|
اللاأنا البوذية و مقاربة مع - نحن - في القرآن
جمعية الاشتراكيين الروحانيين في الشرق
الحوار المتمدن-العدد: 2852 - 2009 / 12 / 8 - 11:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تنقسم الكائنات إلى خمسة تكوينات في العقائد الشرقية ، تشكل في كليتها وحدة الكون الجامعة الكلية في صيرورة حركية مع الزمن : 1. الهيئة (الجسمانية) 2. الحواس 3. الإدراك 4. الكارما 5. الضمير فيما الإنسان يعني وفق ذلك مجرد كيان زمني مؤقت لهذه المكونات ، وهو معرض بالتالي للـ"لا- استمرارية" وعدم التواصل، فالإنسان في تحول مع الزمن، رغم تصوره وشعوره بأنه هو هو لم يتغير . ترفض البوذية الفكرة القائلة بأن هذه الأقسام ، يمكن اعتبارها كينونة موحدة وروحا قائمة بذاتها ما تعرف بـ(أتمان)، وتعتبر أنه من الخطأ التصور بوجود "أنا ذاتية"، وجعلها أساس جميع الموجودات التي تؤلف الكون. لكن ، وحينما نعيد تأليف حلقات الرؤية بين الهندوسية والبوذية والطاوية نستنتج حقيقة أن البوذية بسبب رفضها الــ"أنا " ونزوعها للتحرر منها رفضت الاتحاد الكوني كي لا يشكل أنا كبرى من جديد ، وما نحن بصدده هو التوصل لمقاربة بين رفض الأنا والاتحاد بالوصول إلى : " نحـــن " التي نادى بها القرآن وجعلها مقياساً أوليا ً وإشارة سرية إلى حقيقة أن القرآن ليس من صنع " محمد " ، ومن يقرأ صحيح البخاري ومسلم يجد الــ"أنا " كثيرة الاستعمال لدى النبي محمد ، فيما القرآن ، وهو حالة التجلي " الكلي " في لاوعي محمد لا يستعمل إلا " نحن " .. حتى الخالق يتكلم عن نفسه " نحن نزلنا .. " " نحن أرسلنا .. وغيرها الكثير ، فيما يلصق الأنا التي حاربها بوذا بالشيطان : أنا خير ٌ منه ، لم أكن لأسجد .. ، لأغوينهم .. وغيرها ولم يستعمل الخالق في القرآن " أنا " إلا في خطابه لموسى وبني إسرائيل ، ( إني أنا الله ) والسبب واضح لكون الأمة الإسرائيلية تتميز بالأنا العالية التي سببت لها كل الآلام وجعلتها في العصر الحالي فراعنة تتمتع قليلاً وستبكي كثيراً إلى ما شاء الله . لذلك اعتقد بوذا أن عقيدة موحدة للأنا يمكن أن تؤدي إلى الأنانية ، فتنجم عنها الرغبة التي تولد الآلام. وعليه فقد قام بتعليم عقيدة الـ"لا-أنا" (أناتمان). يقول بوذا أن الكينونة تحددها ثلاثة عناصر: 1. الـ"لا-أنا" (أناتمان) 2. الديمومة العارِضة -سريعة الزوال- (أنيتيا) 3. الآلام (دوكا) أوجبت عقيدة الـ"لا-أنا" أو ما تعرف بالــ" أناتمان " على بوذا أن يعيد شرح التصور الهندوسي لدورة الحياة والتناسخ أما تعرف بعجلة الحياة والمسماة "سامسارا" ، فكانت عقيدة "التوالُد المُحدَد" (المشروط)، وتتلخص الفكرة في أن مجموعة من الأحداث الدورية - تكرر مع كل دورة جديدة- ، وهي اثني عشر عاملا يرتبط كل منها بالآخر، هي التي تساهم في الظروف التي تولد الآلام - وليس "الأنا الذاتية"، بما أنه نفى وجودها. إن تسلسل هذه الأحداث يُبيّن كيف تنشأ في اللاشعور البشري مركبات نفسية – شعورية يتصورها الإنسان و كأنها المُسببات التي تؤدي إلى تشغيل الحواس والوظائف العقلية. ومن هنا يتولد الإحساس المسئول عن الشعور بالرغبة والتعلق بالحياة. في الحقيقة ، وفي هذه النقطة تحديداً ، يضع بوذا يده على " برمجة " الأنا في العقل البشري ، فالمصدر الحقيقي للإنسان هو اللاأنا .. كيف أصبحت أنا ؟؟ تقوم هذا السلسلة بتفعيل وتشغيل عملية التناسخ، فتنطلق دورة تتجدد باستمرار، حياة فشيخوخة فموت. عن طريق هذه السلسلة من الأسباب تنشأ علاقة بين الكينونة الآنية والكينونة الآتية يعتقد بعض المستشرقين إن تصور البوذية للحياة على أنها فيضٌ طارِئ تَشَكَل بعد اجتماع عدة عوامل، يتعارض مع فكرة انبعاث نفسِ الكائن الحي في كل مرة. لكن الواقع إن الفيض الطارئ يحمل معه " تجربة " الفرد كجزء من التجربة الكلية للكون ، وعليه فانبعاثه من جديد يعني استكمالاً للتجربة ولكن في ظروف أخرى تضيف عليه تسلسل الأحداث الدورية التي تجعله يتوهم بالأنا من جديد حسب تجربته الجديدة فيبدو و كأنه فرد آخر بمركبات نفسانية جديدة . عن طريق ممارسة التأمل يتم إجهاد هذه المركبات النفسانية، ومن ثمة إيقاف مسببات الآلام، والوصول إلى الخلاص والتحرر بالخروج من دورة التناسخ هذه والاندماج مع " الكل " الذي تحدث به الروح الأمين ( جبرائيل ) بـــ " نحن " . من الخطأ المشاع عن البوذية أنها كما جردت الموجودات من مفهوم الأنا فقد جردت الكون من مفهوم الخالق الأزلي ، وهذا ينبع من رؤى المستشرقين ، فالبوذية قامت بدمج كينونة الخالق عبر المسار العكسي للكون الذي هو " مجموع " يدور بين وحدانية كلية ومتجزئة متفرقــة في سلاسل التناسخ ، لذا فالخالق لم يظهر في سياق العقيدة لكن هذا لا يعني عدم وجوده خصوصاً للمستنير الذي يصل إلى مرحلة التوحد مع " الكل " عبر اللاأنا التي تكشف عن حقيقة أن المصدر الأساسي – الخالق- هو نفسه توحد في " نحن " كلية كبرى .
#جمعية_الاشتراكيين_الروحانيين_في_الشرق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تحترق باكستان ؟
-
كتاب : آسيا تقود العالم
-
الحريق العراقي .. ونتائجه السلبية
-
مجتمع ما بعد ال - أنا -
-
النظرية الاشتراكية الشرقية
-
لاهوت الاشتراكية
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|