لبنى حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2847 - 2009 / 12 / 3 - 23:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لا أتفق مطلقا مع الأصوات التي تروج لان ما حدث في الخرطوم و تغطيته من قبل الإعلام المصري مبالغ فيها من أجل دعم التوريث, ليس فقط لأنه لم يعد بحاجة لتمثيليات بل لأن ما حدث فعلا ضده, فبعد الهزيمة في المباراة ليس من مصلحتهم ادعاء اهانه مصر و ضرب المصريين في وجود رئيس لجنه السياسات لأن هذا إن دل على شيء فيدل على ما هو سلبي, فيكفى أن كل هذا حدث في حضوره خاصة و انه لم يصدر عنه اى رد فعل يذكر و كانت لديه فرصة ذهبية للتحول لبطل شعبي و لكن تلك الفرصة تبخرت تماما خاصة مع الظهور الإعلامي لعلاء مبارك و اجتذابه الأضواء عندما تحدث بانفعال المواطن العادي, فعبر عن الناس و اراح صدورها, و لكنه دفع الجميع للمقارنة- لا إراديا- بالرغم من إعلانه مرارا انه لا يطمع في اى منصب سياسي و لا مؤهل له.
تابعت تغطية معظم القنوات و الصحف و أرى أن الموضوع ليس قضية كرامة فقط لأن بالفعل كرامة المصريين تم التساهل في إهدارها في الداخل قبل الخارج كثيرا و على مر ثلاث عقود ولم نرى كل هذا الحشد الاعلامى, و لكن ما حدث كان استهداف لكرامة المصريين و هيبة النظام السياسي في نفس الوقت من قبل نظام سياسي أخر و لم تكن حادثه صغيرة بل كان الأمر على نطاق واسع حيث كان اعتداء على الآلاف في وجود ممثلي الحزب الحاكم و مجلس الشعب و نخبه من المثقفين و هذا هو الجديد.
قد يكون عادى و مقبول و جود مشجعين كرة متعصبين من الطرفين و بالتالي مفهوم أن في آخر مباراة لعبها المنتخب المصري في الجزائر تعرض لاعبيه للحجارة و الشماريخ و متوقع أيضا أن عندما يأتي المنتخب الجزائري وارد أن يجد متعصبين كوره في مصر أيضا يقذفوا حافلته بالحجارة, وأيضا منطقي أن يشتبك مشجعو الطرفين, و في القاهرة هناك محاضر كثيرة ضد مشجعين جزائريين و العكس.
كل هذا يدخل في إطار جنون كروي و أعرف أن حب الجزائريين للكرة قد يكون مختلف نوعا ما لدرجة أن مائه و عشرين مباراة في الدوري الجزائري تلعب بدون جمهور, و أكثر من ثمانية عشر شخص لقوا مصرعهم في احتفالات الوصول للمونديال الأخيرة في الجزائر, كما أن المشجعين المتعصبين لديهم كسروا و أحرقوا في فرنسا و أسبانيا عندما انهزموا و عندما فازوا أيضا و لكن كل هذا مفهوم -حتى و إن لم يكن مقبول - من متعصبين كرويا فمنذ بضعه أيام أفردت صحيفة الجارديان تحقيق كامل عن تاريخهم العنيف في التشجيع.
ما لم يكن عاديا و هو ما استوقفني كثيرا هو أن يتم الإفراج عن مجرمين مسجلين خطر و عمل جوازات سفر ذات صلاحية عشر أيام فقط لهم و شحنهم مع آخرين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر و الثلاثين على طائرات حربية جزائرية (بدون مقاعد) طراز سي 130 بعدد يفوق سعه الإستاد, و قيامهم لمده ثلاث أيام قبل المباراة بشراء أسلحة بيضاء و هذا ما لم تنكره الجزائر!
رئيس الدولة أو وزير الدفاع أو رئيس الوزراء هم فقط من لهم صلاحية تحريك طائرات حربية إذن فالأمر خرج من كونه مشجعين متعصبين من الطرفين لحرب عصابات منظمة و مدعومة من نظام سياسي تجاه جمهور مدني اعزل من السلاح, مغدور به, لو عدنا للصحف الجزائرية كصحيفة الأخبار (حكومية) و الخبر و الشروق و الفجر و النهار و الهداف سنجد أنهم قاموا بتصعيد وصل لسب مصر و إزالة اسمها من على الخريطة و وضع بدلا منه "مستشفى المجانيين" في كاريكاتير بالشروق يوم الثالث عشر من نوفمبر اى قبل مباراة القاهرة, ثم واصلوا بادعاء أكاذيب و افتراءات تحريضية و فبركة أخبار غريبة لدرجة أن بعد مباراة القاهرة نشروا أن هناك قتلى و نعوش طائرة من القاهرة ستصل الجزائر و هذا ما نفاه السفير الجزائري نفسه و لكن بعد ثلاث أيام, فقد ترك الأمور تزداد لهيبا و كأنه أراد المشاركة في شحن الجمهور الجزائري لهدف في نفس يعقوب.
الإعلام المصري عموما و بالرغم من اى تحفظ عليه كان غارق في الأغاني الحماسية و الأحلام الوردية و تجاهل في البداية عدم مهنيتهم و إعلامهم الذي ينضح بالكراهية تجاه مصر ولم يبادلهم "السب و القذف" إلا بعد أحداث الخرطوم لأنه بدا شيء منظم و مدعوم و ليس مجرد جنون كروي من غوغاء, و ليس لدى شك في شهادات شهود عيان من الشخصيات العامة كوائل الابراشى و خالد صلاح و ريهام سعيد و فرودس عبد الحميد و مفيدة شيحة.
لقد خطط النظام الجزائري جيدا و كان أفضل تنظيميا فاهتموا بالتصوير و التوثيق, و قد عكس سوء النية مبكرا رفض روراوة مصافحة سمير زاهر قبل يوم من المباراة عندما بادر بمصالحته قبل المباراة و قد أذاعت قناة أبوظبى الرياضية تلك المشاهد مع تعليق.."يا للعار يا للعار" من المذيع الخليجي, الذي ضرب كف بكف مستنكرا هذا المشهد.
الأمر تعدى كونه اشتباك مشجعين متعصبين و وصل لاستهداف منظم من قبل نظام سياسي فجاء رد فعل النظام السياسي المصري في شكل هجوم إعلامي و تشجيع للتهييج الشعبي, كان الأمر سيكون أكثر هدوءا لو بعد أن أقلعت الطائرات الحربية الجزائرية و مقاتليها عائده من السودان بعد إتمام مهمتها السياسية ظهر بعض مثقفي الجزائر أو اى مجموعه هناك و أعلنت بصوت مسموع أن هذا لا يصح و أن ما فعله النظام من إرسال مقاتلين بوجباتهم المغلفة بغلاف موضح عليه أنها وجبات مقاتل من وزارة الداخلية الجزائرية....عرضه الإعلامي عمرو أديب.... بالتأكيد لا يمثل الشعب الجزائري المتحضر من مهندسين و أطباء و معلمين و فنانين, و لكن هذا لم يحدث بل رأينا أيضا المصريين في الجزائر يصرخون من التهديدات و الحجارة و النيران و يعودون إلى مصر مذعورين بعد أن تم حصارهم و مطاردتهم و سبهم بعد تكسير و نهب مصر للطيران و شركة اوراسكوم و المقاولون العرب و شركة السويدي و هو ما نتج عنه خسائر بملايين الدولارات, و فقد الكثير من الجزائريين و المصريين لوظائفهم في تلك الشركات المصرية التي تستثمر في الجزائر, حيث تعد مصر ثاني أكبر مستثمر أجنبي هناك و يعمل بها أكثر من عشر ألاف جزائري, و الغريب أن الفيديوهات المنتشرة على اليوتيوب أظهرت الغوغاء و هم ينهبوا الشركات المصرية في ظل تواجد أمنى جزائري غير قليل و لكنهم لا يفعلوا شيئا, في الوقت الذي لم تسمح فيه الشرطة المصرية لأي متهور بالإضرار بأي مبنى جزائري في مصر و هو ما يؤكد دعم النظام السياسي الجزائري لما يحدث خاصة في ظل صمت جميع ممثليه.
عليه أن اعترف أن الخطأ الأساسي-و ليس الوحيد بالطبع- للنظام المصري في البداية هو اختيار السودان و هي بلد فقير تعانى حروب و يقودها مجرم حرب مطلوب دوليا بحكم المحكمة الدولية فمن الطبيعي أن يكون اضعف من مواجهة الموقف أو الاعتراف به حتى لا تسوء صورته وصورة بلده أكثر لأن اى اعتراف بالمشكلة يعد أساءه للسودان و اعتراف بفشل ذريع لها و قبولها لانتهاك سيادتها, و الأهم أن المصالح تتحدث حيث أن حجم التعاملات التجارية بين الجزائر و السودان أربع أضعاف تلك التي مع مصر.
بالتأكيد شعب البلدين عموما ضحية تلك الأنظمة و طبيعي أن يثور المجتمع الجزائري حينما ينقل له إعلامه أخبار كاذبة عن قتلى و جرحى و يصر عليها و لكن ما أثار المواطن المصري البسيط ليس السياسة و الإعلام و لكن تحول مشكلة حافلة لاعبين جزائريين في مصر حدث مثلها مئات المرات للمنتخب المصري في الجزائر ثم في السودان لمعركة تجعل شركات مصرية تدمر و أطفال و نساء يهددوا و يحتجزوا و طائرات حربية محملة ببلطجية تستهدف المدنيين المصريين في السودان في ظل صمت الصفوة من الشعب الجزائري.
#لبنى_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟