|
تجربة لجنة الحقيقة والمصالحة : نظام البعث استورد التعذيب الشرجي من جنوب أفريقيا - الجزء الرابع
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 863 - 2004 / 6 / 13 - 08:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لذكرى الشهيد نبيل اليسار العراقي " نبيل نديم " .
حالات العفو : تلقت لجنة الحقيقة والمصالحة الجنوب أفريقية ما يربو على 7000 طلب للعفو، أغلبيتها من سجناء يقضون عقوبات بالسجن وكانوا قبلا يعملون في الأجهزة الأمنية والقمعية الحكومية . وكانت لجنة أخرى من اللجان الفرعية التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة – وهي لجنة العفو المستقلة ذاتياً، والتي ترأسها قاض في المحكمة العليا – مسؤولة عن النظر في هذه الطلبات والبت فيها. وجرى البت في العديد منها على أساس الأوراق المقدمة، من دون عقد جلسة. لكن في 1000 حالة على الأقل ، تم التوصل إلى قرارات حول الطلبات عقب عقد جلسات علنية أمام لجنة العفو. ومن بينها حوالي 50 حالة تتعلق بمقدمي طلبات كشفوا بأنهم هم أو أفراداً آخرين في الشرطة استخدموا التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة الشديدة ضد المعتقلين أو ضد أفراد اختطفوهم وقتلوهم فيما بعد. الضحايا كشهود : ويشير سجل الجلسات إلى أنه في عدد من الحالات، كان الناجون من التعذيب أو أقرباؤهم أو ممثلوهم القانونيون حاضرين للطعن في الروايات التي أدلى بها مقدمو الطلبات. وفي أغلبية الحالات الخمسين، منحت لجنة العفو عفواً على أساس أن مقدم الطلب التزم بشروط الفقرة 20 من القانون ، حيث أماط اللثام "بالكامل عن جميع الحقائق ذات الصلة؛" وحيث إن الفعل الذي كشفه "مرتبط بهدف سياسي وارتُكب في سياق النـزاعات الماضية،" وقد ارتكبه أو أصدر أمراً بارتكابه أو خطط له موظف في الدولة يتصرف في سياق مهامه وضمنها، أو عضو في منظمة سياسية معروفة أو حركة تحرير أو مناصر لها لتحقيق أهدافها. جلاد يعترف : سعى جيرهاردوس نيوودت، الذي كان أحد الأفراد الأسوأ سمعة في الشعبة الأمنية للشرطة في بورت إليزابث، لطلب العفو بشأن عدد م القضايا الشهيرة، ومن ضمنها الاعتداء على الناشط السياسي مخوزلي جاك في أغسطس/آب 1985. وزعم جيرهاردوس نيوودت في شهادته أنه بموجب أحكام قانون الطوارئ الرسمي المعمول به في حينه، أُجبر في سبيل "المصلحة الوطنية" وتعرض للضغط من أعلى السلطات السياسية لتهدئة "الاضطرابات". وتضمن ذلك اعتقال مخوزلي جاك واستجوابه في محاولة لكسر مقاطعة المستهلكين للشركات المحلية. وزعم جبرهاردوس نيوودت أنه عندما أثبت المعتقل أنه "عنيد للغاية"، أمسك بسوط بلاستيكي أسود وجلده عدة جلدات على جسمه وساقيه … وكانت طريقة لإضعاف مقاومته. وذكر أنه استفاد من أنظمة الطوارئ التي "منحته حماية واسعة … من المقاضاة والقضايا المدنية" : وقال إنه إذا نشأت قضية ضده أو ضد أعضاء آخرين في الشعبة الأمنية، "كنا نحاول التستر عليها أياً تكن القضية لضمان عدم وصولها إلى المحكمة". بيد أن اعترافاته التي صيغت بعبارات متأنية، فُنِّدت بالكامل خلال الجلسة العلنية التي عُقدت في سبتمبر/أيلول 1997 للاستماع إلى مخوزلي جاك ومحاميه. وتحدى المحامي جيرهاردوس نيوودت، زاعماً أنه لم يعتدِ على المعتقل فقط، بل إنه قام بمساعدة رجال شرطة آخرين بممارسة أسلوب التعذيب "المعروف بتعذيب الهليكوبتر" ضده. ونفى جيرهاردوس نيوودت هذا الأمر. واستطاع مخوزلي جاك الذي حضر الجلسة أن يواجهه : "سأتلو ما جاء في إقرار مشفوع بالقسم كان أساساً للمطالبات المدنية التي … قامت (الشرطة) بتسويتها على أساس المعلومات الواردة في هذه الوثيقة... " أخرج العريف (ضابط الصف) كوتزي منشفة وربطها بشكل مرتب حول كل واحد من معصميّ ووضع أصفاد اليدين فوق المنشفة. وشد الأصفاد بإحكام. وأُمرت بأن أجلس على الأرض وأن أضع ذراعيّ المكبلتين بالأصفاد فوق ساقيّ. ثم أُدخلت عصا تحت ركبتيّ وفوق ساعديّ، حيث تم تثبيتي في وضع انحناء دائم. ودخل نيوودت الغرفة … عندئذ رفعني كلا الرجلين بواسطة العصا وعلقاني بين طاولتين… ( الحذوفات موجودة أصلا في تقرير منظمة العفو .. ع.ل ) تعذيب الهليوكبتر : "وتعرض نحو 60 مقدم طلب آخر، شكلوا أساساً للقضية المدنية، لهذه المعاملة. وقد شارك هو (نيوودت) في تعذيب 80 بالمائة منهم … ولن أخوض في هذا الحديث المؤلم، لأن الجميع يعرفون ما هو هذا الشيء [تعذيب الهليكوبتر]… وأجد غرابة في عدم تذكره هذا الأمر، فقد كان في حينه يتبجح حول كيفية اعتدائه على جميع الأشخاص الآخرين … كيف … يمكن لنيوودت أن ينكر هذا، في الحقيقة لا أستطيع أن أفهم ذلك. كيف يأمل أن يحصل على عفو؟ إن هذا المنبر المخصص للعفو يجب أن يستخدم بالاحترام الذي يستحقه ولا يجوز تحويله إلى مهزلة تهدف إلى إهانة العائلات … أنا وعائلتي وعائلات العديد من الأشخاص الآخرين الذين لن تتاح لهم فرصة المجيء والتكلم أمام هذه [اللجنة]…" ورد محامي جيرهاردوس نيوودت قائلاً إنه من غير المحتمل أبداً أن يكون الأخير قد علَّق على مسؤوليته عن الاعتداءات "أمام شخص سيتمكن يوماً ما في نهاية المطاف من أن يدلي بشهادته ضده". فرد مخوزلي جاك : لم يعتقد (نيوودت) قط إنه سيواجه يوماً هؤلاء الأشخاص هنا وهو جالس هنا … ولم يكن يخشى دعاوى المعتقلين". وفي الواقع، كانت الغطرسة التي مارستها الشعبة الأمنية أمداً طويلاً، والتي انعكست في شهادة جيرهاردوس نيوودت، هي التي أفشلت طلبه في النهاية. فقد رفضت لجنة العفو طلبه على أساس أنه لم يدلِ "بمعلومات كاملة" وأن الاعتداء المحدود الذي اعترف به لم يكن عملاً مرتبطاً بهدف سياسي. التعذيب الشرجي : وفي قضية أخرى، حظي قرار لجنة العفو بمنح بالصفح عن شرطي سابق في الشعبة الأمنية في دربن هو كريستو نل بسبب دوره في تعذيب معتقل اسمه يونس شيخ في يوليو/تموز 1985 حظي بدعم الضحية نفسه أي إن يونس الشيخ ذاته وافق على العفو عن جلاده . وأدلى كريستو نل بشهادة قال فيها إنه أمسك بالمعتقل بينما كان رجال شرطة آخرون يعذبونه. وقال إن أحد ممارسي التعذيب كان طبيباً "أدار" في الحقيقة تنفيذ طريقة التعذيب (الشرجي) "غير المعتادة بالمرة" التي مورست ضد يونس شيخ.ونفتح قوسا هنا لنشير إلى أن الأجهزة القمعية في نظام البعث وفي زمن رئاسة الدكتاتور أحمد حسن البكر كانت قد استعملت هذه التقنية الجنوب أفريقية في التعذيب ( التعذيب الشرجي ) على نطاق واسع . وخلاصة هذا الأسلوب هو أن الجلادين البعثيين والعنصريين البيض في جنوب أفريقيا كانوا يرغمون المعتقل على الجلوس عاريا على قنينة زجاجية بما يجعلها تدخل في شرجه وذكر بعض المعتقلين العراقيين إبان هجوم السلطة على أنصار الحزب الشيوعي في سنة 1978 وما بعدها أن بعض تلك القناني كانت مكسورة الأعناق . وبالعودة إلي المعتقل الأفريقي المار ذكره – يونس الشيخ – الذي احتُجز في الحبس الانفرادي طوال 11 شهراً، قد أبلغ لجنة العفو أنه يتفق بصورة جوهرية مع الرواية التي أعطاها مقدم طلب العفو الذي كان يتولى تعذيبه . وقال الشيخ "لقد أصغيت … وأحسست كما لو أنني أعيش من جديد ذكرى مؤلمة." وتابع قائلاً بأريحية، إن اعترافات كريستو نل قد أتاحت فرصة (ليونس) وعائلته لطي صفحة" فترة كان فيها أيضاً والده وثلاثة من أشقائه معتقلين وأُصيبت والدته بنوبة قلبية وتوفيت. وهو نفسه كان يختزن كماً هائلاً من الغضب بعد الإفراج عنه. ورأى أن مقدم الطلب أبدى بعض الشجاعة في المثول أمام اللجنة في الوقت الذي تخلف فيه "العديد من رجال الشرطة الآخرين" عن القيام بذلك. الأرواح العظيمة تعفو : إن موافقة يونس الشيخ على منح العفو لجلاده الذي اعترف وكان صادقا في اعترافاته واعتذاره يعكس الجوهر الحقيقي لهذا المناضل الشجاع ذي الروح العظيمة والذي سما على آلامه وأحقاده فغادرة حفرة أحزانه السوداء وأطفأ الكم الهائل من غضبه وصعد نحو مجد الرحمة والعفو عن جلاد بائس كان مجرد برغي صغير في ماكنة القمع العنصري الرهيب ، ولهذا يمكن القول أن سماحة هذه الروح العظيمة التي تحمل اسم يونس الشيخ قد رسمت خطا فاصلا بين ذوي الأرواح العظيمة المنتصرين على ذواتهم والقادرين على العفو عن المذنبين وبين ذوي الأرواح القزمة الذين يأكلهم الحقد والكراهية فلا يستطيعون الانتصار إلا على جلواز صغير كان ذات يوم ضابط شرطة يجلد المناضلين المعتقلين أو يطلق الرصاص على الأبرياء العزل إلا من ضمائرهم الحية . في الجزء التالي والأخير من هذه المقالة سنستكمل هذه القراءة في تجربة لجنة الحقيقة والمصالحة وصولا إلى الخلاصات والاستنتاجات التي نقترحها على القارئ فللحديث صلة إذن قريبا .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربة لجنة الحقيقة والمصالحة : و معادلة العفو المشروط مقابل
...
-
تجربة جنوب أفريقيا أكدت: تحقيق العدالة يؤدي إلى المصالحة ولي
...
-
فضيحة الوزير الجلاد: التصفية العادلة لملفات القمع الشمولي وت
...
-
المبسط في النحو والإملاء الدرس الثامن والأربعون / التمييز /
...
-
توضيح ومناشدة : لتكف الأقلام العراقية الوطنية عن الاحتراب ال
...
-
المبسط في النحو العربي والإملاء الدرس السابع و الأربعون : ال
...
-
الزرقاوي أخطأ العنوان في كل مرة وليس هذه المرة فقط !:
-
محاولة عقيمة أخرى لتكريس الجلبي زعيما طائفيا بعد تصفية الصدر
...
-
قصة السيد العلوي والطبيب القواد .
-
حين ينعت اليساري الكادحين في تيار الصدر بالرعاع !
-
من رفض وثيقة السلام في النجف وكربلاء: السيد الصدر أم مهندس ا
...
-
النفاق الطائفي بين قبة ضريح علي بن أبي طالب ومقر الجلبي !
-
الفضائيات العربية تمارس تعتيما طائفيا على المقاومة في الجنوب
...
-
الدرس السادس والأربعون : المستثنى وأسلوب الاستثناء
-
المؤتمر التأسيسي ماله وما عليه
-
بمقتل مقتدى سيسقط التشيع الفارسي وسيصعد التشيع العربي العراق
...
-
المبسط في النحو والإملاء : الدرس الخامس والأربعون : أدوات نص
...
-
المؤتمر التأسيسي العراقي القادم مخاطر ومحاذير : لكيلا تستبدل
...
-
صدام في محكمة آل الجلبي تحت العلم الأزرق ؟
-
عَلم ودستور ومجلس حكمهم ... كل ٌّ عن المعنى الصحيح محرَّف
المزيد.....
-
نخب -صداقة العمر-..4 صديقات يُعدن إحياء صورة لهنّ بعد 35 عام
...
-
السعودية تتقدم على مصر ودولة عربية تلحق بهما.. ترتيب القوة ا
...
-
-الكتاب الأبيض-.. استثمارات الصناعة العسكرية والدفاع في أورو
...
-
اليوم العالمي للنوم: إليك خمس نصائح إن فعلتها في الصباح تمنح
...
-
كالاس: واشنطن وعدتنا بعدم قبول أي شروط روسية حول أوكرانيا إل
...
-
علاج بطعم الموت لمدة 10 دقائق
-
مصري يدخل موسوعة غينيس ويحطم رقما جديدا خلال صيامه
-
عاصفة مدمرة في كاليفورنيا (فيديو)
-
المجلس الوطني الكردي يرفض الإعلان الدستوري السوري المؤقت
-
أرمينيا وأذربيجان تتوصلان إلى -اتفاق سلام- بعد نحو 40 عاما م
...
المزيد.....
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|