أحمد التاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 24 - 09:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أثقلت مصر عبر العصور الإسلامية بالأمومة الثقافية على العرب جميعا و قبلها على المتوسط و العالم المتحضر قديما. كان هذا قدرها و لا يزال.. و ليس في مقدورها أن تتفادى "طفشات" العقد الأوديبية إلا بأمر واحد فقط:
التجديد المتواصل لحيويتها .
كانت مصر طليعية في خيارها الاستراتيجي للسلام، و "طفش" صغارها آنئذ بعنفوانهم إلى مروج الصفير و اللعب ، و ملئوا التلال غناء و مرحا ، إلى أن أعادتهم مقتضيات الحياة و التقدم في السن إلى الخيار إياه و لكن من الباب الخلفي واحدا واحدا... حياء من أمهم؟؟
الانحسار الذي ترتب عن خيارها الاستراتيجي للسلام امتد إلى نحو ثلاثة عقود، و في أثنائها ارتبكت بأمومتها الحانية و حزنها على العزلة فلم تستكمل بصرامة الشروط الثقافية الضرورية لإعطاء هذا الخيار بعده الثقافي التنموي .
و من جهة أخرى، حصل لديها عملية إرجاع لفرط قوة الصدع "فصدرت ما لم يتلاءم" إلى أبناءها "الطافشين".. ، فكان أن صقلت الإسلام الحجازي و الخليجي إلى توثب سياسي سافر، و التقاليد الأمازيغية إلى صخب ديني مستعر، و الثقافة الشامية إلى فورة قومية حادة و انقلب العالم العربي عليها طيلة هذه العقود، و لكن بماذا في الغالب؟ برموز منها . هي هنا أم معاقبة – بكسر القاف- و معاقبة( بفتحها).
لا أتصور أن مصر بلدا متخلفا إلا بما هو مرتبط به في سياقه الثقافي العربي و الإسلامي.. كل المؤهلات لديها للتحليق إلى مصاف الدول المتقدمة إذا - و فقط إذا- عرفت كيف تقطع عنها مرة واحدة و بحزم تبعات الأمومة خارجيا ، و ذلك بإحياء و تحفيز دواعي الأمومة من الداخل.
فمصر في الداخل، لديها من تجذر حكاية الأمومة الأولى ما أنهك و لا يزال ينهك خيارها للسلام و النضال الدبلوماسي المحترف.
و لديها من تجذر ثقافة الإسلام السياسي ما ينهك العمل المدني الجاد في بناء المجتمع الديمقراطي المبني على المواطنة.
و لديها أيضا من الثقافة الإسلامية التقليدية ما يكفي من اتكالية و محسوبية و هلامية لإنهاك الإدارة و استشراء الفساد.
أرقى أوقات العطاء المصري و إشعاعه كان في الفترة الليبرالية على امتداد النصف الأول من القرن الماضي.. ذلك أن مصر عندما تنشغل بنفسها صقلا و تجديدا ينشغل العالم بها.. و هنا تكون الأم المعطاءة.
في تلك الفترة العزيزة و الغالية و المدرة على كل العرب بدون استثناء، كانت مصر مشتلة تجديد و عنفوان ساحر نحو المستقبل.
في خضم المساجلات الجارية هذه الأيام على مأساة مصر و الجزائر بالمريخ ( و ليتهم هونوا أرضا ) لم تغرني إلا هذه الفكرة: " مصر ستجدد نفسها"...
إذا صح هذا فهنيئا لنا جميعا.
#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟