|
الإصلاح وإشكالية الإسلام
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2855 - 2009 / 12 / 11 - 19:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان من المفروض أن يكون طرحنا بصيغة معكوسة ، أي الإسلام وإشكالية الإصلاح ، لكننا ارتضينا إلا أن تكون على هذا النسق المعدول ، لطالما بقي الإشكال قائماً بين الإسلام والإصلاح ، فلا الإصلاح يقبل أن يسبقه الإسلام ، لئلا يلغى دوره ، ولا الإسلام يرتضي أن يسبقه الإصلاح ، ولعل جوهر المعضلة يكمن في هذا التضاد، الذي تحول بفعل الزمن إلى إشكالية قائمة أساساً بين الإصلاح من جهة والإسلام من جهة ثانية . معظم الدراسات والأطروحات التي ناقشت بالفكرة وحللت بالبرهان ، إمكانية إصلاح الإسلام ، انتهى بها البحث إلى نتيجة سلبية وإلى الغرق في التنظير الفلسفي ، والغوص لحد الضياع في أعماق المشكلة الرئيسية ، ألا وهي الاكتفاء بالإشارة فقط إلى ضرورة إصلاح الإسلام ، من دون التأكيد على كيفية حصول هذا الإصلاح ، وأيضاً دون التدليل عليه ، من خلال وضع الإبهام على لب المشكلة . وفي هذا الصدد من عمق المشكلة ، لسنا بحاجة إلى الوقوف عند رأي الإسلاميين ومواقفهم المتناقضة من الإصلاح ، فالخلل الحاصل في حاضر الإسلام من وجهة نظرهم ، لا يكمن في هياكل الإسلام وحسب ، بل أن أكثرهم يعيده إلى جملة المخاطر السلبية التي تحيق بالإسلام ، اقلها ما أتى من طريق الدسائس والمؤامرات ، وما الإصلاح في هذا المقام ، إلا واحداً من أشد المؤامرات فتكاً وتخريباً للجسد الإسلامي . ذلك التصور المشبع بعوامل القلق والتوجس ، لم يقلل من فاعلية الإصلاح ، إنما استبعده بشكل نهائي من أي محاولات مستقبلية لتجديد الإسلام ، فالأخير لا يحتاج إلى أي شكل من أشكال التجديد أو الإصلاح ، والسبب الأساسي في معتقدات الإسلاميين ، أن الإسلام يملك منظومة متكاملة تقيه شر التحريف والتحوير ، معتمداً في منظومته هذه على القرآن ككتاب منزل من السماء لا لبس فيه ، وبعيداً عن كل أشكال الهوى والعبث . فحجة الإسلاميين وعلى اختلاف مشاربهم العقائدية ، أنه لطالما حافظ الإسلام على منظومته الربانية من كل عبث أو هوى ، فهو ليس بحاجة إلى الإصلاح ، أي بعكس ما جرى للمسيحية أبان فترة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر وغيره من المصلحين ، الذين ما وجدوا أمامهم سوى جسداً مسيحياً متهالكاً بفعل استبداد رجال الكنيسة . وما يزيد من إشكالية الإسلام تعقيداً ، انقسامه بين فرق وملل ونحل ، حيث ترى كل فرقة في صورة نفسها الكمال والخلاص ، وما عداها من فرق ، تسبح في الضلال الذي يرقى أحياناً لمرتبة الشرك ، ومثلما يعقد هذا الانقسام من إمكانية الإصلاح ، نظراً لتعثر الاتفاق على آلية واحدة توحد الجهود نحو البدء في إصلاح ما يمكن إصلاحه ، فإنه في المقابل يستدعي الإصلاح ويسهل له إمكانيات العمل على خلفية ذلك التشظي ، حتى لو وجدنا أنفسنا أمام إصلاحات متعددة ، لكل فرقة إصلاحها الذي تنافس فيه وتنازع الفرق الأخرى في ما يشبه السباق نحو الأفضل . إلا أن واقع الحال ، ليس قائماً على تلك الصورة ، التي شرعنا في رسمها كأحد السبل الممكنة أمام الإصلاح ، إنما نحن أمام نكوص لا سابق له في تاريخ الإسلام المعاصر ، فكلما توسعت دوائر التشظي ، كلما ازداد معها النكوص والتقهقر ، ولعل المشكلة ليست في الإصلاح بقدر ما هي في الإسلام نفسه ، فقواعد الإصلاح يمكن تعديلها بين حين وآخر ، لتتماشى مع متطلبات كل عصر ، أما قواعد الإسلام فيستحيل الاقتراب منها ، ليس لدى فرقة بعينها ، بل لدى كل الفرق ، وهنا تكمن المشكلة ، ومعها يكمن الحل ، إذا ما فتشنا عنه . هذا يقودنا إلى السؤال التالي : هل الإسلام بحاجة إلى الإصلاح أم التجديد ؟ وقد يسأل البعض، ما الفرق بين الإصلاح والتجديد ؟ الجواب أن الإسلام بحاجة إلى الاثنين معاً ، ولا بأس في أن يسبق أحدهما الآخر . إن إصلاح العقل في الإسلام هو الأساس ، وليس النص بأرثوذكسيته ، أي بحرفيته لئلا يفتح أبواب الجدل بما لا تحمد عقباه ، وإصلاح العقل يتأتى بتحريره أولاً وقبل كل شيء من الخرافات الاجتماعية التي لبست مع الزمن لباس الدين ، وتحريره تالياً من عقدتي الوهم والخوف من الدنيا والآخرة ، فمن دون هذه العقد سنجد أنفسنا أمام عقل ملؤه الابتكار ، ومعهما سنجد عقلاً ، لا نقول عنه سوى أنه مستهلك للحضارة الحديثة ، رغم أنه يدعيها في ماضي أجداده الغابر . وإصلاح العقل هذا ، سيؤدي بدوره إلى تجديد خطاب ومنهج الإسلام ، وبالتالي تخليصه من كل رواسب التطرف الباعث على الغرق في الماضي تارة ، وعلى الصراع تارة أخرى .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديكتاتور 21 ( التوريث )
-
الحوار المتمدن .. ورحلة البحث عن الحوار
-
الديكتاتور 20 ( النجل )
-
الإسلام والغرب : الترهيب المتبادل
-
الديكتاتور 19 ( الإعدام )
-
الديكتاتور 18 ( النفي )
-
الديكتاتور 17 ( فرمانات)
-
أهلة التطرف الإسلامي
-
الديكتاتور 16 ( الشاهد )
-
مأسسة الطائفية في سورية
-
شيوخ الإرهاب في دمشق
-
الديكتاتور 15 ( الحِداد )
-
الديكتاتور 14 ( الانقلاب )
-
الديكتاتور 13 (صحوة الزعيم)
-
نقد رعاعية النظام السوري
-
الديكتاتور 12 (معسكر الجيش)
-
هيثم المالح ... الحق لا يوهن الأمة
-
الديكتاتور 11 (المؤامرة)
-
الإسلام بين الاستبداد والديمقراطية
-
الديكتاتور 10 (مرض الزعيم)
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تزف أربعة من مجاهديها استشهدوا ع
...
-
مصادر: ميرتس مرشح التحالف المسيحي لمنصب المستشار
-
ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة Toyor Aljanah 2024 علي
...
-
بيان الجهاد الاسلامي حول احداث اليوم في لبنان
-
حركة الجهاد الاسلامي: العملية الغادرة التي نفذتها اجهزة الكي
...
-
خبير يهودي يتوقع نشوب حرب أهلية في الكيان المحتل
-
رئيس وزراء الإحتلال الأسبق ايهود باراك: الإطاحة بوزير الحرب
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقع الراهب بقذائف المدفع
...
-
لماذا يصوت مسلمو أميركا لمرشحة يهودية بدلا من ترامب وهاريس؟
...
-
غدا.. الأردن يستضيف اجتماعا للجنة الوزارية العربية الإسلامية
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|