|
من بقايا الزمن الجميل .. عبد العزيز المعموري إنموذجا
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2840 - 2009 / 11 / 26 - 17:14
المحور:
الادب والفن
إن كانت المراحل السياسية في البعض من فصولها ، تقاس بمقاييس رجالاتها ، وتعبر عنها بهذه الدرجة أو تلك من الصدق والامانة من حيث السرد التاريخي ، سير أولئك الذين ساهموا بصنعها وترتيب مسببات تكويناتها التفصيليه .. إن كان ذلك يحمل جانبا من الصحة ، فإن للحياة الادبية والثقافية هي الاخرى ذات التوصيفات من حيث كونها عبارة عن جملة من المسارات الحياتية المتطوره ، لها أفذاذها ممن برزوا على جنباتها وهم يقودونها صوب التألق والازدهار. فالأدب والفن كما السياسه ، إن كانت هناك حقا فواصل تميزهما عن بعضهما البعض ، لهما قامات تفرض وجودها عنوة على الذاكرة الانسانية مهما بالغ الاضداد في محاولاتهم طمر فصول التاريخ ، ومهما اجتهدوا في إختراع مسببات الغدر بسمعة وعطاء من ساهموا في وضع لبنات الفكر الحديث بين ظهرانينا ، وأبقوا لنا تراثا فكريا متألقا ، لا يمكن إغفال معانيه عند الاقدام على دراسة مختلف جوانب التطور الحاصل في بلداننا . العراق .. وفي مرحلة ما من تاريخه ، وحين انزوت صاغرة جميع الترهات الفكرية المحافظة والتقليديه ، كانت فيه وعلى الساحة الثقافية هامات بدأت في حراكها وتفاعلاتها وهي تسعى صوب خلق لوحة فكرية تزهو عليها الوان التلاقح والتجاذب الخلاق ، دون السعي لكسب مال أو جاه أو موقع رسمي رفيع .. فكانت مقاهي بعينها وبأسمائها المعروفه مسرحا يشهد يوميا شتى أنواع الجذب الثقافي والفكري ، وتلتقي عنده أسماء معروفة في مجال الشعر والقصة والرسم وتأليف الموسيقى .. انهم كيانات لا ترتدي بزة الاناقة ، ولم يعمر نفوسها ترف الصالونات الرسميه ، ليكونوا بحق أعمدة تأسست عليها جميع الصروح الثقافية العراقية الاخرى قبل أن تنشب ظروف العسف والقهر وحصار الحروب المجنونة أنيابها في أوصال الشعب برمته ، لتجعل الحياة بلا لون ولا طعم ولا رائحه . وبعد أن غزت البلاد ريح صفراء ، وانهدت جميع أعمدة الثقافة بمختلف صنوفها ومسمياتها ، تشتت قاماتنا الثقافية بين لاجيء ومنقلب على ذاته بفعل اليأس ، وبين ميت لا يمتلك غير قبر تلفه مأساة الغربة ويعم محيطه الخراب . غير أننا نجد بين الحين والآخر ، ثمة مصادر لا زالت تطلق شراراتها الضعيفة هنا وهناك ، لتقول ما تريد قوله ، كي تروي لنفسها على الاقل ، سيرتها الذاتية مكتوبة أو حتى على جهاز تسجيل ، لتعبر عن رغبتها في تحريك شيء مما ترغب بقوله قبل فوات الاوان .. انه سرد لا تغيب عن مضامينه تلك الحسرة المؤلمة على ما فات ، وشديد التألم مما حل .. وحري بنا أن نسمع تلك الاصوات التي لم يفنها سقم الواقع المزري ، علنا من خلالها نستطيع الحصول على عقاقير تنشط فينا روح المطاولة في لعبة الحياة الجميله . عبد العزيز المعموري ، هو واحد ممن عايشوا فترات التقلب السياسي في البلاد ، وراهن ولعدة مرات في أن يثقب حاجز الصمت التقليدي أمام ظواهر العرف الديني والاجتماعي وأحيانا السياسي ليقول ما يريد قوله منشورا هنا وهناك ، وإقتحم كما يروي لنا ، أبوابا كانت في مواقعها بعيدة عن مسرح حياته وهو المنحدر من عائلة فلاحية تبعد عن العاصمة بغداد بمسافة طويله .. ونال نتيجة لذلك عواقب الفصل السياسي والاعتقال ، وتسببت مواقفه المتمرده بالكثير من المتاعب لاسرته البسيطه ، شأنه شأن الكثيرين من الجنود المجهولين ممن لم يكسبوا غير بوادر التجاهل والضياع وسط لجة بحر من التسلط المبني على النفعية والانتهازية والاستهانة بدوافع الضمير . . فهو رغم علاقاته الحميمة بشعراء مثل عبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد ومن الكتاب المعروفين حسين مردان وفيصل السامر وشخصيات اعتبارية معروفة اخرى مثل الاقتصادي المعروف ابراهيم كبه ، رغم ذلك كله ، فانه لم ينل ما ناله هؤلاء من صيت وشهرة كان يطمح لها وبحق ، وكان له بعد أن أعيته الحيلة في التعامل مع هكذا نواميس مضطربه ، لا تحكمها ما تعود عليه من موازين الشرف والعفة والنقاء ، أن يبقى منزويا مراقبا ، ليس لديه سوى قضم فصول الماضي الجميل والحسرة على ما بلغته الامة من هوان . يقول الاستاذ عبد العزيز المعموري في حوار أجراه معه ولده الدكتور عصام المعموري ( لقد كتبت العشرات من المقالات وفي مختلف هموم الشعب والثقافه ، لكن أحدا لم يرد علي ، فكنت أردد في نفسي قول الشاعر – لقد أسمعت لو ناديت حيا ، ولكن لا حياة لمن تنادي ) .. ويسرد المعموري من خلال ذلك الحوار جزء من سيرته الذاتية والعامرة بتلك النشوة المنطلقه من روح كان يعمرها حب التمرد على كل ما هو تقليدي ، فلقد كان هو ومن عاصره من الادباء والفنانين إبان فترة الذروة في العطاء ، يتحركون في حيز ليس له حدود جغرافية بعينها ، همهم الوحيد هو كيف يضعون الكلمة والقصيدة واللحن المعبر في زاوية من زوايا عالمهم المتحرك دوما ، شرط ان تكون النتيجه وجع الخصم سياسي كان أم غيره .. حيث لم يكن لحسين مردان مثلا أو فيصل السامر أوعبد الوهاب البياتي أو ابراهيم كبه مطامح بعينها يتمنون من خلالها الوصول الى أبعد من مقهى أو مسرح أو مقر لجريده . لم يكن للمعموري شجرة عائلة يفخر بها غير شجرة العراق ، فمسقط رأسه في محافظة ديالى ، وهواه ضل جنوبيا يحن دوما لرائحة الرز العنبر في مدينة الشاميه ، وكان قبل ان تتشضى الروح العراقية بفعل الطائفية المقيته ، لا يقوى على مفارقة التناغم مع الحس الجنوبي المسيطر على روحه ، ولم يغب عن دواخله الاحساس بعذوبة الشمال العراقي حيث نفته كلمته المتمرده حينا من عمره الى قرية( كاني ماسي) في شمال العراق . ترى .. متى يصار الى تشريع عرف – وليس قانون – يجعلنا نقف إجلالا لأولئك الاوائل ، ممن بنوا لنا صرحا من العطاء الثر ، وذهبوا عنا دون ان نعرف حتى مواقع قبورهم .. ومتى يصرح لنا بأن نأخذ بأيدي من بقي حيا منهم ، لنحتفل به ونمنح لروحه الفرح والشعور بالكبرياء ؟؟ .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهلا .. لقد إكتشفنا مؤخرا ما يحميكم من ( انفلونزا الخنازير )
...
-
من يحمي النساء المتزوجات من ( عرب ) في البلدان الاوروبيه ؟؟
...
-
عن أي مسرح نتحدث ، والمواطن في بلادنا تأكله أرضة الفقر ؟؟
-
لتتوحد كافة الأصوات الوطنية والتقدمية في بلادنا من أجل نصرة
...
-
بين هموم النخبة الثقافية ، ومعاناة الجماهير .. مسافات لا زال
...
-
ألبغاء .. وحياء المجتمع .
-
صوتها من داخل الطائره
-
لتتوقف جميع دعاوى التصدي الرجعي للمفكر والكاتب التقدمي سيد ا
...
-
حملة من أجل إطلاق سراح الملكين المحجوزين بأرض بابل
-
ألقطيعة بين قمة الثقافة العربية وقاعدتها .. أزمة تبحث لها عن
...
-
ترى .. من يحمي بناتي من أجلاف البشر ودعاة أعراف الموت ؟؟
-
ما ألمانع من خلق جبهة تتوحد فيها قوى التحرر القومي والوطني ا
...
-
هذيان اللحظة الأخيره
-
صرخة ألم في فضاء عذابات المرأة العراقية .. بائعات الملح يبصق
...
-
عشق ما بعد الستين
-
إعتذار
-
نداء عاجل لكافة الوطنيين والتقدميين في العراق
-
فلتسقط السياسه .. وليتوقف تدمير عراق النهرين والشط
-
تحدي
-
إشراقات خارج حدود وطن الأزمه
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|