|
القطيعة بين الاكاديميين والابداع.... كيف نفسرها؟
عصام عبد العزيز المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 2836 - 2009 / 11 / 21 - 20:06
المحور:
الادب والفن
القطيعة بين الأكاديميين والإبداع ... كيف نفسرها ؟ د. عصام عبد العزيز المعموري – بعقوبة - العراق
هل توجد حقا" قطيعة بين الأكاديميين والإبداع ؟ وكيف نفسر بأن أكثر المبدعين في شتى الاختصاصات هم من خارج الاختصاص ؟ فترى أن ألمع الأدباء هم من الأطباء والمهندسين ، وان أبرز النجوم في الفن هم من خريجي كليات غير فنية ؟ وان أفضل الطباخين وأمهر حلاقي النساء ومصممي الأزياء النسائية هم من الرجال ؟ طرحنا هذه التساؤلات على نخبة من المثقفين والأكاديميين في محافظة ديالى ، فكانت إجاباتهم كالآتي : يقول القاص والكاتب ( ضمد كاظم وسمي ) : ( الإبداع بمفهومه العام لا يقتصر على الأجناس الأدبية والفنية كما هو شائع ..بل يشمل حقول الفلسفة والعلوم أيضا" ، لذلك فان ما يسمى بالقطيعة بين الأكاديميين والإبداع يحتاج إلى توصيف أدق . أما إذا أخذنا الإبداع بمفهومه المتداول والذي يشير إلى الأجناس الأدبية والفنية كالشعر والقصة والرسم .. الخ ، فربما بانت تعارضات وتقاطعات واضحة بين الأكاديميين والأدباء (( المبدعين )) ، فالأكاديميون بسبب ما يحظون به من مكانة اجتماعية لا بأس بها ، فان طرائق حياتهم تتميز بالتأنق والتخلق والانتظام ..فيما لا يحظى المبدعون ..لاسيما في مجتمعاتنا المتخلفة بذات المكانة ، لذلك تبرز بين صفوفهم الصعلكة والتسفل والفوضى – لم نرد من كلمة ( التسفل ) التبخيس بل التقرير – كما إن الأكاديميين بجكم اشتغالهم في الحقول العلمية يمتازون بالصرامة والحيادية ويكونون أقل تأثرا" في ميدان عملهم بالتيارات السياسية والدينية والاجتماعية والفكرية لذلك عادة ما يكونون بمنجى من عواصف السياسة وألاعيبها التدميرية ، ولا يهمهم لا من بعيد ولا من قريب رضا المتلقي – الجمهور – عن نتاجهم الأكاديمي.. وبخلاف ذلك فان المبدع لا يمكن أن يكون حياديا" بل يكون أكثر تأثرا" في ميدان اشتغاله الإبداعي بعواصف السياسة والاجتماع ...الخ ، ولابد له من موقف محدد إزاء الظواهر المجتمعية ، بخلاف الأكاديمي فان حقل مهنته لا يتطلب موقفا" محددا" من الظواهر المجتمعية ، لذلك فالمبدع إما أن يدجّن وينخرط في جوقة وعاظ السلاطين ...أو يعرض نفسه للأذى كالسجن والنفي وأحيانا" القتل في ظل الأنظمة الشمولية ..بينما الأكاديمي يعيش بمنأى عن كل ذلك . هذه التقاطعات وغيرها هي التي تظهر ما يسمى بالقطيعة إلى السطح بين الأكاديميين والمبدعين . أما لم يكون أكثر المبدعين من خارج الاختصاص ؟ فلأن أهل الاختصاص كالأكاديميين يميلون إلى تقنين إبداعهم وتجريده من عصب حياته ألا وهو الخيال ، ويميلون إلى التقليد الذي إذا تمادى يودي بالإبداع . وبخلاف هؤلاء فان المبدعين من خارج الاختصاص يميلون إلى التحرر من التقليد ومع زيادة الحرية يزداد الإبداع وبسبب هذه الحرية يدعون خيالهم يجنّح أنّى شاء ومع تطور الخيال يتطور الإنسان من خلال خلق واقع جديد منعم بقيم الخير والعدل والعلم ) . أما المترجم والشاعر والعضو المؤازر في المجمع العلمي العراقي سابقا" ( عبد الستار زنكنة ) فانه لايرى قطيعة بين النشاطين الأكاديمي والإبداعي بقوله : (( قد لا توجد قطيعة بين الأكاديميين والإبداع ، ولكن ألف من الأكاديميات لايمكنها تخريج مبدع واحد ، بل بإمكانها تخريج أو تفريخ الآلاف من الكوادر المهنية. فالإبداع قوة دفع ذاتي ( باليستي ) في نفس الإنسان ، أكاديميا" كان أو غير ذلك . لأرجع قليلا" إلى الوراء وأوضح للقارئ الكريم المساجلات الجارحة بين الأديب الأستاذ عباس محمود العقاد والأديب الدكتور زكي مبارك وذلك في العقد الثالث من القرن الماضي وحول الشهادة الجامعية وأثرها في الإبداع . وعلى رأي المثل ( لا دخان بلا نار ) فاني أرى من الوجاهة طرح مثل هذا السؤال.. فالكثير الكثير من حملة الدكتوراه وللأسف لا يحملون من شهاداتهم سوى حرف ( الدال ) ، أين مقالاتهم ؟ أين بحوثهم ؟ أين دورهم في ميدان الثقافة ؟ فالجواب هو اكتفائهم بالشهادة لغرض الوجاهة الاجتماعية ونيل الراتب . والجواب على الشق الثاني من السؤال ، يكفي أن أقول أن الغرب الإنساني ينظر إلى المرأة بأنها خليقة الله وأما نحن فننظر إليها بأنها صنيعة الرجل وأعتقد أن جوابي واضح لأولي الألباب)) . أما التدريسي في الكلية التربوية المفتوحة – مركز ديالى والذي يحمل شهادة الماجستير في اللغة الانكليزية ( حسن هادي حسن ) فينظر للعلاقة من وجهة نظر أخرى بقوله : (( ليس بمعنى القطيعة تماما" ولكن هناك والى حد كبير فجوة أو هوة مابين الكثير من الأكاديميين والرغبة في الإبداع وعلى الأقل تطوير القابليات العلمية أو إدامتها بشكل أو بآخر . البعض تضطره الظروف إلى الابتعاد عن البحث والإبداع والبعض الآخر يتسمر عند اكتساب الدرجة العلمية ويعتبرها نهاية المطاف وهذا بحد ذاته خلل كبير ويؤدي بالنتيجة إلى ضمور المهارات المعرفية التي اكتسبها الشخص . أما الحديث عن المبدعين في الاختصاصات المختلفة الأدبية والفنية ومن غير أن يكونوا من خريجي تلك الاختصاصات فهذا ملموس تماما" وهو يؤكد بأن الإبداع والنجومية تشترط الرغبة والجدية والمثابرة إلى جانب المؤهل العلمي . إن حب المهنة والمران الدائم ومتابعة التطور كلها تقود غالى نضج التجربة وتحقيق الإبداع في المجال المستهدف )) . أما د0 عبد الكريم محمود صالح ( دكتوراه إرشاد نفسي وتوجيه تربوي ) فانه ينظر للموضوع من وجهة نظر نفسية حيث يقول : (( إن المبدعين من غير الأكاديميين وليس جميع المبدعين يشعرون بالدونية تجاه الأكاديميين فيسعون لتعويض ذلك النقص بأعمال إبداعية مختلفة من قصيدة أو لوحة فنية أو عمل مسرحي أو أي نشاط إبداعي آخر وكما قال العالم النفساني ( فرويد ) بأن أي مرحلة عمرية لاتشبع حاجاتها فان الفرد يسعى لإشباعها في مراحل عمرية لاحقة )) . ويقول التدريسي ( حسن علي محمود العزاوي ) الذي يحمل شهادة الماجستير في طرائق تدريس علوم الحياة : (( لا إبداع بدون حافز ، لأن الإبداع لا يكون لأجل الإبداع فقط وإنما الإبداع يتناسب طرديا" مع الحافز ومع نوعية الحافز ( حافز مادي قوي أم ضعيف ، حافز اجتماعي قوي أم ضعيف ) وكما قال عالم النفس والتربوي الشهير ( سكنر ) : بدون تعزيز يحصل انطفاء للسلوك المراد تحقيقه ) والإبداع هو أهم أنواع السلوك المراد تحقيقه في شخصية الفرد وفي كل المجالات ( طبية ، هندسية ، تربوية ، الخ ) . أما لماذا يحصل الإبداع في سلوك غير ذوي الاختصاص فهذا يرجع للميول والاتجاهات التي تصاحب الفرد منذ دخوله في المدرسة وحتى تخرجه من الكليات ، فالذي حدد مساره هو المعدل ، لكنه يبقى يتطلع بشغف لميوله واتجاهاته ولا ينساها مطلقا" لأنه وكما قيل : ( الطموحات غير المتحققة تؤرق أصحابها ) ، لذلك يعود لها ، فحبه وشوقه لها يجعله مبدعا" )) . أما د0 مثنى يوسف حمادة ، مدير مركز الدراسة المفتوحة في ديالى والذي يحمل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية والنحو فيؤكد على أن الانجاز الأكاديمي والإبداعي هما حالة واحدة بقوله : (( لايمكن فصل الأكاديمي عن الإبداع لان وصول الأكاديمي الجامعي إلى ما وصل إليه يعد جزءا" من الإبداع ولأن الإبداع لايمكن حصره بحدود أو نهاية فهو مفتوح بصورتين أفقيا" وعموديا" .أما ما نراه من صور الإبداع عند غير ذوي الاختصاص فهو يرتبط بأسباب نفسية أكثر منها مادية ، فمن عادة الفرد أنه يميل إلى معرفة ماهو بعيد منه ويتجاهل القريب ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فهو نوع من التحدي أو ربما الغيرة الفنية . وأنا على يقين أن الطبيب المبدع في الفن هو مبدع في اختصاصه وان اختلف المقياس ودرجته ، وهذا كله يمكن أن نعزيه إلى فلسفة الحياة التي تعطي لمن يجهد في العمل ويبحث عن عناصر التفوق والإبداع فالفن للحياة وليس الفن للفن )) .
#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع المترجم احمد خالص الشعلان
المزيد.....
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|