|
المرأة كونترا المرأة
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2844 - 2009 / 11 / 30 - 08:35
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
نسبة النساء اللواتي يرتدين أحذية رجالية في تزايد مضطرد، كما هو عدد النساء اللواتي يمارسن أشغالا كانت حتى زمن قريب رجالية الطابع. مساحيق الوجه ورقة الصوت والآوت فت (autfit) تراجع الاهتمام بها، بينما تصاعدت نسبة تدخين السجائر والنارجيلا بشكل غير عادي بين النساء. العولمة والنزعة المادية والاستهلاكية ليست غير إطار عام لجملة تغيرات تتناول الكيان البشري الحياة اليومية على غير صعيد، ولأنها تتناول الناس وعلائقهم اليومية مع مفردات العالم، فالجميع في لهاث وتنافس يشغلهم عن تحسس طبيعة المتغيرات وأبعادها. بشكل عام، ان التغيرا الراهن تشمل كل شيء، وعندما تنشغل وسائل الاعلام العالمية بظاهرة محددة مثل أزمة المناخ أو معاهدة البيئة الدولية أو الحرب ضد الارهاب وفضائح الجنود، فما وراء ذلك فضائح أقبح وأزمات وخرائط لا يريد أحد أن يعرف عنها شيئا. أما سؤال لماذا تغير العالم بزاوية حادة منذ سقوط المعسكر الاشتراكي (العالم القديم) فقد أصبح قديما بحيث لا يعني أحد بالاجابة عنه. ما يهم في ها المجال هي المرأة، لماذا تتغير المرأة، وبالشكل الذي تصبح فيه غريبة عن نفسها؟ وهل هذا التغيير هو فعلا ما تريده المرأة في كل مكان؟.. ولكن كذلك.. من هي المرأة.. وكيف يمكن تعريفها أو تعريف المقصود بها؟.. * ترتبط جذور قضية المرأة ببدايات الفكر الاقطاعي التي تعود إلى الألف الثالث ما قبل الميلاد، وتراجع دورها لصالح الهيمنة الذكورية، وقد اقترن هذا التغير بعلامتين فارقتين رسختا طابع استلاب كيان المرأة وهما: - ظهور الانظمة السياسية (الدولة). - طهور فكرة (المقدس) الديني (عقائد ومذاهب وعبادات).
وقد وسم هذا التغير العارم مرحلة أو مراحل طويلة من التاريخ، وصولا إلى عصر الانوار (العقل- العلم- تيارات فكرية علمانية). وكانت مسألة حقوق الانسان وأوضاع المرأة وفكرة العبودية والتمييز الجنسي والعنصري والمذهبي جانبا من مسائل الجدل العام التي تصدى لها الفكر البشري الحديث واستحقت مرتبة الصدارة في المانفستو الشيوعي (1848) لكارل ماركس والمسودات الأولى لميثاق حقوق الانسان وحرية التعبير التي شكلت الاركان الاساسية للنظام المدني لهيكل الدولة الحديثة في القرن العشرين. وفي انجلترا المعتبرة مهد الدمقراطية اقتصر حق الانتخاب والترشيح على الرجل دون المرأة حتى عام 1920، وهو نفس معيار الاحصاء العبراني الذي كان يقتصر على الرجال فوق سن العشرين وذلك في الألف الثانية قبل الميلاد. القرن العشرون شهد ثورة حقيقية في أوضاع المرأة وطبيعة النظرة الاجتماعية إليها ودورها السياسي والاقتصادي في حركة التاريخ والمجتمع. فحركة انتشار التعليم والمساواة على مقاعد الدراسة كان لبنة حقيقية للمساواة في العمل والعائلة والحكومة. القارئ/ة ي/ تتساءل هنا عن الغريب أو الجديد في موضوعة المرأة ضمن مسيرة التطور الاجتماعي المعاصر؟.. ثمة عاملان رئيسان ساهما في تحديث موقع المرأة.. - حركة انتشار التعليم والثقافة العلمانية (ارتفاع المستوى الثقافي العام) - الدولة الحديثة وبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية (البناء الاقتصادي والاجتماعي)..
هذان العاملان تعرضا لنكسة خطيرة جراء سياسات وأجراءات العولمة والخصخصة الرأسمالية، وذلك حسب التدرج التالي.. - خضوع دول العالم لسياسات دولية عولمية بقيادة الامبريالية الأميركية (دول الثمانية- الصناعية) تشكل المبادئ الرئيسة التي تصوغ الدول سياساتها المحلية في ضوئها، ويترتب على معارضتها أو مقاطعتها عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية فادحة. - فرض سياسات اعلامية وثقافية عولمية موحدة المصدر والتوجيه والتمويل وذلك عبر دعم القطاع الخاص في شركات الاتصال والاعلام وتراجع الاعلام الرسمي تحت يافطة ما يدعى بالدمقراطية. - تعليمات تغييرات شاملة في المناهج الدراسية والتعليمية من سن الروضة حتى الدرجات الاكادمية العليا. - تغيرات جذرية في برامج الاعلام والتلفزة بدء ببرامج الاطفال وأفلام الكارتون الموجهة توجيها مركزيا من ستوديوهات الولايات المتحدة واليابان وصولا إلى برامج الكبار التي تركز على أفكار الربح السريع والاهتمام بالجسد البشري كمادة اقتصادية تجارية (عارضات الأزياء ونجوم الكرة). - تراجع القيم الاجتماعية والاخلاقية وبالشكل الذي انتج حركة رجعية للاحتماء بستارة الدين والاستسلام لشروطه المنافية لبعض ملامح العصر والتمدن.
قد يبدو من الصعب هضم التقاء فلسفة العولمة (المنظور الأميركي للتاريخ) مع الفكر الديني (في طبعته التقليدية) ولكن الواضح هو بالرغم من توسع مظاهر الانترنت ووسائل الاتصال والثقافة فأن هذا الكم قام على حساب النوع مشكلا ضربة موجعة للنوع الثقافي والفكر الرصين والمتأمل. بعبارة أخرى أن الثقافة الأميركية هي ثقافة البوب (pop- culture) ، وثقافة البوب هي ثقافة الصورة وليس االكلمة، انها ثقافة التلفزيون وشاشة السكرين والاعلانات السريعة. أما الثقافة الحقيقية والفكر والفلسفة فمدفوعة بمحنة الاغتراب والعزلة في وسائل الاتصال الحديث. ومرة أخرى؛ أين هي المرأة من كل ذلك؟.. * المرأة المعاصرة ضحية النزعة الاستهلاكية وثقافة الصورة.. تنقسم النساء إلى صنفين في العامل مع منتجات العولمة.. - مرأة تنساق معها انسياقا كليا لجني أقصى ما تقدمه من ثمار.. - مرأة تتعامل معها حسب ظروفها وامكانياتها مكتفية بما تحصل عليه من مكاسب..
الصنف الأول هو الذي يجعل من نفسه (الجسد) مادة رئيسة في اختراق سوق العمل والصعود السريع إلى مراتب ومراكز عليا. هذه المرأة هي المرأة الشابة وتبتدئ من سن المراهقة ومقاعد الدراسة المتوسطة والثانوية، ولا تهم بالحصول على شهادة جامعية مكتفية بشهادة دبلوم سكرتاريا أو شهادة خبرة في مجال اعلاني. من مقتضيات هذا الاتجاه الاهتمام بقياسات محددة للجسد ومهارة حاذقة في اختيار انواع الثياب والعطور ولكنة الكلام والتغنج وعلم مبادئ أولية في لغات الانجليزية والفرنسية والايطالية وأخيرا دخلت العربية معها.. شهادة هذه المرأة هي جسدها، وخبرتها هي غنجها، وتكنيكها هي تشخيص الرجل الأقرب إلى موقع التأثير، وفهم طبيعته بالشكل الذي تتمكن من التأثير عليه وجذبه إلى شخصيتها، لكي تحظى عنده بالمكانة الطموح، وعندما تتقن الدور، وتتحول من دور ملاحقته لتجعله يلاحقها، تكون قد اقتربت من الهدف. الشخص المقصود هو صاحب المركز أو الشهرة أو الثروة. العلاقة هنا ليست دائمية وانما تتوقف على ضمان صفقة المال أو المركز المالي (السياسي) المقصود. يلعب الحظ والحذق دوره مع هذا الصنف، فقد تقفز للشهرة بعملية واحدة، وقد تمر بجملة تجارب حتى صل للشخص المقصود والمرتبة الطموح. لكن هذا الصنف من النساء يؤمن بالعمل الجاد ويفرض على نفسه شروط قاسية في الطعام والرياضة وعلم اللغا والفنون والتنازل والمرأءاة لاغواء المقابل، ولكنها كذلك تكره المعاناة والألم.. وفي الغالب ننبع نساء هذا الصنف من طبقة دنيا وتسعى للقفز إلى أعلى النظام الاجتماعي والطبقي. * الصنف الثاني ينبع من فئات الطبقة المحافظة التي لا تتيح لها التقاليد حرية واسعة في الحركة، ولكنها غير راضية بمواقعها ولا تريد أن تبقى خارج الحركة الاجتماعية. قد تسعى للحصول على شهادة أكادمية عليا أو مرتبة مميزة في مجال اجتماعي اقتصادي، يحقق لها مركز اداري أو وجاهي محدد. غاية هذا الصنف عموما ليست المادة، ولكن المكتسبات المادية ومضاهاة المجتمع في المكانة دون أن تتجاوز إطار التقاليد والطقس الاجتماعي. بالمعاينة، يمكن تحديد ملمحين لأتباع هذا الصنف.. - عدم الاهتمام بالشكل وعدم الراجع أمام إشباع الغريزة. - كونها من فئة عمرية تقارب الأربعين أو تتجاوزها.
يصل الاعتداد بالذات عند هذا الصنف تحديدا حدّ الاسترجال واهمال مظاهر الأنوثة في ذاتها، ولا يشكل الرجل مركز اهتمام هذا الصنف، إما لكونها مرتبطة بزوج (محافظ) أو مطلقة/ أرملة، ولتقدم السن دور ملحوظ في هذه الفئة. فالمظهر ولغة الحديث وموضوعات المحادثة ليست بذي أهمية عند هذا الصنف. عدم الاهتمام بالشكل (الجسد) رغم عدم انفصاله من أزمات نفسية اجتماعية معينة كالكآبة والوحدة أو ضحية النزعة الاستهلاكية غير المقننة، فأن البدانة بدرجاتها هي سمة غالبة. ويقصد بالبدانة عموما، اختفاء منحنى الخصر (ما بين الصدر والورك) مما يجعل الجسم يأخذ شكلا اسطوانيا بقطر واحد من الكتفين فما دون أو اسطوانة منتفخة في الوسط. وفي هذه الحال تعزل هذه المجموعة نفسها من مظاهر الجمال والانوثة. صحيح ان المرأة ليست جسدا فقط، ولكن مدى كون الجسم طبيعيا محافظا على قياساه العادية لازمة لاحتماله. ويلحظ أنه في بعض المجتمعات يتم معاملة النساء المسنات (المترهلات) معاملة الرجال في اكثر من صعيد. * أين هي المرأة الطبيعية.. مصطلح الطبيعي هو عكس الصناعي أو المصطنع (مصنّع أو مصنوع). في السابق كامن المرأة، كما الفتيان، تخضع لاعتبارات اجتماعية محددة في التنشئة اعدادا للصورة المستقبلية، ولكن مع تراجع تقاليد المجتمع ودور العائلة التقليدي في التربية (لصالح المدرسة والتلفزيون والانترنت) صار الطفل، (ذكر وأنثى) أكثر تبعية لمناهج التربية والتنشئة والاعداد الحديث، والذي تعاني العوائل ومؤسسات الدولة الاجتماعية تبعاتها. فتفكك منظومات العلائق الاسرية والمجتمعية المتعارفة لدى الأجيال السابقة، اقترن بتغير مفاهيم الجسد والذات والرجولة والأنوثة، وصار الصراع الوجودي (الحياة) والصراع الطبقي (الثراء) أغراضا مشتركة لكل من الجنسين، فلا غرو.. أن يظهر ذلك التداخل والتقليد المشترك بينهما، فتيان يقلدون فتيات، وفتيات في شكل فتيان. شخصيا أعتقد أنه لا شيء يفوق من أبدعته الطبيعة من نظام ودقة وجمال، وكل تغيير في مقاساتها أو مظاهرها فهو تشويه وتدمير أكثر منه شيء آخر. وإذا كانت العولمة بحدّ ذاتها تدخلا في توجيه كثير من المنظومات الطبيعية، ولا تخفى تجارب التأثير في الجينات والانظمة الوراثية التي ليس هنا مجال التوسع فيها، فلا شك أن الانسان المعاصر، والمرأة خصوصا، الضحية العالمية الجديدة للعولمة الامبراطورية، مما يقتضي دق ناقوس الخطر واتخاذ تدابير ومحاذير مناسبة تخص البشرية (عقل وعاطفة وجينات) وفي المقدمة منها الانظمة التربوية الخاصة بالمرأة والطفل. أما انعكاسات التأثيرات الحاصلة حتى الآن، فليست مما يمكن اغفاله أو التساهل فيه، وله حديث آخر. * لندن الثامن عشر من نوفمبر 2009
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة من بعيد
-
صادق الطريحي في (أوراقٌ وطنية)*
-
-ولد للبيع-* الطفولة وبقايا الاقطاع
-
-هذا عالم جايف.. اكتب!-
-
سليم مطر في (إمرأة القارورة)
-
سيلين براكاش- أوزر
-
(سماء..)
-
المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..
-
مقاربات نصّية في قصيدة (خوذة الشاعر) لنجم خطاوي
-
الاستهلال السردي في قصة التسعينيات..
-
القصة العراقية في المنفى
-
عن فضاءات الطائر
-
الوطن -جنّة- أم -جنينة- في قصة باسم الأنصار (نحيا ويموت الوط
...
-
معرفة الحقيقة العارية والاستفادة من دروس الماضي
-
داليا رياض.. - رغم أني جملة كتبتها السماء-
-
ستة عقود في محراب الحرف- حوار مع الفنان كريم الخطاط
-
- أريد الطحين لأخبز معه أحزاننا-
-
مقدمة عامة في تجربة مظفر النواب الشعرية
-
حسن الخرساني و سقوط مردوخ
-
مفيد عزيز البلداوي وقصيدة الحلزون
المزيد.....
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
-
المملكة المتحدة.. القبض على رجل مسن بتهمة قتل واغتصاب امرأة
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|