نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2851 - 2009 / 12 / 7 - 13:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دعونا نتفق أولاً، على أن ما يسمى بثروات المسلمين هي ليست للمسلمين، بالمطلق، رغم الحديث النبوي الصريح والقائل: "الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار"، أي بمفاهيم العصر الاقتصادية الثروات الوطنية، ولكن اختصت بتلك الثروات النخب السلطوية الأوليغاركية الهيراركية العائلية الحاكمة، والدليل نسب الفقر والجوع والجهل والرواتب المتدنية والهزيلة والدمار العام وانهيار نظم التعليم والصحة والبنى التحيتية الشامل، في عموم بلدان ما يسمى بالمؤتمر الإسلامي، وحتى الأكثرها فحشاً وثراءً، وتتساوى هنا مثلاً بنغلادش مع السعودية في البنى التحية وإدارة الموارد، والتحكم بالاقتصاد والعجز عن مواجهة الأزمات، رغم الخطاب الدعوي والدروشات الفقهية. فقد انفجرت، مثلاً، مؤخراً فقاعة دبي، على نحو مؤسف، وأصبحت أبراجها، التي تفاخرت بها وجل شاغليها من الهنود والباتان، خاوية على عروشها وتصفر فيها الرياح، كما أن غرق جدة بمياه المجاري والأمطار أظهر هشاشة البنى التحية في واحدة من أغنى ما يسمى بالدول الإسلامية، مظهرة حجم الفساد واللامبالاة والإهمال والتسيب، مما يدلل على أن الإدارات في هكذا دول، برغم خطابها الدعوي الناري الدروشاني الشاعري، لا تستؤمن على المال العام، وتنعدم فيها الشفافية. وكان إعصار جونو الذي ضرب سلطنة عـُمان في العام 2007، قد أظهر هو الآخر مدى هشاشة البنى التحتية وضعفها وعدم قدرتها على التعامل مع أي طارئ وذلك على العكس من الخطاب الدعوي العضال. ولن نتكلم هنا عن أزمة سوق المناخ الكويتية التي عصفت بالاقتصاد الكويتي "الإسلامي" في بداية الثمانينات وأدت إلى إفلاسات هائلة وشاملة لم تتعاف منها الكويت حتى اليوم. وقصة شركات الريان المصرية أكبر دليل على استغلال الدين في سلب الناس ممتلكاتهم، وتنويمهم مغناطيسياً، حتى يقضي الله أجلاً كان مفعولا.
ورغم أن الآية تقول: " يا أيها الذين امنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله.... والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم"، (التوبة). فإن الأنظمة الإسلامية، ما غيرها، تكنز أموالها في بنوك المشركين، في ليمان بروذرزLehman Brothers ، وغيره، والذي انهار على نحو دراماتيكي، عن بكرة أمه وأبيه بسبب أزمة الرهن العقاري التي كانت الشرارة الأولى في الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، وشفط "المرابي اليهودي شايلوك العصر، برنارد مادوف، لوحده، ما قيمته حوالي الستيم ملياراً من الدولارات، يقال بأن معظمها لدول الخليج، ودبي خاصة، حصة الأسد، فيها، الأمر الذي كان أحد أسباب عجزها عن سداد أقساط من ديون عامة تقدر بنحو 150-160 مليار دولار.
وما يسمى بثروات المسلمين ليست ملكاً للشعوب الإسلامية بل لفئات عائلية ضيقة استأثرت بها، واحتكرتها، وتصرفت بها على نحو فردي ومزاجي واشترت بها كازينوهات ونواد رياضية كانت على حافة الانهيار وأنفقت معظمها على كماليات واستعراضات فارغة وزائلة، على عكس إيران التي بنت قوة إقليمية مرعبة. وتعيش تلك النخب العائلية في عوالمها العاجية المعزولة عن الطبقات المهمشة والمحرومة، من دون التفات أبداً لمصالح تلك الشعوب المسكينة الغارقة في أتون الفقر، والمرض والجهل، إذ تقدر نسبة الأمية الأبجدية، في عموم ما يسمى بالوطن العربي، لوحده فقط، كمنظومة ثقافية متجانسة، بلغت 100 مليون جاهل فقط، لا غير، فيما تبلغ الأمية الثقافية والمعرفية الـ Epistemic، أرقاماً مهولة تفوق ذلك الرقم بكثير. وتتشابه معظم ودول تلك المنظومات بأزماتها المعيشية المستفحلة برغم الثروات الإسلامية الهائلة التي يتحدثون عنها، مما يدلل أيضاً، وبشكل لا يدع مجالاً للشك، على أن تلك الثروات، ليست للعموم بل للخاصة والفئات الأضيق في نخب ما يسمى بالدول الإسلامية الحاكمة. ولأن هذه الثروات ليست للمسلمين فهي تهرّب إلى الغرب، وتوضع في بنوكه، وتكنز في بنوك "المشركين والكفار"، الربوية، والعياذ بالله، وتشغل اقتصاديته. أما الاقتصاديون الإسلاميون "أي المطاوعة"، خبراء ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي، غير المتخصصين لا بالاقتصاد ولا بأي فرع من العلوم الوضعية التي يذمونها، يسمون الربا بالمرابحة، أي القضية مجرد تسميات، لذلك انهارت اقتصاديات تلك الدول، وبرزت عيوبها، ولم ينفعها خطاب الصوفية الاقتصادية.
هكذا، إذن انهارت دبي وجدة وعلى نحو متزامن ومفجع، وانهار معها، بذات الوقت، خطاب وتراث طويل ومنمق وأدبيات كاملة عن معصومية ونجاة ما يمسى بالاقتصاد الإسلامي الذي يفرد له شيوخ الدعوة، وهم أصلا ليسوا مختصين بالاقتصاد بل بفقه العنعنة والقوقلة المنقول (والمنتج في بخارى وبلاد السند أي حوالي آلاف الأميال عن مركز الدعوة وموطن الرسول)، أبحاثاً ودراسات مطولة، وأفتوا بابتعاده عن أية تأثيرات، فقط لأن اسمه "إسلامي"، وليس لأي سبب آخر. ويحاول الفقهاء، ومعظمهم شركاء في المؤسسات المالية "الإسلامية"، أو تـُدفع لهم نسب لهم جراء استشاراتهم الفقهية الثمينة والنادرة، تسويق معصومية المؤسسات المالية "الإسلامية" وإيهام الناس وإقناعها بإيداع أموالها والتعامل مع هذه البنوك التي تكنز الأموال، هي الأخرى، رغم الآية الصريحة التي تحذر كنز الأموال وتخزينها. كما تعاني البورصات الخليجية من أزمة سلحافتية خانقة تنذر بإفلاسات متوقعة بالجملة وانهيارات قادمة ومماثلة، لها في أي وقت. وتبعية الاقتصاديات الإسلامية بالاقتصاد "الربوي" العالمي أدى هو الآخر لمعاناتها من تأثيرات الأزمة العالمية فقد أفلست لذلك بنوك وأعمال ومصالح وشركات وسرّحت عمالها وموظفيها وقطع أرزاقهم مع عائلاتهم رغم أن اسمه اقتصاد إسلامي، وهذا بالضبط ما حصل أيضاً مع البنوك والاقتصادات غير الإسلامية ...إلخ.
فإن ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي هو أيضاً عرضة للانهيار والسقوط والإفلاس، تماماً، مثل اقتصاد الإمبرياليين والكفار والربويين الكبار، (لا أدري لماذا لم يكن مصطلح الاقتصاد الإسلامي موجوداً قبل الصحوة البترولية ولم يتكلم عنه لا القرآن ولا السنة ولا الأئمة الكبار؟) ولا يمكن لتعويذات وتمتمات الفقهاء، ودروشاتهم أن تنقذه من الانهيار أو تمنع عنه التأثير والتأثر بالاقتصاد العالمي. بكل بساطة لأن هذا الاقتصاد الإسلامي مرتبط كلياً بالدولار وبالاقتصاد العالمي ويعمل تحت جناحية وبإمرته ووفق آلياته العريقة، ويخضع لاعتبارات السوق، وليس لرغبوية الفقهاء وتمنياتهم الرومانسية الشاعرية.
ويغزو اليوم ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي وبنوكه بعض البلدان الإسلامية تحت هذه اليافطة، محاولاً تسويق نفسه عبر ذاك الشعار الذي يدغدغ مشاعر البسطاء، لكنه بالتأكيد لن يكون بمعزل عن الاقتصاد العالمي المعرض للعواصف الاقتصادية والإفلاس. فاحذروه حتى لو تجلبب برداءات الإسلام.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟