|
هل الحرب في الربيع؟
عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2850 - 2009 / 12 / 6 - 15:03
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في مشهد المنطقة العربية الإسلامية يرى المتابع لصورته منذ شهور قليلة ، أن مجالات التحوير والتحويل The Areas Of Modification وفي أقصى درجات التدوير السياسية والأمنية ببعد الإستراتيجية أو حتى في سياق ممارسة التكتيك بكافة أشكاله ذات الارتباط والعلاقة ، باتت محدودة بل ضيقة إلى درجة تنحرف قليلا فقليلا نحو الزوايا الحادة ، فالمشهد ربما في شهرين متأخرين في كشفه التصويري لحالته الآيلة ، صار يشير بمؤشرات الدلالة السياسية الإستراتيجية بمحصلة مشارفة الزوايا الحادة على الاكتمال Acute Angles In The Political Landscape Of Strategic ، بان المشهد مشهد حرب ، تتدحرج فيها كتلة اللهب من مكان إلى مكان ، في إطار العلاقة المعروفة في الصراع بين أطراف أساسية بعينها .
فإيران باتت تتخذ الموقف الأكثر حسما ووضوحا في صراعها مع أمريكا والغرب الأوروبي ، ومع أداتهما الإستراتيجية في المنطقة العربية الإسلامية (إسرائيل) ، فهي تعلن أي إيران أنها لن تتنازل عن حقها في امتلاك التقنية النووية، وقد أعلنت مؤخرا عن عزمها بناء ثلاث محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم ، وهي بذا ترفض كل الأطروحات الأمريكية والغربية المسوّقة عبر مجلس الأمن الدولي ، الهادفة أساسا إلى تقييد البرنامج النووي الإيراني حتى في صبغته السلمية . والمواقف المعادية لإيران باتت تترى في الوضوح بشكل أوضح واحسم مما ممضى ، وقد أعلنت أمريكا وغير دولة أوروبية مؤخرا أنها تمهل إيران حتى نهاية ديسمبر كانون الأول الجاري من العام الحالي .
و(إسرائيل) في مشهد العلاقة ذاتها باتت هي الأخرى ، تعلن وتُسرّب عبر مصادر إعلامية من داخلها وحتى عبر وسائل الإعلام الغربية ، نقلا عن قنوات أمنية وسياسية فيها ، أنها جاهزة تمام الجهوزية من اجل الشروع بهجوم كاسح على المواقع النووية الإيرانية ، والتنفيذ متوقف فقط على الإجازة من المستوى السياسي الإسرائيلي( يرى بعض فلاسفة التاريخ المعاصرين بحتمية انقلاب وتحول "إسرائيل" من طبيعتها الأمنية الأدائية التنفيذية Nature Performing Securityطبقا لماهية فلسفة إيجادها المرتبطة بالمشروع الكولونيالي الغربي في المنطقة العربية ، إلى طبيعة أمنية هاجسية جديدة فرضها التراجع الأمريكي والغربي في غير ملف في العراق وأفغانستان وفي ملفات أخرى ، هذه الطبيعة الأمنية الجديدة ليست المبادأة بمعنى الخطط الواعية First-consciousفي عرف الإستراتيجية الشاملة ، وإنما هي المغامرة أو المقامرة غير محسوبة العواقب Gambling Strategies ، تفرضها حالة الذعر المطّرد لكيان يقوم على فكرة الأمن القائم على الإجرام) . وتتحدث تلك التسريبات عن خيارات ثلاثة لمهاجمة مواقع أساسية في المشروع النووي الإيراني ، وهذه الخيارات تتعلق بمسارات الفضاء المفتوح لهجوم الطائرات الإسرائيلية المقاتلة ، فمسار منها ينطلق من الأردن إلى العراق ثم إيران ، وآخر عبر الأراضي السورية فالتركية ثم إلى إيران حيث الهدف المطلوب ، وثالث أخير من السعودية إلى قطر ثم إيران النووي .
وإذا ما نظرنا إلى حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس في الجنوب اللبناني وقطاع غزة ، ومجمل العلاقة مع (إسرائيل) ، فأيضا مسار المشهد يتزوى باتجاه الحدّية المُشكلة للزاوية الحادة صعبة التدوير أو حتى التحوير بالوهم Modulation illusionعبر لمسات مساج التليين في العلاقة الجدلية ، من خلال حديث الصفقة بجلعاد شليت أو التهدئة المخروقة باستمرار من (إسرائيل) ، أو حديث الجبهة الشمالية المستقرة . والحقيقة التي تتبدى من خلال البحث في الاستراتيجيات التي تحكمها معطيات التاريخ والوقائع الحاضرة برسم التخطيط ، والمجبورة بإكراه حكم التاريخ ومساراته المتشابكة بسلاسة حلقات الربط في سلسة لا تحيد برغم كل انحراف إنساني عن ضرورة التصحيح بمسار التاريخ ولو بعنف الانفجار والدمار الأوتوماتيكي بحسب جدلية أرسطو الفلسفية حيث التاريخ دوما يكره الفراغ ، تقول هذه الحقيقة أن أوضاع العلاقة ولو على حدة لكل طرف من الأطراف الثلاثة السابقة ، صار يلزمها التدافع بحرب وقتال The inevitability of war scramble .
فحزب الله منذ حرب يوليو تموز 2006 اخذ يراكم أسباب القوة حتى وصل إلى مرحلة الإشباع والاكتفاء الذاتي في القدرات الاستعدادية والتسليحية ، وحزب الله على مستوى المصداقية المعروفة عنه ، صار مطالبا ذاتيا وبالاستجابة خارجيا (للجمهور الذي يؤمن به و بخياره) لهذه المصداقية بالانطلاق نحو وعده ووعيده بالانتقام ولو في سياق الهدف المنشود استراتيجيا Revenge in the context of desired strategyواقصد هنا تحقيق مكاسب في التحرير السياسي والميداني . هذا الانتقام في اقله يتعلق بقائده العسكري المُغتال منذ بدايات عام 2008 في سوريا على يد جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي (الموساد)، كما تشير إلى ذلك دلائل مؤكدة ، و(إسرائيل) من جهة أخرى ترى أن خطر حزب الله يتعاظم إلى درجة لا تقبل الاحتمال ، وبالتالي هي تفكر بإجهاض هذا الخطر بأي ثمن . وحماس طال عليها الحصار وامتد لسنوات في قطاع غزة ، وبمكاشفة صريحة فهي ترى أن لا خيار للخروج من هذا الحصار إلا عبر خيار حراك إقليمي استراتيجي صادم في المنطقة ، بعد أن انعدمت خيارات أخرى لفك الحصار ، وإسرائيل من جهتها ترى برغم كل مفارقة في الإعداد والتسليح العسكريين بين حزب الله وحماس لصالح الأولى ، أنها باتت في مأزق استراتيجي بنيوي Strategic structural dilemma من خلال وجود جسم شبه متكامل والأخطر انه إسلامي ( بسبب الانسجام الفلسفي ألتكليفي A Philosophical harmony لتحقيق النجاحات الذاتية والموضوعية لأهل المنطقة العربية بالارتباط العقيدي والتشريعي بالإسلام) يهددها بالقرب من كيانها القائم في فلسطين المحتلة عام 1948 .
وأما السلطة الفلسطينية في رام الله فهي الأخرى وصلت إلى حافة الزاوية فقد أصبح خيارها حديا سلبيا Option marginal negativeبالقياس إلى طبيعتها المُشكلة منذ سنوات طويلة على خيار المفاوضات ، فبعد اتضاح موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يقودها اليوم بنيامين نتانياهو حول رفض تجميد الاستيطان ، أو تجميده بلغة التوقيت المحدد شكلا القائم فعلا بدلالة المشاريع المُمررة بمئات الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلة ، صار أمر السلطة الفلسطينية مرهونا بخيارات هي ليست خيارات Wait a policy change ، فبين خيار وقف التفاوض دون بديل ، وبين التلويح باستقالة الرئيس محمود عباس أو إعلان إقامة دولة مستقلة في أروقة مجلس الأمن دون دليل في القائم من أوضاع يتصف فيها رئيس السلطة منصبيا في موقع في فتح كقائد أعلى لها أوفي منظمة التحرير كرئيس للجنتها التنفيذية أو رئاسة دولة فلسطين أو غير ذلك ،إلى أوضاع وحقائق الدولة المستقلة ، التي تنتفي فيها كل عناصر الدولة بما فيها الشعب الموزّع والمشتت في غير مكان .
وفي حديث كاتب هذه السطور عن تساؤل إن كانت الحرب في الربيع أم لا؟ فانه يرى ومنذ أشهر ثلاثة أو أربعة أن الموقف الإسرائيلي الكلي وحتى عبر وسائل إعلامه الرسمية وغير الرسمية ، بات لا يشي فقط بل ويؤكد في أحايين متفرقة لكن تُشكل مؤشرا حقيقيا A true indication of على موقف سياسي وعسكري معين ، بان عقارب الساعة تتجه سريعا وحثيثا باتجاه تصفية الحساب النهائي مع حماس في قطاع غزة .
وذهب بعض كتّابهم ومحلليهم العسكريين الوازنين والمقربين من الدوائر السياسية والأمنية في (إسرائيل) ، بان التصعيد العسكري الحقيقي ضد قطاع غزة سيبدأ مع حلول ديسمبر كانون الأول الجاري ، وستكون تصاعدات وتفاعلات الذروة Reactions to proceed to the peak لهذا التصعيد العسكري باتجاه الحرب مع شهري شباط وآذار من العام القادم 2010 .
وبالفعل يلمس المراقب ، برغم حديث الصفقة بجلعاد شليت التي نتمنى تحققها قبل نهاية الشهر الأخير من هذا العام ، أن هناك نوعا من التصعيد الإسرائيلي المدروس والبائن في صورة التدرج ضد القطاع منذ أيام من الشهر الحالي كانون الأول 2009 ؛ ففي مساء ليلة الخميس الفائتة الموافق 3- 12- 2009 ، كانت الطائرات المروحية الإسرائيلية تحلق في فضاء قطاع غزة على مسافات منخفضة ، بالإضافة إلى طائرات أل إف 16 التي لا تكاد تغادر فضاء قطاع غزة ، وقد قال لي احد الصحافيين في غزة ، أن تحليق الطائرات المروحية بأعداد تصل إلى عشرة أو اقل من ذلك بقليل ، أمر لم يجر منذ انتهاء الحرب الأخيرة على غزة ، وقد كان هذا الوضع المفاجئ مدعاة لإخلاء المقرات الأمنية في قطاع غزة .
وفي تلك الليلة التي دخل الوقت فيها من يوم الجمعة 4 ديسمبر كانون الأول تسللت وحدة إسرائيلية ، وجرى الاشتباك معها من قبل عناصر المقاومة الفلسطينية ، إلى أن تم صدها ، ومن ثم تراجعها .
وفي المحصلة ، أعيد التأكيد من جديد ، على ما كتبت فيما سبق ، أن هناك سيناريو لحرب قادمة أرجحه ، باندلاعها من القطاع ذي الشريط الضيق ، لتمتد إلى جنوب لبنان وسوريا وربما إلى إيران.
وهذا السيناريو ، يدعمه موقف (إسرائيل) الحسّاس المنطلق من حقيقتها الأمنية الهاجسية Security obsessive instrument ، التي لا تُطيق خطرا إلى جانبها ولو كان جانبيا ، وتعطيه في هذا الأولوية على ما سواه ، ثم إن حالة الذعر والتردد لمجمل الحالة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تجعلها تتجه صوب الحلقة الأضعف في اعتبارها وهي هنا غزة .
أما لماذا تتوسع الحرب من غزة إلى غيرها ، فيرى كاتب هذه السطور ، وبكل صراحة أن الوضع في غزة ، بسبب الحصار ، وما أضافته الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليها من قتل ودمار، لا تحتمل الانفراد بها مجددا من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية .
وأدرك أن هناك قرارا استراتيجيا حاسما من طهران إلى سوريا إلى حزب الله ، يمنع بالمطلق سقوط غزة ، ولو بثمن حرب إقليمية شاملة في المنطقة .
محام وكاتب
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسطين المحتلة: مسؤولية بالتقصير تقع على الشعب والمعارضة
-
لماذا سيكون الانتصار في غزة مميزا أكثر عن سابقة انتصار تموز
...
-
الحلف العربي الاسرائيلي
-
مسار العلاقة بين فتح وحماس وتطوراتها المستقبلية
-
الحوار مع غاز لحركة تحرر حولّها اشلاء!
-
لماذا لا يمكن ان ينجح حوار بين فتح وحماس؟؟
-
مستقبل المستوطنات في ظل تصور اتفاق فلسطيني- إسرائيلي-
-
تزوير تاريخ فلسطين بإنكار حق العودة
-
سلطة الضفة لا تعمل لصالحها شعبيا
-
أبا مازن متى تغضب؟!
-
فلسطين شلل عمل الوعي السياسي في الاراضي المحتلة
-
اسلام الصحابة في غزة المنتصرة على الحصار
-
وزن الاستراتيجيات في فلسطين
-
التزام بسلام حتى ضياع كل فلسطين!
-
في الضفة الغربية أجواء لا علاقة لها بالحوار
-
هل سيكون هناك حوار جدي بين فتح وحماس هذه المرة؟
-
لا بد من وضع حد لعبثية نهج المفاوضات
-
كيف هي الشراكة مع قاتلي اطفال غزة؟!
-
التفكير باستراتيجيات واقعية لتنفيذ حق العودة
-
غالبية فلسطينية بلا تمثيل شرعي حقيقي
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|