جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 864 - 2004 / 6 / 14 - 04:29
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
استرخى مرتاحاً في التابوت العتيق غير أنَّ الكفن جعله يشعر بضيقٍ شديد..الضيق نفسه الذي ظلَّ يطبق على صدره منذ أيامه الأولى على هذه الأرض وحتى اللحظات الأخيرة من حياته التي حسمها الشيخ بقوله: ليرحمه الله..ومن ثمَّ أسدل جفنيه فمن الواجب أن إغلاق العينين بعد تلك السنين التي ظلتا فيها مفتوحتين شأنه شأن الآخرين..فجأةً، انتابته موجة ضعف جعلته يتردد ويفكر في النهوض من التابوت لالقاء خطبة قصيرة في الحشد المتحلق حول جثمانه الملفوف بكفن من الخام الأبيض السميك وذلك بعد أن دبَّ بينهم خلافٌ وسجال حول شكل الوسادة ومحتواها..! و قد حسمت المعركة بعد هرج ومرج باستبدالها بوسادة جميلة و مريحة..! وتمالك أعصابه وهو يقول في نفسه: ليستمروا بنفاقهم.. الكلام معهم خسارة.. ويعود ليتابع بإذنيه وقائع الحشد الجنائزي الذي يبدوا واضحاً من قسمات وجوههم أنه فرض عليهم فرضاً بهذه الميتة المفاجئة..وعاد يقول في نفسه: يا الله..! من أين لعبيدك كلُّ هذا النفاق..!؟ وأخيراَ فرجت فقد شعر بالتابوت يتأرجح تارةَ نحو اليمين وأخرى نحو اليسار فيما اللغط يزداد والنحيب يعلو ثمَّ سمع دوي طلقات نارية ارتج على آثرها التابوت و تحرك الحشد ولم تطل المسيرة فقد وصل الطابور الجنائزي إلى الحفرة التي ستكون مثواه الأخير خلال دقائق.
بهدوء، وتأني، و برفق شديد تمَّ وضع التابوت إلى جانب الحفرة فمن الواجب عدم إزعاج الميت بخبطة لا يتوقعها.. إذن اقتربت لحظة الوداع قال في نفسه وأسرع يجمع بلسانه ما تبقى من لعابه الذي أخذ يجف منذ أسدل الشيخ جفنيه الأسودين..!
13/6/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟