|
خرافة سندريلا المسكينة تمتهن الأنثى ومادونا تعيد إليها الروح
وجيهة الحويدر
الحوار المتمدن-العدد: 863 - 2004 / 6 / 13 - 08:58
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
من يتصفح الحكايات الفلكلورية ويتمعن في القصص الشعبية عالميا يجد فيها هنا وهناك شيئا ما يُبرز ملامح وتقاسيم من شخصية سندريلا اليتيمة. كانت قصة سندريلا المشهورة وماتزال، هي الحكاية الدرامية الأكثر تداولا بين صغار العالم وبين الصغيرات منهم على نحو خاص. سندريلا فتاة بائسة محرومة من متع الحياة بسبب زوجة والدها الظالمة. والدا سندريلا لا يشكلان أي تأثير في مجريات القصة لأنهما متوفيان وهذا له مدلوله. نجد شخصية زوجة الأب الغليظة وبناتها اللئيمات يلعبن دوراً هاماً في حياة سندريلا، ويجسدن أبشع النساء وأقساهن على حسب ما نقلته أحداث القصة لنا. تتوالى فصول الحكاية بثقل حيث تظل سندريلا تكابد الأمّرين، وتكتوي بسياط الذل والحرمان بكل أصنافه، إلى أن يلج عالمها الكئيب وبعصا سحرية، ذاك الأمير الذي تتفتق أساريره وسامة وطيبة. يأتيها الأمير الجميل منتشياً بشموخ الملوك، ومتسماً ببهجة المبشرين بدين جديد، فينتشل فتاته قليلة الحظ والمال من براثن الشقاء، الذي كانت تتلظى بلهيبه ونيرانه. ثم يحط بها بين أحضانه الدافئة التي تقطر محبة وخيراً وثراء. وتُختم القصة بنهاية سعيدة ومفرحة مثل كل حكايات الأطفال الزائفة. قصة سندريلا قصة تقليدية للغاية، فهي مرسومة بدقة على حسب الحال الذليل للإناث والقائم آنذاك، والذي مازال متفشيا حتى الوقت الراهن في أجزاء كثيرة من العالم. أيضا هي محشوة بترسبات تاريخية مهترئة. حكاية سندريلا ترسخ في بدايتها مفهوم علاقة الأنثى بالأنثى، وتوضح بأنها قائمة على تعامل مفخخ بالعنف الأنثوي المقيت، ومحفوف بالازدراء النسوي القاسي، وملغما بمكائد "الحريم" وخستهن. أيضاً تظهر الحكاية جانبا مهما في التعاملات الإنسانية على الضفة الأخرى، وهو علاقة الأنثى بالذكر. فهي تتمثل في علاقة الغريقة بالمنقذ، والضعيفة بالقوي، والفقيرة بالغني، والصعلوكة بالأمير، والمَسودة بالسيد، والمسلوبة الإرادة بكامل الإرادة. تبين تلك الحكاية الموبوءة بطريقة واضحة لا لبس فيها، انه إذا أرادت الأنثى النجاة من جحيم الحياة فما عليها إلا أن تفتش عن الذكر بشغف، وترمي بنفسها بين أحضانه، لأنه هو من يمتلك مفاتيح جنة الدنيا وملذاتها، فهو الحل التمثل لمآسيها، والعلاج المداوي لشقائها، والبلسم الشافي لمجمل جراحها النازفة. المؤسف انه مازالت خرافة تلك الفتاة التعيسة سندريلا تعشش كل يوم في عقول الصغيرات والصغار، وتترسب في قلوبهم، وتجتاح نفوسهم وتستعمر أرواحهم بسماجة دون حسيب أو رقيب. والمحزن إن مفاهيم تلك الحكاية المعطوبة تشكل ركنا لا يستهان به في قاعدة انطلاقة الأطفال الأولى، وتشيّد نظرة غير متكافئة وغير صحية بين الجنسين. ظلت إناث الغرب وذكوره يجترون تلك المفاهيم المبنية على أسس خاطئة لدهور، إلى ان أوقفت، بجرأة، نجمة غناء البوب الأمريكية "مادونا" سرب القطعان ذاك، وخلخلت تركيبة وتصفيف أحداث قصة سندريلا المسيسة في أذهانهم. قامت تلك المرأة الساحرة المتمردة "مادونا" في سبتمبر من العام المنصرم، بإصدار أول مجموعة من سلسلتها القصصية للأطفال والتي أسمتها بـ "الزهور الإنجليزية" قصة "الزهور الإنجليزية" كان لها صدى كبير في العالم، فقد وزِعت في أكثر من مئة دولة، وتُرجمت حتى الآن إلى ثلاثين لغة، اللغة العربية ليست إحداها ولاعجب في ذلك. نفدت الطبعة الأولى في البلدان الاسكندنافية مثل السويد والدنمارك في خلال ساعات من صدورها، من شدة اقبال الناس على شرائها. أما في بريطانيا وأمريكا فهم الآن يتأهبون بإصدار الطبعة الرابعة. ملايين النسخ بيعت هناك ومازال عليها الطلب قائم بتلهف. حسب ماذكرت وسائل الإعلام الغربية أن ريع السلسلة القصصية تلك لن تقتنيه المطربة الحسناء "مادونا" لنفسها، بل سيقدم مساعدات للمؤسسات الخيرية التي تعنى بشؤون الأطفال وهمومهم. ليس مهما أن نتفق مع نمط حياة "مادونا" أو نختلف معه، لكن من الضرروي جدا أن نعي أن سر رواج الزهرات الرائعة "لمادونا"، هو لأنها قلبت موازين الموروث، ونبشت في الأفكار المدسوسة للأطفال بخبث، كما يُدس السم في الشهد المشهي، وخلصتهم منها برقة وذوق. كثير من النقاد وجدوا بين سطور السلسلة القصصية يسكن بعض من معالم "مادونا". ففي واحدة من السلسلة تحكي قصة فتاة جميلة كئيبة ووحيدة، لكنها استطاعت أن تثبت وجودها بقدراتها الذاتية دون مساندة ذكر، "كمودونا" التي مرت عليها أيام من سنين شبابها لم تكن تجد كسرة الخبز التي تسد بها رمقها. كانت "مادونا" في ريعانها شابة مطلقة مسحوقة معدمة، ومشردة دون مأوى، لكنها تمكنت في النهاية من الخروج من مستنقع الفقر المدقع، إلى التحليق في عالم الثراء والشهرة، دون مساعدة أمير أسطوري خارق، ولا خرافة عصا سحرية وشعوذات وتعويذات. قد يكون ما أنجزته "مادونا" يزدريه الكثير، لكنه كان هو ما حلمت به، وعملت على تحقيقه بنفسها وبهمة، وهذه هي الجزئية المهمة في نموذج "مادونا"، وهو ما يمكن أن يُطلق عليه إنجاز حقيقي. اليوم إذا تفحصنا حال النساء العربيات، نجد في داخل الكثير منهن رواسب كثيرة من شخصية سندريلا اليتيمة تقطن لعقود مديدة. فالذل والامتهان، وقلة الحيلة، والإحساس بالدونية، ونقصان العقل، جميعها جرعات يومية تقتات عليها العربيات الصبايا منهن والمسنات. تكبر الأنثى العربية وعلى وجه الخصوص الخليجية، بتلك النفسية السقيمة وهي في انتظار قدوم ذاك "الأمير" الذي قد يأتي مشوها أو ممسوخا أو كسيحا، وقد لا يأتي أبدا، لكن على أية حال هي تعيش دون حياة، لذلك لن يضيرها شيئا أن تحيا من أجل ذاك الذكر الموعودة به، والذي تستأنس بطيفه في وحدتها. فهي تتربى على أن تبني أحلامها على "الأمير الجميل" القادم لها محملا بأكاليل السرور، وأهازيج الفرح، وتعلق عليه جميع أمانيها، وكل شؤونها الصغيرة والكبيرة منها. الفتاة العربية تحوم طوال حياتها حول محور رئيسي واحد وهو الذكر، لذلك طموحاتها تمسي وتصبح ضيقة جدا كخرم الإبرة، فلا تتسع ولو لوهلة لأن تجد في ذاتها مساحة، لتتبنى شيئا من تقاسيم "الزهور الإنجليزية." فخرافة سندريلا المسكينة واسطورة الأمير المنقذ حالة هروب مزمنة، تتعاطاها كثير من الإناث العربيات ليل نهار، لتخفف عنهن وجع الشعور بالدونية، وآلام الامتهان، وسقم الخيبة والخذلان التي يكابدنها منذ قرون، من ضفاف الخليج إلى حواف المحيط. ستظل حكاية سندريلا تلوكها صغيرات العرب بنهم لسلسلة طويلة من الأجيال القادمة، طالما الإحساس بالقصور حليفهن، والحرمان من اقتناء ذواتهن هو قدرهن، والتهميش هو الأسلوب المخيم بسدوله بعنوة على حياتهن وكاتم لأنفاسهن. ودون أدنى شك ستبقى سندريلا ومنقذها المنتظر خرافة سخف وهراء وثرثرة خرقاء تجوب عرضا وطولا في هذا الشرق الكئيب المعتل إلى اجل غير مسمى..
كاتبة سعودية
#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجيهة الحويدر تتلقى تهديداً بالإعتداء - إن يدنا تطول امثالك
...
-
العنوسة خير ألف مرة من الزواج من رجل في هذا الشرق البائس
-
لا يكفي أن يسترد النساء العربيات حقوقهن! أيها الفحول: دماء ا
...
المزيد.....
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|