أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - ذكريات














المزيد.....

ذكريات


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 2850 - 2009 / 12 / 6 - 11:52
المحور: الادب والفن
    


- 1 -
أكثر ما كان يستهويني وأنا طفل في الخامسة من عمري، حكايات جدتي، تلك القصص الجميلة التي كانت تقصّها علي فأضحي بالبقاء مع أمي وأبي وكل ما يعرضونه علي من سكاكر، وأفضل المبيت مع الجدة..
اغلب القصص كنتُ قد سمعتها مرات عديدة( العصفور الذكي - الثعلب والذئب – الحية والخاتم – والكثير غيرها) لذلك طلبتُ منها أن تحكي لي حكاية جديدة لم اسمعها من قبل.. بدأت جدتي حكايتها بصوت غريب لم أعهدها تتكلم به من قبل، واستمرت في سرد القصة وكلما توغلت في التفاصيل أصبحت القصة أكثر حزناً.. أردتُ أن اعرف نهايتها ولكن دموعي خانتني، وأجهشت في البكاء.. كانت قصة حزينة جداً فخجلت أن أقول ذلك لجدتي، وتذرعتُ بحجة إني عطشان وأريد الذهاب إلى والدي.. حملتني وهي تبتسم وتقول:
- ولكن ألا تريد أن تعرف نهاية القصة يا صغيري؟!
حينها أحسستُ بأنها كشفتني، ولذتُ بالصمت والحياء...

- 2 -
في مرحلة الدراسة الابتدائية كنت من المتفوقين، وكان اغلب المعلمين يقولون لي ستصبح طبيباً في المستقبل.. واستمر تفوقي في المرحلة المتوسطة كذلك، فلم أتفاجئ بكلام المدرسين وتكرار ما كان يقوله قبلهم المعلمين.. ولكني كنت اندهش من كلام مدرس اللغة العربية ( وقد كان مصرياً) اسمه محمود سمير وكان أصلعاً يلبس نظارة سميكة، فكلما فتح دفتر الإنشاء خاصتي كان يسألني: - هل أنت من كتب هذا الإنشاء؟
فأجيبه باستحياء: - نعم أستاذ..
فيقول: - ( ستصبح كاتبا في المستقبل).. وكنت أحزن لأني لم ارغب أن أكون كاتبا في يوم من الأيام، فجميع المعلمين والمدرسين أكدوا بأني سأصبح طبيباً، وغرسوا ذلك في تفكيري.
الغريب إن كل ما قاله لي المعلمين والمدرسين لم يتحقق، فقط مدرسنا المصري هو من تنبأ بمأساتي...!!

-3-
قبل سنتين وفي يوم ربيعي مشرق زارني أربعة من كبار كتاب وفناني الموصل.. فجلسنا تحت أشجار الزيتون في المزرعة القريبة من البيت، وتناولنا الشاي وتبادلنا أطراف الحديث عن الكتابة والقصة وأدب الأطفال والفن التشكيلي.. حينها أتى والدي ورحب بهم بحفاوة، وعندما غادر أخذني جانباً وقال هامساً: من هؤلاء؟
أجبته: - كتّاب من الموصل
فأبتسم والدي قائلا: جميعهمٍ اكبر مني سناً!!
فقلت ضاحكاً : إنهم أصدقائي الجدد .
هز رأسه وقال: حسنا اعتن بأصدقائك يا بني!




-4-
(قبل أكثر من سبعين سنة)
نُفي جدي إلى الناصرية ومعه رفاقه الذين لم ينصاعوا لأمر الحكومة، ورفضوا أداء الخدمة العسكرية، ولم تفهم الحكومة في حينه إن سبب رفضهم ليس ضعف وطنيتهم أو خوفهم وإنما الاعتداء على خصوصياتهم وتقاليدهم.. ففي قرى سنجار - قديماً - كان من العيب أن يحلق الرجال شعر رؤوسهم أو يرتدوا (الملابس الضيقة) أي العسكرية.. وكثير من عاداتهم وطقوسهم كانت تتعارض مع الخدمة العسكرية تعارضاً تاماً ..أضف إلى ذلك المضايقات والسخرية التي تنتظرهم..
كانوا مكبلين بالقيود ومحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، وفي فترات استراحتهم كان هناك معلم يعلمهم رسم الحروف التي يكتبها أمامهم على لوحة سوداء ويدربهم على النطق بها.. ويوما بعد آخر تعلموا كتابة الحروف والكلمات البسيطة...

(وقبل عشرين سنة)
كنتُ أقرأ نظرية داروين في التطور واستعد للامتحانات العامة للدراسة الإعدادية(البكلوريا) حين دخل عليّ جدي وقال:
- الحروف هي أهم شيء .. إذا أتقنتها تستطيع أن تكتب كل ما تشاء!
ابتسمت من سذاجته وقلت:
- أمرك جدي سأحاول أن أحفظها كلها! فأومأ لي برأسه علامة على الرضى وتركني أكمل القراءة...

(واليوم)
كلما استعصت عليّ كلمة أو جملة وأنا اكتب قصة أتذكر كلام جدي وافهم جيداً إن ما كان يقصده أعمق مما ظننت بكثير، وأدرك تماماً انه كان يعني بحروفه أكثر مما استوعبه فهمي الساذج في حينه!.



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيامة
- البيضة هي فوضى الطائر
- (البُعد العاشر)
- قراءة في المجموعة الشعرية (العربات) للشاعر د. جاسم الياس
- نقاط وحروف
- ضجيج الصمت
- حوار مع القاص والروائي هيثم بهنام بردى
- جمعة كنجي الطائر المسافر إلى الشمس
- ورقة يانصيب
- قصتان قصيرتان جداً
- أسئلة البدايات
- طقوس
- (التحدّي)
- المزارع الثقافية التعاونية..!!
- إلى جواد كاظم إسماعيل مع التحية..
- ظلال الكلمات
- التصاق
- برعم
- تصفيق / قصص قصيرة جداً
- إنعتاق


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - ذكريات