أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد هجرس - السائرون نياماً .. على أرض -المريخ-؟!















المزيد.....

السائرون نياماً .. على أرض -المريخ-؟!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 24 - 19:01
المحور: كتابات ساخرة
    


لا يضيِّع الدنيا الذين "مع" أو الذين "ضد" ولكن يضيعها "المتفرجون".
هكذا كتب الأديب الجميل بهاء طاهر فى رائعته "قالت ضحى"، وكانت هذه العبارة العميقة المعنى والمغزى – الذى ترقى إلى مستوى "الحكمة" – هى أول ما طرأ على ذهنى وأنا أحاول التوصل إلى تفسير منطقى لهذا العبث الذى نعيشه بسبب مباراة كرة القدم بيننا وبين الجزائر، رغم أنى أعرف أن "المتفرجين" الذين ينتقدهم بهاء طاهر هم تلك الأغلبية السلبية الصامتة اللامبالية العازفة عن المشاركة بالموافقة أو المعارضة، بينما "المتفرجون" الذين "ضَّيعوا الدنيا" بسبب كرة القدم هم من السفهاء والمشاغبين والعدوانيين والغوغائيين والعنصريين، ومع ذلك فإن هؤلاء وأولئك – رغم الاختلاف الظاهرى بين أساليب "تعبيرهم" – ينحدرون من نفس الأصل والفصل.
إنهم جميعا أبناء عصر الانحطاط.
وهم بهذا المعنى "جناة" و"ضحايا" فى ذات الوقت.
فهؤلاء "السائرون نياماً" – إذا استعرنا عنوان رواية الأديب العظيم الراحل سعد مكاوى – يعانون من التهميش السياسى والاقتصادى والحرمان الاجتماعى والخواء المادى والمعنوى والبطالة والأمية ورداءة التعليم وسوء المعاملة فى كل المرافق العامة، وحياتهم مسلسل متصل من الاحباطات والانكسارات والهزائم.
ولذلك فإن الفوز فى مباراة كرة قدم أصبح المناسبة الوحيدة التى يراودهم فيها الحلم بأن يذوقوا طعم النصر فى أوطان خاصمت الانتصارات منذ سنوات وعقود.
ومن هنا تحولت كل مباراة كرة قدم فى عالمنا العربى إلى مايشبه المعركة الحربية، وأصبح الفوز فى "اللعبة" هو التعويض النفسى عن الانتصار السياسى والاقتصادى والحضارى والعلمى الغائب.
وللأسف الشديد فأن كثيراً من وسائل الاعلام العربية أصبحت تلعب دور "المنوم المغناطيسى" لهؤلاء الملايين من "السائرون نياماً".
وفى حالة المباراة الأخيرة – نقصد الموقعة الحربية – بين مصر والجزائر قامت كثير من وسائل الاعلام الجزائرية والمصرية بدور خطير فى تهييج الناس وخلق حالة من الهستيريا والعصبية الجماعية حتى لم يعد هناك موطئ قدم للتفكير العاقل والرشيد، بل استطاع الاعلام الرياضى – أو معظمه على الأقل – أن ينشر حالة من الجنون فى مصر والجزائر كما لو أن "شياطين الفتنة والعفاريت قد خرجت من الفانوس السحرى للكرة". والأخطر أنه أصبح من المستحيل إعادتها إلى الفانوس المسحور مرة أخرى، بل هذه الشياطين – كما تقول الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمى – "أصبحت بعدد سكان الجزائر ومصر. مائة وثلاثون مليون عربى خرجوا عن طورهم، كأن سداً عالياً إنهار وتدفقت كميات هائلة من المياه لتجرف فى طريقها كل جزائرى وكل مصرى إلى الجنون. فيوم كانت لنا قضايا كبرى كانت الكرة مجرد طابة تتقاذفها الأقدام. أما اليوم فإننا نضخم الأشياء الصغيرة بعد أن صغر ما كان كبيراً فى حياتنا.. ولو أن هذه المقابلة الرياضية دارت فى زمن عبد الناصر لرفع كل شعب أعلام الشعب الآخر، ولأهدى كل فريق نصره للفريق الثانى. ولكن زمن القومية ولّى والمؤامرة أكبر من أن نعيها لأنها داخلنا، ولأننا وقودها، وبإمكان إسرائيل أن تتفرج علينا الآن.. وقد غدونا العدو البديل لبعضنا البعض".
لذلك عدلت "أحلام" عن قرارها بالذهاب إلى أم درمان لمشاهدة المباراة. وعندما سئلت عن سبب تغيير رأيها قالت: "لأننى لا أريد أن أكون هناك حين يخسر أحد الفريقين. فأياً كان الخاسر فإن لى قرابة معه. وأياً كان الرابح فإن عليه أن يتقاسم فوزه مع إسرائيل التى حققنا لها فى أيام أمنيات تتجاوز أحلامها الأبدية منذ نصف قرن، فما جدوى أن تكسب كأساً.. إن كنا سنخسر بعضنا البعض لزمن طويل.
نريد هذه الأرض "اللى بتتكلم عربى" ألا يهان عليها عربى فى الجزائر ولا فى مصر ولا السودان، وألا تسيل عليها دماء عربية وهذا أضعف الايمان. ثم وبالمناسبة اليوم بالذات سمحت إسرائيل ببناء 900 بيت فى القدس الشرقية. ومر الخبر على شريط صغير على الشاشات العربية.. هل قرأتموه؟"
**
لا يا "أحلام" .. لم نقرأ شيئاً لأننا كنا – ومازلنا – مشغولين بالمباراة الفاصلة، ومن قرأ تظاهر بأنه لم يقرأ كى يهرب من استحقاقات فهم من قرأه، وأول وأبسط هذه الاستحقاقات هو ترتيب الأولويات والتمييز بين التناقض الرئيسى والتناقضات الثانوية، والتفرقة بين المهم والأهم.
لكن هذا يندرج تحت عنوان "العقلانية"، بينما نجح تحالف خصوم العقلانية فى اختطاف الأوطان بسبب هذه المباراة الملعونة.
هذا الحلف غير المقدس – الذى يقوده بعض نجوم الاعلام الرياضى وإعلام الاثارة – نجح أولاً فى تحويل مباراة كرة قدم إلى معركة حربية.
ونجح – ثانيا – فى تهييج مشاعر "المتفرجين" فى البلدين، سواء ببث الشائعات أو ترويج أنصاف الحقائق أو ثقافة الكراهية والأفكار العنصرية والشوفينية.
ونجح – ثالثا – فى التأثير ليس فقط على ملايين البسطاء وإنما أيضاً على الدوائر السياسية والرسمية. وبدلاً من أن يقوم الرسميون ورجال الدولة فى البلدين بتنقية الأجواء من خلال مبادرات جدية وتدارك الأمور قبل أن تخرج من السيطرة نجح حلف التهييج فى "جر رجل" الدولتين إلى الدوامة الجهنمية للسجال والتلاسن.
لذلك .. عندما جاء موعد المباراة الفاصلة على أرض "المريخ" كانت الأمور قد وصلت إلى ذورة الأحتقان ونقطة اللاعودة. وبينما كان كثير من وجهاء القوم يفركون أيديهم فى انتظار النصر الذى تم شحن الملايين من البلدين من أجله وتصويره على أنه أصبح أقرب من حبل الوريد، كان العقلاء القلائل – فى البلدين – يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من أن تتحول المباراة إلى كارثة، بل إن الخبير الأمنى المصرى البارز اللواء فؤاد علام حذر – قبيل المباراة الفاصلة – من حدوث اعمال عنف منفلتة ونشوب مواجهات دامية بين مشجعى الفريقين المصرى والجزائرى.
وقبل أن نتنفس الصعداء لأن المباراة مرت بسلام – رغم هزيمة الفريق المصرى – وقع الفأس فى الرأس وحدث ما حذر منه اللواء فؤاد علام، بل حدث ما هو أسوأ، حيث اندلعت "حرب الشوارع"" ومطاردة مشجعى الفريق المصرى وإيذائهم مادياً ومعنوياً بصورة همجية.. وأصبحت صورة "الأشقاء" العرب قبيحة فى العالم بأسره أكثر مما هى قبيحة ومشوهة سلفاً!
لكن هذه الفضيحة لم تكن كافية لإشباع شهوة "شياطين الفتنة" الذين خرجوا من القمقم، بل إنهم واصلوا نفخ رياح الكراهية بين البلدين والشعبين بصورة أعنف. وها نحن ننام ونصحو على معظم وسائل إعلام مصر والجزائر تمارس "الردح" والتلويث والإساءة الجماعية والتعميم لأسوأ الصفات على الشعبين وأخذ العاطل بالباطل.
ولا نعرف إلى أين تقودنا شهوة الانتقام هذه أو ما هو هدفها وما هى نهايتها.
صحيح أن من حق المصريين أن يغضبوا بعد ما ارتكبه الآلاف من مشجعى الفريق الجزائرى من جرائم همجية ضد المصريين فى أم درمان.
وصحيح أن من حق المصريين ان يغضبوا أكثر لصمت الدولة الجزائرية على هذه التجاوزات والتصرفات الاجرامية، إن لم يكن تشجيع بعضها رسمياً.
لكن الأمانة تقتضى منا الاعتراف بأن الكثير من وسائل إعلامنا افتقرت هى الأخرى إلى المهنية والنزاهة والموضوعية والدقة فى تناولها لهذه الكارثة.
وأن الكثير من ردود أفعالنا اتسمت بالمبالغة الشديدة، والوقوع فى خطأ "التعميم" الذى لا يليق ولا يجوز.
ويجب أن نسأل أنفسنا اليوم قبل الغد: وماذا بعد؟
هل ننساق وراء تحالف التهييج الذى اختطف الأوطان طيلة الأسابيع الماضية، ونواصل التصعيد وتأجيج نيران الكراهية وهدم جسور شيدناها معاً بالدم والعرق والكفاح ورفقة السلاح عبر عشرات السنين.
وهل نترك مباراة كرة قدم تنسف مصالح مشتركة، فى السياسة والاقتصاد، حفرنا فى الصخر من أجل إنجازها.
**
هذه التساؤلات ليست دعوة للتفريط فى كرامة أبنائنا أو التنازل عن حقوق المصريين التى انتهكها عدد يزيد أو يقل من الجزائريين المهووسين فى أم درمان وفى الجزائر العاصمة بل هى بالاحرى دعوة للدفاع عنها والتمسك بها.. لكن بالعقل ودون الانزلاق إلى الشعب الجزائرى بأسره ودون أن ننسى أن الحفاظ على كرامة المصريين يبدأ فى الداخل قبل الخارج، فضلاً عن أن كرامة المصريين ليست شعاراً أجوفاً وإنما هى مسألة لها "لزومياتها" السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى سائر أنحاء الوطن وليس فقط على أرض المريخ وملاعب الكرة.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درس من أوباما فى مسئولية الدولة عن صحة أبنائها
- هل يتساوى الشهيد الذى ضحى بحياته مع لاعب الكرة الذى سيتقاضى ...
- إنها مجرد لعبة.. فلماذا كل هذا الصخب؟!
- قطار -الخصخصة- وصل إلى تاريخ الحركة الوطنية!
- كنيسة -الوطن-.. أم حائط مبكى -الطائفة-؟!
- نريدها دولة -طبيعية-.. هل هذا كثير؟!
- التهمة هي انتهاك الحق في الصحة والحق في الحياة
- مستقبل مصر: إلهام التاريخ وكوابح الحاضر
- تبرع يا مسلم لبناء إنسان
- لماذا يخاف 48 مليون مصرى من المستقبل؟!
- محمد السيد سعيد: وكل هذا الحب.. وأكثر
- موقعة ذات النقاب .. أهم من حرب 6 أكتوبر
- صحافة الفضائح .. وفضائح الصحافة
- حديث ليس فى الرياضة: الأولمبياد يسبح فى »نهر يناير« البرازيل ...
- اختفاء النصف السفلي لإنسان!
- نظرية -المؤامرة- فى تفسير -نكسة- موقعة اليونسكو!
- زيارة السفير الإسرائيلي‮.. ‬بداية أم نهاية؟̷ ...
- العالم يتغير.. ونحن نائمون فى العسل!
- يا دكتور حاتم الجبلى.. تكلم!
- عندما يتحول -الوطن- إلى -شقة مفروشة-!


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد هجرس - السائرون نياماً .. على أرض -المريخ-؟!