اختفاء قسري

محمد البلبال بوغنيم

الحوار المتمدن-العدد: 2854 - 2009 / 12 / 10 - 21:53
المحور: الادب والفن
    

المكان مدينة وادي النخلات
الزمن زمن الرصاص
الحدث بين سطور النص
جلس فوق عدوة مكتب الفصل ماطا شفتيه الرائعتين، وكان الطبيعة الفنانة سرقتهما من فم غادة حسناء ووهبتهما اياه.
كنت شغوفا بسماع خبر مفاده ان زميلتي في الفصل سقطت في شباك حب هذا الرجل…..
كنت غيورا بقدر ما كنت معجبا….
استرق لحظات رائعة شبقة، استرق السمع والرؤيا علني اتصيد او اصطاد
سهاما رقيقة متبادلة لتوها بين العاشقين سواء اثناء القاءالقائه الدرس او في فترات الاستراحة.
نعم وبالرغم من صغر سنين عمري بعيد تاجج الهوى في فؤادي، كنت اتمنى لو تدور عجلة الزمن بسرعة كي امتطي من خلالها صهوة منصب في وزارة التربية الوطنية لاصبح عاشقا ولهانا ومحبا تائها هائما على وجهي انظر الى احدى تلميذاتي شريطة ان تكون شبيهة بمواصفات حبيبة استاذنا الجليل ذات الجبين المتلالا الوضاح اللماح كاشراقة الشمس في مولد الصباح.

تبارك ما كان اشتى وما كان اصبى وما كان اجمل ، لقد هام في صدري هائم المنى، فبت اذرع الرحب من ارض تيفلت لاتلقف من اترابي خبر ما حدث وما سيحدث بين استاذي وزميلتي في الفصل,,,,,,
نعم وعدها كما وعدته بالزواج, تزوجا في السر لان والدها رفض تزويجها منه لاسباب لا يعلمها الا هو، وبحكم وظيفته في سلك البوليس,,,,,,,,,,,
مرت الفصول كمرور السحاب، تمخض عن نكاحهما انتفاخ في بطن الزميلة كنا نعتد به رغم رفض المجتمع له,,,,,,,,
هاهو سيل زاخر العباب ينحدر من شغاف الجبل يجرف الجلاميد والنؤى جارفا معه هذا الحب الطاهر، هاته العلاقة التي اورى برقها وفرقع رعدها,,,,,
لقد اوجسنا خيفة حين سمعنا مصطلحات مخيفة تلعلع كالرصاص ايام الرصاص في سماء مدينتنا من قبيل الخطف والاعتقال التعسفي والاختفاء توالت بعدها اخرى
في معارف او رصيد قاموسنا اللغوي كالطيارة وملقط الاظافر والكهرباء والنوم مع الكلاب المسعورة، والجرذان والفئرانوالفاران والطوبة، والزنزانة، ودرب مولاي الشريف، وتازمامرت، والمقابر الجماعية، وعكاشة وغيرها…..
سمعنا ايضا ان امير البلاد كان مطاردا من طرف عصابات استخباراتية تحت ذريعة ان يربى تربية صالحة وصارمة صارمة وقد بالغ الجلادون وتجاوزوا حدود مهامهم الموكولة اليهم,,,,,,,,,,,,,,,
نعم اوجسنا خيفة حين سمعنا خبر اختفاء استاذ مادة التاريخ، هذا الرجل
الطيب المتزن الحنون الذي كان يعطينا من روحه ومن دمه اجمل ما يمكن ان يعطى، يشربنا من حليب تاريخ الانسانية الحقيقي لا المشوه والمزور كما كانت ترمي وتهدف مناهج وبرامج مؤسسات الانظمة السياسية التي لم تكن تراعي سوى مصالحها الخاصةالحاصة والضيقة.
كان الخبر كالصاعقة التي تنقض على المنازل وناطحات السحاب فتقوضها وتحولها الى انقاض مثلما يقع في فلسطين والعراق وافغانستان، وامريكا
فتقتل الارواح البريئة واللئيمة سيان، وتدك الارض دكا ليكون الخاسر في النهاية هو الانسان.
كانت قلوبنا تخفق لذلك خفقانا مثلما كانت توجب ارواحنا وجيبا وجيبا محزنا ومخيفا…..
اختفى الرجل من دنيانا المتماوجة اختفاءا لا حول ولا قوة له ولنا فيه، قضي الامر
فلننتظر ولينتظر ابنه المنتظر ولتنتظر حبيبته الحالمة بليلة زفاف تتوج عرش هذا الحب الغامر…..
خرج الى هذا العالم وابوه لم يعد، سمته امه باسم اوحى واوصى به ابوه قبل اختفائه
سمته باسم نضال
كبرنا وكبر نضال ولم يعد ابو نضال، تغيرت الحكومات وتعاقبت، تعاقبنا كل من موقعه في الحياة، ماسحو الاحذية، مهندسو برامج الاغاثة، اطباء الدورية
بوليس المخابرات، الجلادون، العاملون في مزارع السوفخوزات والكولخوزات
كورباتشيف، ريكن والقذافي، فهد وياسر عرفات، صدام ومظفر النواب،
محمد البلبال بوغنيم، وبائع السمك المقلي في زنقة المهندس الفقيرة………….الشيعة والسنة….الاقباط والشيوعيون….اليهود واللبراليون الاشتراكيون…
توالت الاغتيالات والاعتقالات والتصفيات الجسدية في الداخل والخارج
عرف العللم تحولات لم تخطر لبشر ببال، عدد من الرفاق باعوا جلدهم
ومنهم من خانوا امانات احزابهم واطاراتهم السياسية، منهم من مدحوا
ومنهم من ذموا ارضاءا لنظام بطش والم وعذب ،،،،،،،،،،،
نعم تحول العالم، سقط جدار برلين، سقطت دول من الشرق وثار اهلها
على حكامهم، فسالت الدماء وابو نضال لم يعد،
ارتفعت اسعار البترول وعمت الازمة الاقتصادية وابو نضال لم يعد الى بلدته الصغيرة وادي النخلات………….
كثرت الجمعيات التي تدافع عن حقوق الانسان، عن الاختفاء الجبري او القسري
غابت حقائق وظهرت اخرى لا يعرفها سوى ممارسوها من ساسة،،،وغيرهم
ظهرت حقائق ايها القارئ والمستمع الجميل وغابت عنا وعنكم اخرى لكن ابا نضال لم يظهر له اثر.
حللو وفتشوا الحوامض النووية لكل العظام الموجودة في المقابر الجماعية المعروفة ببلادنا والغير معروفة
لكنهم لم يجدوا اثرا لما يحدد هوية ابا نضال……
في لقاء جمعوي حاشد تساءل نضال عن جثة بل عن عظام جثة والده
لكن احدا لم يجرئ على الجواب
جواب شاف يطفئ لوعة حرقة سؤال يؤرقه، سؤال ارث ورثه عن امه
عن المرحومة التي انتهى وجودها في فترة شبابها،،،،
استرسل نضال قائلا:
نعم لقد حلمت به ايتها السيدات والسادة يجلس فوق عدوة مكتبه، ماطا شفتيه،
وكان الطبيعة الفاتنة منحتهما اياه…..
كان ينظر الى لوحة غامقة الوانها
زينت بالعبارات التالية: احبك ياوطني، لك احيا ومن اجلك اختفي قسرا.

#محمد_البلبال_بوغنيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات