|
الارهاب.... كيف ولماذا .. وجهة نظر نفسية في مفهوم الارهاب
وائل فاضل علي
الحوار المتمدن-العدد: 2844 - 2009 / 11 / 30 - 13:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الارهاب تلك الكلمة التي نتداولها ونسمعها كل يوم ، اصبحت كالعدوى تنتقل بين افواه الناطقين بها ، لا بل الاكثر من هذا كله انها بدات الان تستعمل كصفة نطلقها على كل من يخالفنا الراي او المعتقد او الفكر ، حتى في مجال العلم فمن يختلف مع الاخر في نظرة عليمية يصبح ارهابياً !!! كيف ولماذا اصبحت هذه الكلمة مفردة من مفردات الحياة اليومية ؟ لا بل ان حتى الاطفال بدؤا باستخدام هذه الكلمة دون ادراك فعلي لمعناها. ان السبب الحقيقي وراء هذا كله هو عدم وجود معنى محدد متفق عليه لمعنى كلمة ارهاب في القانون الدولي اولا ولدى الساسة واصحاب الراي وفي وسائل الاعلام ثانياً. فتطلق هذه الكلمة على مختلف الجماعات بحيث لم يعد الكثيرين يعرفون المعنى الاصلي لها فما هو الارهاب ومن هو الارهابي مفهوم اصبح يلفه غموض كبير . ولكي لا يكون مقالنا هذا سياسياً بل نفسياً بحتاً سنتناول معنى الارهاب والارهابي من الناحية النفسية فقط . الارهاب في اللغة العربية كما ورد في كتاب " لسان العرب " لابن منظور هو : رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً بالضم، ورَهَباً بالتحريك؛ أي خاف. ورَهِبَ الشيء رَهْباً ورَهْبَةً: خافه. وفي حديث الدعاء:"رغبة ورَهْبَةً إليك "، الرهبة: الخوف والفزع . وترَهَّبَ غيره: إذا توعَّده. وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه. وفي " النهاية " لابن الأثير: الرَّهبَة: الخوف والفزع. وفي حديث بَهْز بن حكيم: "إني لأسمع الرَّاهبةَ " هي الحالة التي تُرهب: أي تُفْزِع وتُخوِّف. وفي روايةٍ: "أسمعك راهِباً " أي خائفاً. ومن هذا المعنى اللغوي لكلمة الارهاب نقول انه من الناحية النفسية فان الارهاب يعني الخوف او احداث الخوف او الفزع الشديد لدى الاخرين ، بحيث يدركه الاخرون على انه تهديد لهم ولسلامتهم النفسية والجسمية وبالتالي فان هذا الحدث الذي يقع او يحدث يثير فيهم حالة من الفزع والهلع الشديد مما يتطلب احداث تغييرات فسيولوجية حشوية داخلية كارتفاع ضغط الدم وزيادة نبض القلب وزيادة كمية السكر في الدم وزيادة في افراز الحوامض المعدية وغيرها اضافة الى تاثر بعض الجوانب العقلية والنفسية كعدم القدرة على التركيز او التفكير وتشتت الانتباه والارتباك اضافة الى اضطراب مؤقت في السلوك بصورة عامة. كما ان هذا الحدث الذي ارهب الناس ممكن ان يؤدي الى احداث حالة من المرض النفسي او المرض الجسمي المزمن وهنا تسمى هذه بالامراض السايكوسوماتية (امراض جسمية نفسية المنشاوهي امراض مزمنة وخطيرة مثل الجلطة القلبية او داء السكري او الامراض الجلدية او القرحة وغيرها) او ممكن يصاب الفرد بالحالتين المرضييتين الجسمية والنفسية وهنا يكون الامر سيئاً للغاية. اذن فان الارهاب ليس اختلاف الفكر او الراي بل هو حدث يؤدي الى تخويف وتهديد وهلع لشخص اخر او مجموعة من الاشخاص وهو لا يكون حديث انفعالي او تهديد وانما فعلا يقوم به مستخدمه او ما نطلق عليه الارهابي . ومن هذا المفهوم ايضا فان الارهابي هو من يقوم باي عمل من شانه تهديد سلامة الاخرين ، اي انه العامل الذي يؤدي الى حدوث حالة الفزع والهلع والخوف الشديد لدى مجموعة اخرى من الناس . ولا بد لنا ان نلاحظ بان هذا العمل المستخدم لا يوجه ضد شخص واحد بل ضد مجموعة كبيرة وهم في الغالب والاعم من الناس الذين لا علاقة لهم بالموضوع والسبب في ذلك هو : 1. بالنسبة للارهابي هو ايقاع الاذى واحداث حالة من الخوف والهلع والفرزع الشديد لدى اكبر مجموعة ممكنة من المجتمع وذلك لانه كلما كبر ذلك كلما كان انتشار الخبر والتهديد اسرع وبهذا يتحقق ما في نفسية القائم بالارهاب سواء المنفذ او المخطط من اشعار الاخرين بان حياتهم في خطر ويجعلهم في حالة من القلق والخوف والترقب، اي احداث حالة من الخوف الجماعي لديهم. 2. اشعار الجهات المستهدفة بان الدمار او الاذى لن يكون مقصورا على فئة معينة بل سيكون عاما مما يزيد من حالة التوتر والارتباك لدى المجتمع او المجتمعات الاخرى ولدى القائمين على حمايته من اجهزة امنية وسياسية مختلفة . 3. إحداث حالة من الفزع تؤدي الى ثورات انفعالية غاضبة والقاء اللوم او المسؤولية على الانظمة السياسية الحاكمة مما يخلق حالة من الفوضى وعدم الرضا في المجتمع . إذن الحالة هنا ليست عشوائية كما نعتقد بل انها منظمة ومحددة وان الارهابي ليس مختل العقل كما يصفه الاخرون ويحلله بعض النفسيون ومع الاسف بل انهم مجموعة منظمة تعرف جيدا ماذا تفعل ولماذا وكيف.
اما عن الاسباب المؤدية لهذا العمل فنقول الاتي ان هناك اسباب متعددة ومنها 1. ان هناك انماط معينة من الشخصيات تحمل صفات العدائية والعدوانية فمثلا هناك الشخصية السادية التي تستمتع بايقاع الاذى بالاخرين ، والشخصية العدوانية وهذه حالات من الشخصية ليست علامة او دلالة مرضية ولكن يمكن لها ان تتحول لذلك متى ما توفرت لها الظروف المناسبة اي ان الاستعداد موجود وبانتظار العامل المساعد الذي سيحول هذا الاستعداد الى حالة مرضية تستخدم العدوان كوسيلة لتحقيق اهدافها او غايتها او للتعبير عن ارائها وبشكل مفروض على الاخرين. 2. عدم النضج العاطفي وحالات الحرمان العاطفي جميعها عوامل ممكن ان تتحول الى حالات مرضية تحمل العداء والعودانية نحو الاخرين . 3. وجود غريزة العدوان لدى الفرد وهي احدى غريزتين نادى بهما فرويد وهذه الغريزة قد تدفع بالفرد في مواقف معينة الى انتهاج سلوك العدوان كوسيلة لتحقيق الغايات بصورة خاصة في حالى ضعف الضمير او الرقيب ال نفسي او الاجتماعي . 4. اما للظروف التي تدفع لذلك فنقول ان هناك عوامل بيئية حياتية كثير تؤدي له ومنها الاحباط وما يمكن ان يكون له من دور كبير في استثارة العدوان لدى الفرد . فما يتعرض له من الفرد من احباط نفسي او معنوي كفيل باستثارة العدوان لديه وبطرق مختلفة. 5. العوز الاقتصادي فهو عامل كبير ومهم في ذلك فقد يتم استخدامه كورقة رابحة للذين يبحثون عن صيد لهم في مثل هذه المواقف وبالتالي يوهمونهم بضمان مستقبل ابنائهم وعوائلهم من بعدهم . 6. ولعل الامر المهم الاخر هنا هو عمليات غسل الدماغ التي تقوم به هذه المجموعات الارهابية من حيث استخدامها لمصطلحات ذات صفةعاطفية حساسة ولها اهمية خاصة لدى المجندين لهم من بينها المصطلحات الدينية او الطائفية ومن ثم القيام بعمليات غسل الدماغ القائمة على الاعتقاد بان الاخرين على خطا وان هذا المذهب او الدين او الطائفة هي فقط التي يجب ان تطاع وان تامر وتنهي وبالتالي فلا حياة او وجود للاخرين اذا ما خالفوهم في الراي . 7. الرغبة في الانتقام وهذه حالة مهمة ايضا لان العديد ممن يقومون باعمال مثل هذا النوع امتلكتهم الرغبة في الانتقام سواء من مجموعة معينة او من المجتمع بصورة عامة وذلك نتيجة لما تعرضوا له من حالة او موقف سابق ادى الى شعورهم بالمعاناة من الناحية النفسية او الجسمية سواء كان بصورة مباشرة لهم او لعوائلهم او لاحد للاصدقاء او المعارف ، وهنا ايضا قد تستغل هذه الرغبة من قبل تلك المجاميع المنظمة لتحقيق اهدافها واشباع الرغبة في الانتقام لدى الفرد.
هذه الاسباب وقد يكون هناك العديد غيرها التي يمكن ان تدفع الفرد للقيام بمثل هذه الاعمال التي نطلق عليها اعمال التخويف والفزع (الارهاب) ولا يخفى علينا ايضا دور وسائل الاعلام السلبي احيانا والقوى والاجهزة المخابراتية والسياسية في العالم في تغذية هذه الافكار المتطرفة وامدادها بالمال والسلاح احياتا لتحقيق اهداف معينة. ان الافكار المتطرفة لاتنشا لدى الفرد منذ الولادة بل هي نتيجة لعوامل البيئة فغالبية المتظرفون اقول الغالبية منهم وليس جميعهم من الذين يعيشون في خارج بلدانهم وقد عاشوا في اوربا وكما ان الغالبية منهم لو نعدو لماضييهم لوجدنا انه كان يختلف عن حالتهم وواقعهم الان وبالتالي فان النفور من هذا وعدم الرغبة في تذكره وانكاره وابعاده عن حيز الشعور يتطلب ان تكون لديهم افكارا قوية مضادة له ومن يمتلك مثله والطريقة الوحيدة لهم هو المغالاة او التطرف لانك لو حققت في امرهم او سالت احدا منهم لن تجد لديك ردا مرضيا او مقنعا بل على العكس سيكون جوابهم منفعلا عدائيا متطرفا لن تفقه او تفهم منه شيئا وهو وسيلة او ميكانزم نفسي يستخدم للهروب من ذكرى الماضي لديهم . ان للمجتمع وكل مؤسساته التربوية والتعليمية والاعلامية وحتى الدينية منه مسؤولية كبيرة لاننا نرى ان هناك تخوف او ابتعاد لمؤسسات المجتمع في اداء واجباتها بالشكل المطلوب وانزواء كثير منها نتيجة لتخوفها من عقبات ذلك كما تعتقد مما ادى الى بروز وظهور تلك المجاميع المتطرفة بشكل كبير. فعدم القدرة على تحقيق وتلبية حاجات الافراد في المجتمع وحاجتهم للمساعدة والتخفيف من عبء وضغوط الحياة عليهم والتخفيف من حالة الاحباط والتوعية الدينية والاسرية والاجتماعية السليمة وغيرها هي الكفيلة بالحد من مثل هؤلاء لا بل انها كفيلة بعزلهم عن المجتمع وبالتالي انطفائها تدريجيا، محاولة كسب من التحق بهم وعودته الى ممارسة حياته وافكاره بالشكل السليم طريق اخر من الممكن ان يساعد على تفتت تلك المجاميع لا بتوجيه اللوم والرصاص اليهم اولا بل محاولة مساعدتهم للتخلص مما هم فيه اولا . ان الحديث في هذا الموضوع طويل ولن يكفي ان يكون على شكل وريقات بل يحتاج الى فعل وعمل وابحاثا فاعلة وان لا نكتفي بالكتابة بل العمل الفعلي الميداني التطبيقي وان لا يكون شعارنا القضاء عليكم بالرصاص والموت والاعدامات لان هذه الشعارات ستزيد من استثارتهم عدوانيا وبالتالي يجدون ان لا مهرب لهم الا بالقتل وانهم لابد ان يقوموا بذلك ، ليكن شعارنا اننا نعمل على مساعدتكم فاستمعوا لنا ، والله الموفق .
#وائل_فاضل_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا دمرنا تجربة التعليم الالكتروني
-
ازمة الهوية عند الاباء قبل الابناء
-
العنف ضد المراة ...موضوع العصر
المزيد.....
-
اصطدمتا وسقطتا في نهر شبه متجمد.. تفاصيل ما جرى لطائرة ركاب
...
-
أول تعليق من العاهل السعودي وولي العهد على تنصيب أحمد الشرع
...
-
بعد تأجيله.. مسؤول مصري يكشف لـCNN موعد الإفراج عن فلسطينيين
...
-
السويد: إطلاق نار يقتل سلوان موميكا اللاجئ العراقي الذي احرق
...
-
حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وسيطلق سراحه اليوم.. من هو زكريا
...
-
مستشار ترامب: نرحب بحلول أفضل من مصر والأردن إذا رفضتا استقب
...
-
الديوان الأميري القطري يكشف ما دار في لقاء الشيخ تميم بن حمد
...
-
الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية في الضفة الغربية ويق
...
-
بعد ساعات من تعيينه رئيسا لسوريا.. أحمد الشرع يستقبل أمير قط
...
-
نتانياهو يندد بـ-مشاهد صادمة- خلال إطلاق سراح الرهائن في غزة
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|