|
تصميم الصراع الذكي
عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 2839 - 2009 / 11 / 25 - 17:39
المحور:
كتابات ساخرة
تم إبراز هذه الفكرة الجديدة - القديمة إلى الوجود بعد أن عثر عليها أحد "الدهاة" في كتاب ديني (مسيحي) قديم ونقل العبارة نصاً: "التصميم الذكي" Intelligent Design فهللوا لها كثيراً في وسائل الإعلام الغربية أولاً ثم قالوا بوجوب تدريسها في المدارس الأميركية، للتجربة، كبديل محتمل للداروينية "المشكوك في أمرها"! وهي مشكوك بأمرها ولكن من وجهة نظر "الإبراهيميات" وليس من وجهة نظر المبدأ النبيل في الشك العلمي ومواصلة الإثبات، حتى قبل أن يصرّح الرئيس المؤمن رونـَلـْد رَيْكَن Ronald Reagan أن الداروينية "مجرد نظرية" Just a theory ! ألمْ يُبْـنَ عليها كل جديدٍ في علم الأحياء، كالـ DNA وعلم الجينات وكذلك تطور علم الجينوم، و"التطورات" الأخيرة بعد اصطفاء رَيْكَن من قبله تعالى ورحيله الى جنات الخلود؟! فهذا التصميم الذكي هو ليس فقط ذكياً لأنه تخلص من تعابير محرجة مثل "الخليقة"، أو لأنه استعمل تعبيراً حديثاً ينسجم مع "التطور" الحديث لا للملابس فقط وانما في كل أمور البضائع، فان بيير كاردن وغيره مثلا يصممون كل شئ ولا مجال للمقارنة هنا لأن مجرد التفكير بالمقارنة بين تصميمات الخالق وتصميمات بيير كاردن قد يُعد كفراً خصوصا في الوطن الكبيرالذي يمتدُّ ويمتدُّ من المحيط الى المحيط، فهذا التصميم يُفرزُ ذكاءاً ينسجم مع الظرف الصحراوي أيضا حيث على قدر أهل العقول تأتي قدراتهم العقلية، وحيثُ لايكلف اللهُ عقلاً إلاّ وِسْعَهُ! ولكن العرب قد أثبتوا حقاً بأنهم لا يقلون بأي شكل من الأشكال عن الأقوام الأخرى فهماً للحضارة وتطبيقاً لها، ألم تسبق عصورُهم الذهبية العصورَ الـ"ذهبية" الحالية للغرب؟! ألم يكن مهد الحضارة في العراق؟ لكن التصميم العربي تصميم منقول وتصنيعه محلياً لا يدخل في القرصنة التجارية المعروفة والمحرمة دولياً (أي تقليد البضاعة وتصنيعها وبيعها في الخفاء) هو فعلا غاية في الذكاء لأنه يجعلنا نسقط مغشياً علينا لشدة الإعجاز اللغوي الذي ينم عن فهم للتطور الفكري والعلمي والحضاري! وإذا شئنا التلاعب باللغة المقدسة الى حد الإعجاز فإننا سنلجأ الى المعنى الآخر لـ "التصميم" أي الإصرار، فلابد من تغيير جذري في الطرف الآخر للمعادلة اللغوية بتحويل الذكاء الى أمر آخر! ولا بد ان يكون الناس أنفسهم تصاميماً ذكية ايضا، ولابد ان تكون بعض هذه التصاميم اشد ذكاءا من غيرها! ولكن كيف يمكن اعتبار بعض التصاميم غبية؟ وما هو التصميم الغبي؟
هل الصراع بين العلم والدين صراع اساسي من وجهة نظر العلم في الوقت الحاضر؟
العلم يُجبَر على هذا، يُجبر على الصراع بسبب سلوك الرأسمالية المعادي، وهذا السلوك نتاجٌ لرد الفعل للاحصائيات بين السكان، والتي تجريها بشكل دوري المنظمات التابعة للنظام الرأسمالي، وتتصرف بحزم إزاء التقدم العلمي على الأسس التي تتنبّأ بها تلك الاحصائيات.
لأن ما هو أساسي هو الصراع الاقتصادي، الصراع الطبقي، الذي تحاول الرأسمالية سكب الماء عليه. إن شكلاً واحدا من هذا الصراع قد يتضح في موقف شعب العراق من احتلال بلاده باعتباره مثالا صارخاً، وآخر، غير صارخ، هو في أن امرأة مسنة سوداء فقيرة في قرية أميركية تحاول أن تخمّن ما عسى أن يقول القس عن ذلك في كلمته يوم الأحد في الكنيسة التي تؤمّها.
لا تزال الرأسمالية وعميلتها المسيحية-اليهودية، مصرّة، ويصر حلفاؤها في الشرق مثلها، على زرع الله في عقول الصغار، لأن بديل الإيمان سيكون الذهول في وجه الحقيقة، وهو ذهولٌ قد لا يستطيعون مواكبته في عصرنا.
لكن مصيبتنا في هذا العصر أن هذا صراع غير أساسي، لأن الصراع الحقيقي هو من أجل سقف ولقمة خبز لبضعة مليارات من البشر، في كثير من الأحيان لقمة خبز بالمعنى الحرفي وسقف خيمة بالمعنى الحرفي فعندما تنتشر ظاهرة معيشة ملايين العوائل في المجاري والمقابر في العالم الثاني (لم يعد هناك عالم ثالث) سنعرف أن هذا لن يعود مجرد ظاهرة لنتيجة طبيعية في اختفاء عدة ترليونات من الدولارات من ميزانية الكرة الأرضية، لتعود أسعار الذهب والنفط للصعود ثانية بعد أشهر فقط من ذلك الاختفاء. ومن ناحية أخرى، في الصراع الثانوي، ان كل من يخلق ايقونة او صنما ويعبده فهو مجنون، ولكن جنونك في هذه الحال واضح، على الأقل لأنك تعبد شيئا تراه، تحس به، تلمسه، سواء كان من صنع يديك أو غيرك. أذن هناك سؤال يوجه الى الجميع. ان طفلا معوقا في الغرب هو اقدر على استعمال الكومبيوتر والحصول على المعلومات من بالغ سليم في الشرق لا يتمكن من ذلك بسبب عدم توفر الجهاز او انقطاع الكهرباء.
اذا اعتمدت مبدأ أن كل ما يُقال لك (تقريباً كل شئ) خطأ، فسوف تخرج بنتائج ليست فقط صحيحة وإنما باهرة ومذهلة لأنّ السلسلة لا نهاية واضحة لطولها، وبذا يُقال أنك إنسان واعٍ يصعب خداعه. لكن خداعك يتم في كل الأحوال. ويتم خداع الجميع على أسس مهمة في علم الإحصاء، حيث يتم "التوازن" السياسي والفكري الذي يتماشى مع طبيعة "التوازن" الاقتصادي؛ أما اذا تطور هذا الوعي لديك ليتحول من مجرد أحاسيس سلبية تقض مضجعك، إلى عمل إيجابي بنـّاء ولصالح الكوميُنتي الأكبر وحاولتَ الاجابة على ذلك بإخبار الآخرين، أو، بالأصح، العمل على تصحيح المواقف، فأنك ستكون، بدنياً، في خطر.
فأي الدربين الوعرين ستسلك؟
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كريم - القرية 52-55
-
رأيٌ بقصيدةٍ قصيرةٍ للجواهري
-
أحاديثُ القرية (1)
-
التحجر
-
من أجل المحافظة على عراقية العراقيين الساكنين خارج العراق
-
هذا الذي أسلمني القلم
-
القُرضة
-
طوق الليل - قصة
-
الخَبَر
-
كريم - القرية 49 - 51
-
القرية 44-48
-
القرية 40- 43
-
القرية - 39
-
الأسئلة الأخيرة
-
من عصر الرصاص 2
-
من عصر الرصاص الأول
-
كريم 10 - القرية 36-37
-
القرية 35
-
كريم 10 - القرية 29-34
-
كريم 10 القرية 1-28
المزيد.....
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
-
رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية
...
-
توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية
...
-
السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|