يوسف العياطي
الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 18:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عرف المغرب في فترات متفاوتة ما قبل الاستعمار تشكل قبائل ذات بنا سياسية و اقتصادية و اجتماعية متباينة و كانت لكل قبيلة علاقة مع المخزن تأرجحت بين التحالف والعداوة وصلت في بعض الأحيان إلى الصراع العنيف لعدة أسباب اقتصادية وسياسية معينة ومن جهة أخرى عرفت هذه القبائل علاقات فيما بينها غلب عليها الطابع التجاري في أغلب الأحيان "المقايضة" كما لم تخلو هده العلاقة بدورها من الصراع و الاصطدامات العنيفة . فما هي التشكيلة الاجتماعية و الاقتصادية التي تتشكل منها هذه القبائل ’ وما الذي حدد علاقاتها الخارجية فيما بينها من جهة ومع المخزن المغربي من جهة ثانية ’ في دراستنا للقبيلة المغربية في حقبة ما قبل الاستعمار لزم علينا ذلك التطرق إليها من مناحي عدة إذ أن هذه القبائل كان لها نظامها السياسي على الرغم من أشكاله التقليدية فانه لا ينكر عليه الطابع التنظيمي في العلاقات الداخلية في ما بين أفراد القبيلة "الأعراف" وعلاقات هذه القبائل فيما بينها . ففي العلاقات الداخلية نجد القبيلة المغربية وبشكل متفاوت قد سنت أعراف وقوانين تنظم العلاقات بين أفراد القبيلة أو ما كان يسمى ب"تيلواح"و"ازرفان" في القبائل الأمازيغية . وكان لهذه القوانين دور كبير في الحفاظ على الأمن في حدود القبيلة. ومن الجانب الاقتصادي فان لهذه القبائل داخليا أشكال متفاوتة من نمط الانتاج الذي يغلب عليه الطابع الاجتماعي، فالقبيلة كجماعة بدوية ، تعتمد الملكية والاستغلال الجماعيين للأملاك الجماعية ، وذلك صحبة الملكية الفردية . وبالتالي كانت علاقات التضامن و التعاضد و المسؤولية الجماعية سائدة ، لكن دون أن تطمس الهوية الفردية ونتج عن ذلك انعدام وجود الطبقات الاجتماعية (لأن ضعف القاعدة المادية للقبيلة و تنظيمها الاجتماعي و المؤسساتي قد أعاق تعمق الفوارق الاقتصادية داخل القبيلة) ، وعلى المستوى الخارجي فالنشاط الاقتصادي كان يغلب عليه الطابع التجاري في ما بين القبائل "المقايضة" وقد تميزت هذه المبادلات التجارية بنوع من التعقيد و التنوع و البدائية في طرقها وأدواتها ، كما أن نوعا من التبادل غير المتكافئ كان قائما بين القبائل السهلية و الجبلية ، وذلك لكون سكان الجبال بحاجة إلى المواد الغذائية ( التي لا يمكن إنتاجها بما يكفي حاجياتهم) و التي تضطرهم إلى التخلي عن موادهم الثمينة مقابل تلك المواد وفي إطار علاقة القبائل المغربية بالمخزن لا بد لنا أولا أن نشير إلى التقسيم الذي وضعه المخزن و الذي بموجبه تم تقسيم المغرب إلى منطقتين = منطقة تابعة للنفوذ ألمخزني وتتمثل في المناطق التي يبسط فيها المخزن سيطرته في إطار نظام يعتمد على امتداداته السلطوية المتجسدة في القياد و الأعوان بالإضافة إلى القبائل المخزنية التي تمد المخزن بالمحاربين و المساهمين في الحركات ضد القبائل العاصية "الحركة" من جهة ، و المناطق التي كانت خارجة عن سلطته والتي كان يطاق عليها في الغالب "بلاد السيبة" من جهة أخرى لكون هذه الأخيرة خارجة عن نفوذ المخزن ، غير أن هذا التقسيم لم يكن جامدا وذلك راجع إلى عدم استقرار "الحدود" بين هاتين المنطقتين ، إذ انتقلت عدة مناطق من بلاد السيبة إلى بلاد المخزن أو العكس ،حسب فترات مختلفة وذلك لأسباب تتأرجح بين ضعف السلطة المركزية من جهة والصراع الذي ينشأ بين الفينة و الأخرى في مناطق القبائل السائبة و الذي يؤدي بها إلى الضعف و الانغلاق من جهة أخرى . وهذا الصراع يكون في أغلب الأحيان محكوم بأزمات اقتصادية تمر بها هذه القبائل ، إذ تلجأ القبيلة المتضررة من جراء الجفاف مثلا إلى الترحال ومحاولة بسط السيطرة على المجال التربي للقبائل الأخرى بهدف الاستحواذ على المجالات الحيوية كالوديان و المراعي مما يجعلها في صراع و حروب مع القبائل الأخرى . والصراع الذي كان ينشب بين هذه القبائل والمخزن ينتج في الغالب عن رفض هذه القبائل أداء الضرائب "المكوس" التي تفرض على كاهل الفلاحين بالإضافة إلى رفضها للعمليات التي يقوم بها المخزن قصد حشد المحاربين من أبناء القبائل أو ما يسمى ب"النوبة" فيكون لرفض هذه القبائل تقديم أبنائها للخدمة العسكرية أن تنشب صراعات بينها وبين الجيش المخزني . وانطلاقا من كل هذا نجد تبريرا لحالة الركود وللوضعية التي أعاقت تطور التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية المغربية ، ففي الفلاحة مثلا وبفعل حالات الفتنة وعدم الاستقرار لجأت بعض القبائل إلى الترحال من مناطق إلى أخرى مما ساهم في استحالة قيام نشاط فلاحي راقي ، إذ اعتمدت أغلب القبائل على النشاط الرعوي وبعض أشكال الزراعة التي تسد حاجيات الجماعة من الغذاء فقط "الاختزان" . بل وأكثر من ذلك فقد كانت هناك جماعات معينة تعتمد وبشكل أساسي على اللقاط "أمود" لهذه الأسباب جميعها كان الفائض الإنتاجي ضعيف جدا خلال تلك الحقبة .مما ساهم في تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي. المراجع _الهادي الهروي . القبيلة ، الإقطاع والمخزن مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث (1844- 1934)إفريقيا الشرق _مجلة جسور ، العدد الرابع – يناير_مارس 1982 _حول التشكيلة الاجتماعية المغربية الماقبل رأسمالية ، إدريس بن علي
#يوسف_العياطي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟