الطب تحت الملاحظة

نسرين طرابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 2857 - 2009 / 12 / 13 - 08:10
المحور: حقوق الانسان
    

الصراع من أجل البقاء ناموس الكون، من أجله أحبَّ الإنسان الحياة وأحبَّ كل ما من شأنه إطالة أيامه فيها. ومع التطور الهائل المتسارع للمكتشفات والاختراعات العلمية أخذت مهنة الطب تتشعّب وتتفرع وتتّجه نحو التخصّص، حتى في أصغر وأدقِّ آليات جسم الإنسان، وأصبح بالإمكان زرع قطع غيارٍ بديلة لما انتهى عمره من الأعضاء. لكن المُلاحظ أن التطوّر في العلوم الطبيّة يحمل كغيره من آفات العصر وجهاً سلبياً في مقابل وجهه الإيجابي. تنعكس سلبياته على المرضى وعلى الأطباء أيضاً. فحين كان الطبيب يعتمد على وصف المريض لأعراض الحالة ويستنير بالفحص السريري ليعطي تشخيصاً لها، كان المرضى ممتنين للطب، وكان الأهل يلقنون إجابةً تمثل منتهى الطموح العلمي والرفعة الاجتماعية:
- شو بدك تصير لما تكبر يا شاطر؟؟
- دكتور.
اليوم صار الجسد البشري حقلاً للتجريب والتكهّن، واحتمالات الخطأ أكثر بكثيرٍ من احتمالات الصواب. لا يمكن أن تدخل عيادة طبيب خاص أو عام وتخرج ممتنّاً وتحمل في وصفتك إجابةً أو دواءً شافياً. بمعنى آخر لم يعد للطبيب تلك الفراسة التي يكتسبها من الممارسة والخبرة. فالأطباء اليوم قراء تقارير يفتقرون ملكة التشخيص. قبل أن تكمل شكواك ووصفك لما تحسُّ به يعاجلك الطبيب بوصفةٍ سحرية من إبر المضادات الحيوية وظروف الحبوب المسكنة، حتى يدكّك المرض وتنهار أجهزتك المناعية والدفاعية. وعند أدنى التباس يخط لك لائحة طلبات صور"إيكو"، صور شعاعيّة، تحاليل مختبرية، تخطيط للأعصاب، صور الرنين المغناطيسي، ولا حاجة لاستعراض التكاليف الباهظة لتلك الطلبات، ففي ذاكرة كلٍّ منا لسعة من نارها.

الروح غالية، لذا يتحامل المريض ويذهب إلى المستشفيات الحكومية مكتفياً بأوجاع جسده مخففاً على نفسه آلام الجيب، فيصاب بإحباط البطء واكتئاب المماطلة، وهاجس المواعيد المطاطة يكاد يُزهِقُ روحَه، ثم لا يجد طبيبين يتفقان على قراءةٍ واحدة لصورة شعاعية!!!
ومَنْ يستطيع أن يغلّط طبيباً؟؟
يعاني اليوم نصف أبناء الأرض من الجوع والفقر والجهل والمرض، وللموت في شريعة عصرنا مساحة أكبر من الحياة، ومازال معظم الآباء يأملون بأن يصبح أولادهم أطباء، لا تقديراً لإنسانية المهنة ولا احتراماً لقسمها المقدّس، بل لأن تجارة الآلام مربحة، أموالُها بيضاء، وكسادُها مستحيل.

#نسرين_طرابلسي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات