محمد بودواهي
الحوار المتمدن-العدد: 2859 - 2009 / 12 / 15 - 17:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عقب الأحداث التي عرفتها مقابلة كرة القدم التي جرت بين مصر والجزائر في الخرطوم الشهر الماضي , والتي أثارت نقاشا حادا وحملة إعلامية صاخبة خاصة من طرف الإعلام المصري , خصصت جريدة " الشارع " المصرية يوم الجمعة 27 نوفمبر 2009 عددا خاصا تحت عنوان مثير ومستفز ( جريمة البربر ) تناول فيه العديد من الصحفيين الموضوع في عدد من المقالات كان الجامع المشترك فيها هو الهجوم على الشعب الأمازيغي ( البربري ) والإساءة له بإطلاق جملة من الصفات العنصرية والتحقيرية ضده معتبرينهم قوم همجيون ومنحرفون بالطبيعة (هكذا ) ويتصفون بالعدوانية والخياتة والغدر وتدبير المكائد ....إلى غيرذلك من الكلام الساقط والغير المسؤول الذي يستحي كل إنسان شريف من التلفظ به .
يجب الإشارة بداية إلى أن الإعلام المصري عامة والمكتوب منه بشكل خاص كان له دور كبير في تأجيج مشاعر الغضب لدى الجمهور الواسع من المصريين , إذ مباشرة بعد مقابلة الذهاب التي انتصر فيها الفريق الجزائري بثلاثة أهداف لواحد , والتي لم يستسغها العدد الكبير منهم الذين فاجأتهم النتيجة , فبدؤوا يعملون على إثارة المشاعر وتهييج العواطف وحشد العزائم والهمم مرسلين بذلك رسائل مشفرة لكل من يعنيهم الأمر من لاعبين ومسؤولين ومشجعيين منبهين إياهم بضرورة القيام بكل شيء من أجل الانتصار وبالتالي التأهل لنهائيات كأس العالم مهما كلف ذلك من ثمن , وهوما أثار حفيظة الجميع الذي أصبح يرى في مقابلة الإياب مسألة حياة أو موت , فكانت نتيجة ذلك أن تم الاعتداء بشكل سافر على النخبة الجزائرية وكل الوفد المرافق لها من إعلاميين ومشجعين ومسؤولين و إصابة العديد منهم بجروح متفاوتة الخطورة إضافة إلى تكسير زجاج الحافلات التي كانت تقلهم ومحاصرة الفنادق التي كانت مخصصة لهم , هذا دون الكلام عن السب والشتم وأسلوب التهديد والوعيد الذي طالهم .....
وحتى عندما وقع ما وقع في الخرطوم , فلقد عبر غالبية الجزائريين عن أسفهم الشديد لما حصل في الخرطوم واعتبروا ذلك انزلاقا غير مقبول ناتج عن رد فعل متسرع لجماهير غاضبة حركها الإحساس بالغبن فقامت بما اعتبرته نوعا من رد الاعتبار لاسترداد الكرامة التي تم الدوس عليها في القاهرة . ولقد كان هذا التعبير عن الأسف من طرف الجزائريين يمكن اعتباره النقطة أو الحدث الذي يمكن الانتهاء به من هذا المشكل وبالتالي قلب الصفحة ,
إلا أن الإعلام المصري المنفعل جدا لم يكن ربما يكفيه الصيغة التي تم بها تقديم الاعتذار , وكان من حقه أن يبقى متشبتا بالصيغة التي يراها مناسبة لرد الاعتبار لمصر ولكل المصريين الذين تم تعنيفهم في الخرطوم شريطة أن يكون ذلك بأسلوب راقي و حضاري يناسب المكانة الراقية والمتميزة للإعلام والأعلاميين باعتباهم الضميرالحي للأمة . إلا أن ما حصل هو العكس تماما حيث تم شن حملة عدائية فجة ومشبوهة كان من ضمنها ما نشرته جريدة ( الشارع ) التي عبرت عن المستوى المهني الرديء وعن الانحطاط الأخلاقي من خلال خطابها المليء بالحقد والكراهية والعنصرية المقيتة اتجاه الأمازيغ حيث نعتتهم بأقبح النعوت ووصفتهم بأشنع الأوصاف واعتبرتهم عبارة عن أوغاد وجهلة ومجرمين وبرابرة متوحشين وبناتهم يعملن كخادمات في مصر ....إلى غير ذلك من الأقاويل الفجة و من الكلام الساقط والغير المسؤول الذي يندى له الجبين .
ولعلم الجريدة المحترمة وصحفييها الأفاضل أن بوصفهم للجزائر ببلاد ( البربر ) ارتكبت أخطاء فادحة تنم عن مدى جهلهم بحقائق بسيطة وبديهية ومعروفة لبلدان صديقة ومجاورة لمحيطهم الجغرافي , وهو أمر قد يكون من الصعب تصوره بالنسبة لفئة مثقفة ومتنورة من المفروض فيها أن تكون هي القادرة والمؤهلة على البحث عن الحقيقة و على تسليط الأضواء الكاشفة على كل ما قد يكون مبهما أو غير واضح المعالم بالنسبة للرأي العام وعموم المواطنين , إذ أن ( البربر ) الأمازيغ - وهذا هو الاسم الحقيقي لهم - هم السكان الأصليين لشمال إفريقيا , وهم يتواجدون في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وجزر الكناري وموريطانيا وشمال مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاصو وحتى في مصر في منطقة سيوا في حوض النيل , ولذلك فاعتداءها وإهانتها للجزائر باعتبارها بلاد البربر- وما رافق ذلك من عبارات الشتم والتقديح والاستهزاء - هو بمثابة اعتداء على الأمازيغ في كل هذه البلدان . وهذا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على الضحالة الثقافية والفكرية والإعلامية لصحافيي الجريدة وعدم احترامهم لأخلاقيات المهنة التي تستوجب من بين ما تستجوبه الإلمام بالموضوع المراد الكتابة حوله والبحث فيه ومعرفة كل الحيثيات المتعلقة به تجنبا للسقوط في المزاجية والانفعالية والصبيانية .
ولكي نضع جريدة ( الشارع ) وصحفييها في الصورة , ولكي نزيل عن أذهانهم الغشاوة والجهل بحقائق الأمور نقول إن كلمة بربرلا تعني برابر- التي هي مرادف للتوحش والتخلف - وإنما هي تسمية كان الرومان في عهد إمبراطوريتهم يطلقونها على الشعوب التي احتكوا بها واستعمروها ولا يعرفون اللغة الرومانية , هذا من جهة , ومن جهة ثانية فإن الأمازيغ عرفوا حضارة يفوق تاريخها 5000 سنة , وأنهم سيحتفلون في اليوم الثاني عشر من يناير القادم بمرور السنة 2952على انتصار الملك الأمازيغي شيشونغ على الفراعنة في ظل حكم الفرعون رعامسيس سنة 935 ق.م واستولى على العرش المصري ودشن عهد الأسرة الثانية والعشرين واتخذ ( بوباستين ) عاصمة له , فرد لمصر نفودها السياسي في الشام بالاستيلاء على ( أكاريت و جبيل وأورشليم بيت المقدس الحالي ) , وقد ظل الحكم متوارثا بين الأمازيغيين إلى حوالي 715 ق.م , وكان آخر فرعون أمازيغي ساد مصر هو ( تافناخت ) من الأسرة الرابعة والعشرون فخلفه فراعنة هجناء أمازيغيون إثيوبيون عندما دشن عهد الأسرة الخامسة والعشرون .... ولازال لحد الآن الأمازيغ في في منطقة سيوا في حوض النيل , ولازالوا يحافظون على لغتهم وثقافتهم وتقاليدهم المتوارثة أبا عن جد والتي لا شك أنها تركت بصماتها على الثقافة المصرية وحضارتها .
إن الأمازيغ لهم تاريخ مثقل بالإنجازات والمفاخر والتحديات , وليس أهمها استطاعتهم الحفاظ على هويتهم الثقافية ولغتهم وتاريخهم وحضارتهم رغم كيد الكائدين , ورغم المؤامرات التي ما فتئت تدبرها جهات متعددة تستغل الدين والمقدس والأموال الطائلة لنشر العروبة , وهو للإشارة عمل عملاق لم تستطع تحقيق مثله مجتمعات عرفت حضارات عريقة أصبحت الآن في عداد الماضي كالحضارة الفرعونية و الفينيقية والبابلية والقرطاجية والسومرية والآرامية و الآشورية .... وهي كما يعرف الجميع قضت نحبها وحلت محلها العربية كلغة وكثقافة وكحضارة تمارس السيادة . ويكفي شرفا للأمازيغ والأكراد أنهم استطاعوا دون سواهم من بين هذا الكم الهائل من الشعوب التي أصبح أهاليها عبارة عن شعوب هجينة لا هي بعربية أصيلة ولا هي بقيت على أصالتها وخصوصيتها .
#محمد_بودواهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟