|
الطائفيون و اليبراليون الطفوليون
ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 2859 - 2009 / 12 / 15 - 19:46
المحور:
كتابات ساخرة
الحديث عن صدام حسين في هذا الزمن، يحمل من الصعوبة ما يمكن أن يُوقع المتناول له في متاهة يصعب الخروج منها، وذلك لسبب الاصطفاف الحاد بين مؤيدي الرجل ومعارضيه، إلى الحد الذي يبتعد كثيراً عن لغة العقل، بحيث يمكن اعتباره عاطفياً محضاً، بلغ في بعضه مرتبة التقديس، وفي البعض الآخر مرتبة الخيانة، وعولج حتى بالشتائم. لكنني أرى الرجل ظاهرة جديرة بالدراسة الأقرب إلى الموضوعية، من وجهة نظر قومية محضة، بعيدة عن أي نوع من الاصطفاف الحالي الذي يحكمه الانتماء الطائفي في أغلبه، لكي لا أقول بشكل كلي، أو النظرة الليبرالية الطفولية من ناحية أخرى، كواحدة من الدكتاتوريات التي تحكم هذا الوطن على امتداد رقعته الجغرافية. فالذي يقرأ ما يكتبه محبو الرجل يشعر أنه قديس لا غبار على كل ما فعله خلال حياته، خاصة إبان حكمه من العام 1979 وحتى سقوط حاضرة العرب بأيدي قوات الاحتلال عام 2003، ومن ثم عملية أسره، ثم إعدامه المؤسف بالطريقة التي شهدها الجميع. أما الذي يقرأ ما يكتبه معارضوه، فيشعر بأنه أمام رجل سرق الحكم وفسد وأفسد، وتآمر حتى على رفاقه، وارتبط بالأجنبي، وخان الأمانة، وركب موجة الطائفية، ولقي العقاب الذي يستحقه. لكن الحقيقة، كما أراها من وجهة نظر مواطن متابع إلى حد ما، لا هذه ولا تلك. فهو رجل تمتع بكل صفات الحاكم القوي، مما استدعى أعظم قوة في العالم لإسقاطه، وهو دكتاتور بكل معنى الكلمة، لكنه "دكتاتور بار" ، له من الأخطاء الكبيرة الكثير، لكنه ليس خائناً بأي معيار للخيانة. ربما كان كلام الوزير السابق ورفيقه تايه عبد الكريم على فضائية البغدادية في برنامج "للتاريخ" الأقرب إلى الموضوعية، فهو مستأثر، متيقظ، شكّاك، قابض على الحكم بيد من حديد، قادر على إيقاع أخصامه في شرور أعمالهم قبل وقوعها، لا يعني له الموت شيئاً كثيراً، وليس أدل على ذلك من رباطة جأشه خلال إعدامه، على عكس ما صوّره موفق الربيعي، لم يرتجف صوته ، وحبل المشنقة يلتف حول عنقه. كل من ادّعى أن صدام حسين طائفي لم يكن مصيباً في ادعائه، فإما أنه قال ذلك عن جهل، وإما عن خبث، كما نقرأ في بعض المقالات، بهدف إثارة النعرة الطائفية لأغراض لا تخدم سوى الاحتلال والمستفيدين من وجوده. فحزب البعث الذي أسّسه رجال وطنيون من طوائف مختلفة لا يمكن له أن يكون طائفياً: ميشيل عفلق، زكي الأرسوزي، صلاح البيطار، أكرم الحوراني، وغيرهم، لم يكن أحد منهم طائفياً، بل كانوا جميعاً ينتمون إلى وطن يؤمنون ببعثه ، وكان الفقراء وحدهم من هذا الشعب جمهورهم العريض، خصوصاً قبل حكم البعث للعراق وسورية عام 1963، ثم عودته لحكم العراق عام 1968، بعد حكم الأخوين عارف له. كان صدام حسين ابن هذه المؤسسة القومية حتى تسلم البعث للحكم، وكل ما حدث من أخطاء، كان خلال فترة الحكم هذه. أود أن أقول: لا غبار على سلوك الرجل قبل تسلمه للحكم. لقد تجاوزت أخطاء صدام حسين السياسية حدود المعقول، فكانت الحرب العراقية الإيرانية واحدة من هذه الأخطاء الفاحشة، ولم يمضِ على اتفاقية الجزائر مع الشاه أكثر من خمس سنوات. ثم كان احتلال الكويت عام 1990 خطأ فاحشاً آخر، وكان لعدم استجابته لرسالة الرئيس حافظ الأسد في هذا الشأن أثر بالغ جداً في كل ما آلت إليه الأوضاع بعد ذلك، لأنني أعتقد أن الرئيس حافظ الأسد كان قادراً على "تصحيح" هذا الخطأ، لو استمع إليه الرئيس صدام حسين، لكنه أصر على عناده. أما الخطأ الاستراتيجي الذي يهمل ذكره الكثير منا، وقد ذكره تايه عبد الكريم، فكان في تقويض الاتفاق الذي بدأ وانتهى بين سورية والعراق عام 1979، وكان للرئيس صدام الدور الحاسم في ذلك، حين أعدم خمسة من أقرب المقربين إليه، بحجة أنهم أيدوا هذا الاتفاق، فاتهمهم بـ"العمالة للنظام السوري"، وهم "أبرياء" من ذلك على ذمة تايه عبد الكريم. بالرغم من هذه الأخطاء القاتلة، لم يكن أداء الرجل سلبياً بشكل دائم، فقد فعل الكثير على المستويين القطري والقومي، وطوّر في القطاعات الوطنية كافة، من تعليم وزراعة وصناعة وصحة، واستقدم أسراً مصرية قدّم لها أسباب العيش الكريم، وأعد جيشاً قوياً يُحسب له ألف حساب، وشكّل خطراً مباشراً على العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة، لكنه استخدمه في المكان والزمان الخطأ، وبذل محاولات عدة للتقريب بين الطائفتين السنية والشيعية، وأنا شخصياً شاهد على جعل السنة يصومون ويفطرون مع الشيعة خلال شهر رمضان، خلافاً لكل الدول العربية والإسلامية، وكان يستمع إلى شكاوى المواطنين بنفسه على الهاتف كل يوم أحد، وقد أوصل الكثير من المظلومين إلى حقوقهم، وكان حازماً في تطبيق النظام، وخلال الحصار لم يقصر في تقديم كل ما يستطيع لمساعدة الشعب على تجاوز الحصارلم تكن "المعارضة العراقية" خلال حكم الرئيس صدام حسين تختلف معه على الأمور الوطنية، بل كانت تلك المعارضة المتشرذمة تريد أن تزيحه للسيطرة على الحكم وحسب، لذلك قارب عددها الثمانين منظمة، أحصيت منها، شخصياً، أربعين منظمة عام 1984، ولم تكن أي منها تمتلك البرنامج الوطني الواضح، لذلك كانت عاجزة تماماً عن إزاحته، فلجأت للأجنبي الذي دمّر البلد، ولا يزال، وزرع الفتنة الطائفية بين مكونات الشعب. ومن وجهة نظر وطنية محضة، أرفض الأسلوب الذي تمت به محاكمته، وطريقة تنفيذ الحكم بالصورة البشعة التي شاهدناها جميعاً، بأمر من المحتل، وإذعاناً لرغبة جورج دبليو بوش، قاتل ملايين الأبرياء، وسارق ثروات الشعوب. أما "المصالحة الوطنية"، وهي من بقايا أحلام "الشرق الأوسط الكبير" الذي تدّعي الولايات المتحدة "رعايتها" لطوائفه المتناحرة كمرجع وحيد لـ"التصالح"، فهي محاولة بائسة أخرى للتضليل، لأن شعب العراق لا يحتاج للمصالحة الأجنبية، إذا خرج هؤلاء الذين يروّجون للفتن ويقتلون الأبرياء وعادوا من حيث أتوا، وانكفأت القوى الصهيونية التي تعبث بأمن العراق وتتحكم بأرواح شعبه. فإنكار قوة متجذرة في ضمير الكثير من أبناء الشعب العراقي اسمها "البعث" كفيل بإفشال أي محاولة لما يسمّى بالمصالحة الوطنية، بعد أن فشلوا في محاولاتهم "اجتثاث البعث"، وحاولوا الالتفاف عليها بشتى الوسائل. لم يكن الرئيس صدام حسين المقصود مباشرة من احتلال العراق، على الرغم من استهداف المحافظين الجدد لشخصه منذ العام 1979، بل العراق كله حاضراً وتاريخاً وجيشاً وثروة وقوة وانتماء ...
#ادم_عربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول مقال توني بلير ما اشجعك
-
اوباما تحول الى طرفه بن العبد
-
العلمانيه ليست ترفا اجتماعيا
-
حرية التعبير والتشهير بالاديان
-
المشهد الفلسطيني2
-
التجربه الماليزيه ونجاحها لم يات من فراغ
-
وفاء سلطان لم تات بجديد
-
المصالحه الفلسطينيه
-
جولد ستون والسلطه الفلسطينيه العظمى!
-
لماذا نعهر مفكرينا؟
-
الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق5
-
الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق4
-
الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق3
-
الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق2
-
الازمه الحضاريه العربيه وطريق الانفاق
-
منتدى البحث عن حلول في الفلسفه
-
يهودية دولة اسرائيل
-
الأزمة الاجتماعية في بلدان الوطن العربي وغياب الأسس المادية
...
-
الاسلام السياسي مصلحه فؤويه
-
المفتي يقول انا مسلم علماني
المزيد.....
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|