فدوى طوقان ـ الشاعرة والمعاناة" ،كما وترجمت أشعارها الى لغات عدة ، وقد نالت عن جدارة واستحقاق عشرات الجوائز الأدبية . تعكس فدوى طوقان في قصائدها الأولى القلق النفسي والقهر اليومي والضياع الذي يعاني منه الأنسان العربي ، فتهرب الى الطبيعة بعيداً عن مشاغل الحياة وأعباءها ومشاكل الناس وثرثراتهم، وبين المروج وسنابل القمح والربيع الجميل والطبيعة الغناء الخلابة تلقي فدوى برأسها المتعب والمثقل بالهموم حيث تستريح وتغرق في الحنين: هي يا مروج السفح مثلك ، أنها بنت الجبال وجرزيم روى قلبها وسقاه من خمر الخيال درجت على السفح النضير، على المنابع والظلال روحاً تفتح للطبيعة، للطلاقة للجمال. *** قد جئت هنا،فافتحي القلب الرحيب وعانقيني قد جئت أنهل من نقاء الصمت، من نبع السكون فهنا بحضنك أستريح،أغيب، أغرق في حنيني
وفدوى هي ابنة للطبيعة الخضراء الهادئة التي تمنحها جواً موحياً بالرؤى والخيالات النقية: وهنا، هنا في جوك المسحور، جو الشاعرية كم رحت أستوحي الصفاء رؤى خيالاتي النقية فتضمني في نشوة الالهام ..أجنحة خفية تسمو بروحي فوق دنيا الناس ،فوق الادمية.
ونجد المعاناة الوجودية عند فدوى طوقان في وقفتها التأملية أمام الطبيعة وأصائلها الساجية: هناك فوق الربوة العالية هناك في الأصائل الساجية فتاة أحلام خيالية تسبح في أجوائها النائية الصمت والظل وأفكارها رفاقها والسرحة الحانية
وقصائد فدوى مفعمة بالحزن والأسى والشجن وذلك لأن الموت قد سطا على شقيقها ابراهيم في ريعان شبابه ،ويعود مرة أخرى ليخطف شقيقها"نمر" دون أن تلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة ورسم القبلة على جبينه: أهكذا بلا وداع يا حبيبنا ويا أميرنا الجميل لا نظرة أخيرة نحملها زاداً لنا في وحشة الفراق.
وفدوى طوقان التي أسماها النقاد بـ "خنساء " فلسطين تبكي لتمسح الحزن من قلوب الأشقياء المعذبين، وقلبها وحياتها شوق وديوان شعر وعود..فتقول: حياتي،حياتي أسى كلها أذا ما تلاشى غدا ظلها سيبقى على الأرض منه صدى يردد صوتي هنا منشداً حياتي دموع وقلب ولوع وهي تتساءل عما أذا كان اللـه يسمعها وقد عادت اليه بعد قلق وضياع، لكنها في النهاية تجد أن رحاب اللـه مغطاة بتراب الموت: أن كنت هنا فأفتح لي بابك لا تحجب وجهك عني وانظر يتمي وضياعي بين خرائب عالمي المنهار وعلى كتفي أحزان الأرض وأهوال القدر الجبار عبثاً لا رجع صدى لا صوت عدوي، لا شيء هنا غير الوحشة والصمت وظل الموت
وتخفي فدوى قلقها من الموت، موت الأخ والذات والانسان، وتخترع لنفسها بالشعر أملاً يضيء حياتها: اه يا موت، ترى ما أنت؟قاسي أم حنون؟ أبشوش أنت أم جهم، وفي أم خؤون؟ يا ترى من أي افاق ستنقض عليه؟ يا ترى ما كنه كأس سوف تزجيها اليه؟ قل،أبن ما لونها ؟ فأطعمها،كيف تكون؟
ورغم الحزن المسيطر على عالم فدوى طوقان الا أنها كتبت وقرضت أشعار عديدة في الحب والغزل الذي تعاملت معه داخل محراب مقدس مضمخ بعبير الرؤى الحلوة والوفاء الأسطوري الذي نجده في قصص العشاق الأوائل الذين سطروا ملاحم الحب والعشق: وحين فتحت براعمي وامرع الصبي وضمخ الجواء بالعبير عرفتها في شعر"عروة" الحزين وعشتها في شعر"قيس" في رؤى جميل كم هز بي تدفق الشعور في قلوبهم كم عشت حبهم، حنينهم، عذابهم كم قال لي قلبي الحزين ما أسعد الأحباب رغم ما يكابدون
والحب عند فدوى تناغم وانسجام وامتزاج روحين في عناق أبدي ورحلة مع الحياة: نادني من اخر الدنيا ألبي كل درب لك يفضي فهو دربي يا حبيبي أنت تحيا لتنادي يا حبيبي أنا أحيا لألبي صوت حبي أنت حبي أنت دنيا ملئ قلبي كلما ناديتني جئت اليك بكنوزي كلها ملك يديك ينابيعي،بأثماري،بخصبي يا حبيبي
وفدوى طوقان كسائر شعراء الوطن عاشت القضية بكل خلجة شعورية من خلجات قلبها وأعطت اهتمامها الكلي للقضايا الوطنية،وسجلت المعاناة اليومية والمأساة العميقة للشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال ومشاعر الانسان الفلسطيني العادي تجاه الواقع المظلم المهيمن عليه. فدوى طوقان، بقلمها وحبرها ، تحدت القهر والحصار الذي فرض عليها منذ أن كانت صغيرة وأهداها أحد الصبية وردة حمراء ، فعبرت عن معاناتها وأساها وحزنها العميق والمعتق وصراعها لأجل الحرية والفرح الدائم. وهي الوجه الاخر للخنساء ببكائها ونواحها ودموعها، وقد عاشت بمفردها مع جسدها ولم تتزوج، وظلت حاملة رسالة وشاعرة نبوءات ، ورحلت قبل أن يتذوق شعبها طعم الاستقلال . فالى روحها الطاهرة التي عانقت تراب فلسطين سلام وطيب اللـه ثراها .
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربة غريب عسقلاني الابداعية
-
في أحوال الواقع العربي المعاصر..!
-
ما أحوجنا للنقد الاجتماعي!!
-
انسي الحاج ..شاعر الليل
-
صدور عدد جديد من مجلة-الأصلاح- الثقافية
-
تحية ل-الحوار المتمدن-في عيده المتجدد
-
في حال المثقف العربي
-
هادي العلوي من رواد الفكر العربي الانعتاقي الحر
-
محمد أركون المثقف النقدي المتبحر في محيطات المعرفة الاسلامية
-
دور الثقافة ازاء الواقع البائس
-
الدكتور فرج فودة..ضحية الارهاب الديني المتطرف
-
في ظلال المفكر والمؤرخ عبدالله العروي
-
جديد مجلة -الاصلاح - الثقافية
-
برهان غليون .. صوت العقل ضد اغتيال وتغييب العقل
-
ما أحوج مجتمعنا العربي للتعددية والحوار العقلاني والحضاري
-
محمد عابد الجابري .. الباحث والمفكر الذي يقرأ تراثنا الفلسفي
...
-
التضامن العربي..!!
-
التضامن العرب..!!
-
الذكرى الثانية لوفاة الشاعر العراقي سركون بولص
-
مظفر النواب... شاعر الرفض والشتيمة السياسية
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|