|
أزمة المسرح العربي 2من 3
ثائر دوري
الحوار المتمدن-العدد: 867 - 2004 / 6 / 17 - 04:57
المحور:
الادب والفن
وظيفة المسرح قبل الحديث عن وظيفة المسرح لا بد من الحديث عن وظيفة الفن بشكل عام . إن البحث في هذه الظاهرة الإنسانية ، أعني الفن ، بحث يطول و لا يسبر غوره . لأن الفن رافق الإنسان منذ لحظة وجوده الأولى على سطح الأرض ، و قد أدلى الفنانون و الفلاسفة بآراء شتى حول هذا الموضوع ، فمنهم من تحدث عن وظيفة اجتماعية للفن ، و آخرون تحدثوا عن وظيفة وجودية ، و نفر ثالث قال بوظيفة نفعية .....الخ إني أميل إلى تلخيص وظائف الفن بأربع وظائف هي : 1 – وظيفة وجودية : في بدء الحياة البشرية كانت وظيفة الفن وجودية بحتة . لقد نشأ الفن في لحظة انفصال الإنسان عن الطبيعة و بدء إحساسه بذاته كشيء خارجي غير متصل بالطبيعة و هذا أدى إلى وعي الإنسان إلى أنه كائن حي له بداية و نهاية . كان يشهد موته بموت بني جنسه أمام عينيه . و بالتالي أحس الإنسان أن لتيار الزمن سلطان لا يقاوم ، فاللحظة التي تغادر لا سبيل لاسترجاعها . و كي يقاوم الإنسان هذا الشعور المرعب بالفناء سعى إلى الخلود بطرق شتى . و لعل أجمل تعبير فني عن هذا السعي إلى الخلود هو رحلة جلجامش بحثا عنه ، و عندما اقترب منه فر من بين يديه . إن وظيفة الفن هي القبض على لحظة من تيار الزمن المتدفق و تحويلها إلى عمل فني يضمن لها الخلود . لقد خلد الإنسان عبر الفن لحظات الحزن و الفرح و عمل على استعادتها عندما يشاء فرسمها على أوراق البردي و على جدران الكهوف و كتبها في القصائد و نحتها في التماثيل ......الخ 2- وظيفة تطهيرية : لقد منحت رسوم الحيوانات ، التي اصطادها الإنسان من أجل طعامه ، لقد منحت هذه الرسوم فرصة للإنسان كي يتحرر من الدم الذي سفكه . 3 –وظيفة اجتماعية : مع دخول الإنسان عصر الاجتماع البشري توسعت حدود الذات المبدعة ، فصارت ذات الفنان هي ذات الجماعة . صار على الفنان أن يخلد لحظات حزن الجماعة و لحظات فرحها و انتصاراتها و انكسارها و أدى هذا إلى تطور وظيفة اجتماعية تواصلية للفن ، بين أفراد الجماعة من جهة ، و بين الجماعة ككل و الجماعات الأخرى . و عبر الفن تتواصل الذات المبدعة مع الآخرين . كما أن الفن يحقق التواصل عبر الزمن بين الأجيال المختلفة . 4 – المتعة : و هي وظيفة هامة و أساسية للفن . إذ لا فن بدون متعة و الفن يختلف عن العلم بهذه الوظيفة . إذا نظرنا إلى الوظائف السابقة للفن ضمن سياق تاريخي نجد أن الشعر في لحظة ما و مجتمع ما قد حقق هذه الوظائف على أكمل وجه ، كما هو الحال في مجتمع شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام . لقد كان الشاعر صوت الجماعة الذي حفظ أيامها و مواقعها من الضياع ، و كان الشعر هو وسيلة التواصل الأساسية بين الناس إضافة إلى استمتاعهم بنظمه و سماعه و إلقائه . و في المجتمعات الحديثة حلت الرواية مكان الشعر فأخذت الكثير من وظائفه لكن دون أن تلغيه ، ثم فعلت السينما مع الرواية نفس الشيء و كذلك فعلت مع المسرح . إن المسرح الذي كان شكلاً جماهيرياً أيام الثورة الفرنسية لم يعد كذلك بعد اختراع السينما لأن السينما تحقق وظائف الفن الإنسانية على نحو أفضل بكثير من المسرح ، فالتواصل الإنساني أكبر في السينما بما لا يقارن مع المسرح . فإذا كان العرض المسرحي يتواصل مع جمهور الصالة ، الذي يصل عدده كحد أعلى إلى ألف إنسان فإن الفيلم السينمائي يتواصل مع الملايين في كل زمان و مكان . كما أن السينما هي الأقدر على إعادة إنتاج الحياة بفضل تحررها من شرطي الزمان و المكان و وجود الإمكانيات التكنولوجية التي تتيح لها إمكانية الإيهام بالحياة الواقعية و بالتالي يمنحها قدرات تسجيلية لحياة المجموعات البشرية في كل زمان و مكان . و هنا يصل حديثنا إلى علاقة تطور التقنية بتاريخ الفن . إن تاريخ الفن وثيق الصلة بتاريخ التقنية ، و هناك من يجزم أن الفن و التقنية كانت لهما وظيفة واحدة في البداية لأن الرسوم على جدران الكهوف كانت تحفظ تقنية الصيد من الضياع كما أن تزيين أدوات المعيشة هو من الأعمال الفنية المبكرة . و رغم ما حصل من انفصال لا حق بين الفن و التقنية فقد ظل التواصل بينهما قائما . إن أي تقدم تقني ينعكس مباشرة على الإبداع و الفن . حتى أن التقدم التقني أوجد أشكالاً إبداعية جديدة تماماً ( السينما ، الدراما الإذاعية و التلفزيونية ) هذا من جهة ، و من جهة أخرى أثر التقدم التقني على البنية الداخلية للأشكال الفنية القديمة . هل يمكن تخيل الرواية كجنس أدبي جماهيري دون اختراع تقنية الطباعة ! و هل الشعر الذي كان يلقى على المنابر هو نفس الشعر الذي ينشر في الصحف !! أليس الاقتضاب و خفوت الصوت في القصائد الحديثة هو من نتاج التحول من إبداع خطابي إلى كتابي ينشر في الصحف و الكتب ؟ كل ذلك نتاج للتقدم التقني . و لعل اكتشافاً بسيطا مثل اكتشاف تقنية المونتاج ، و الذي يعني إعادة تركيب الحياة عبر القص و اللصق و التقديم و التأخير للزمان أوضح مثال على ما نرمي إليه . لقد تم هذا الاكتشاف أولاً في عالم السينما لكنه ما لبث أن أعاد صياغة كل الفنون الأخرى و لا سيما فن الرواية .
#ثائر_دوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة المسرح العربي 1من 3
-
القلق الذي يحيط بنا
-
غرينكا دخلت التاريخ و مغر الديب تنتظر
-
صور تصنع التاريخ و أوهام تصنع الصور
-
العملاء هم الأسرع اشتعالاً
-
عن العروبة
-
التصدعات التي خلقتها المقاومة في جسد الاحتلال الأمريكي للعرا
...
-
الوضع العام
-
بعد مرور سنة على الغزو أهداف و دوافع هذا الغزو
-
حماقات علمية و أخرى سياسية
-
دروس عملية تبادل الأسرى
-
عبد الرحمن منيف يكتب روايته الأخيرة
-
معنى أن تكون معارضاً
-
طالبان من أفغانستان إلى باريس
-
البطاطا و الفكر و أشياء أخرى
-
إيران إلى أين ؟
-
خيار البشرية اليوم : إما الهمجية أو مقاومة الإمبريالية
-
عام جديد و طريق جديد
-
وثيقة جنيف : كلما يأس العدو من كسرنا أعادوا له الأمل........
-
ديمقراطية الفكر الإبادي التلمودي
المزيد.....
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|