|
الفكر الديني وضبابية المفاهيم
عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن-العدد: 2835 - 2009 / 11 / 20 - 12:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يبدو أن السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة هو البحث العلمي الحر بمناهجه ومكوناته المتعددة والمتنوعة، في إطار التحرر من الانطواء على الذات والتمرد على المنهج الكهنوتي التسليمي، والانفتاح على الغير بحوار عقلاني منفتح، لآن الحقيقة لا يملكها الفرد المنعزل ولا الحضارة المنطوية على ذاتها. ويبدو أن النظريات والافكار والعلوم والحضارات لم تنشأ ولم تزدهر إلا بالانفتاح والحوار والاستفادة من الغير، ولعل علم الأصول وتطوره في الفكر الاسلامي في عصوره الأولى نموذجا لهذا الانفتاح والحوار والاستفادة.
ولن يستقيم انفتاح وحوار واستفادة دون تميز لما هو خاضع للبحث العلمي من غيره، ودون تحديد للمفاهيم الاساسية التي يقوم عليها الفكر الديني ومصادر تكوينها؛ من إللهي وبشري، وقطعي الدلالة وظني الدلالة وذلك في إطار تحليلي لا تلقيني حشوي، لأن المنهج الاسلامي الكلاسيكي الحشوي يعاني من فقر معرفي في أساليب وأدوات البحث العلمي الحر. علما بأن تحديد ماهية المفاهيم الفكرية بصورة علمية تساعد على الاستفادة من المناهج العلمية وأدواتها للوصول إلى حقيقة الاشياء وتحرير معانيها. وبدون ذلك يصبح التعاطي مع البحث العلمي والحوار العقلاني مع منتاجات الغير بالمنهج الكلاسيكي مضيعة للوقت والجهد وضياع في غير سبيل الحقيقة.
ولا نذهب بعيدا فإن الفكر الاسلامي اليوم بألوانه المتعددة يعيش الماضي بمشاكله ويفتح جبهات في أرض الحاضر بقضايا الماضي والاسلاف ومرد ذلك إلى عدم تحرير المفاهيم والضبابية القاتمة في سماء تكوينها في إطار (التدافعية=الفرق، والمذاهب)، و(التحالفية= السيف، والقلم)، كمفهوم النصوص المؤسسة؛ النص الناجز والنص المنفتح، وكمفهوم عدالة الصحابي، وآئمة آل البيت، ودقة مدونات الرواية، وحجية الاجماع، وسلطة السلف، بل وسلطة النص ذاته. كل ذلك يتطلب تطبيق المنهج العلمي بصرامة تكشف عن كيفية انبثاق هذه المفاهيم من السياقات اللغوية والتاريخية المرافقة وربطها بظروف الزمان والمكان واستنطاقها وفهمها في سياقها ومساقها لتكون معاصرة لزمانها ومن ثمة قراءتها وإعادة تركيبها كنص تاريخي يخضع لتأثيرات عوامل شتى، ومراعاة حجم تلك التأثيرات في الدال والمدلول من مفردات تلك المفاهيم.
ويبدو أن خطورة عدم الاهتمام بدقة وتحرير ونقد المفاهيم المؤسسة للفكر الديني بالمنهج العلمي الحر، لا تنعكس على خطأ في الفهم والادراك فحسب، ولا ينعكس على صعوبة التجاوب بين الحاضر والماضي فحسب، ولكن خطورتها تمتد أيضا إلى السلوك، وإلى التصرف الذي يتبعه كل حسب المفهوم الذي ينتهي إليه. ومن ثمة استحالة ممارسة التجديد، والحوار العلمي، والاستفادة مما عند الغير، ولذا فقد تاه الفكر الديني في متاهات خطيرة انعكست على حياة اتباعه الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.وخطر هذا الاضطراب وعدم نقد المفاهيم يتعدى ذلك إلى العلاقات البينية والعلاقات الكونية مما يعني عدم تحقيق الاستخلاف واستعمار الارض والمشاركة في الحضارة، بل يعني إعاقة عجلة الحضارة القائمة والمتحركة.
أننا أمام حزمة من المفاهيم قدمت في غلاف مقدس في إطار المثالية والنموذجية التاريخية بحاجة إلى فك وتركيب، وفرز وتميز، وتهذيب وحذف، بأدوات ومناهج البحث العلمي الحر. وهذا ما لا يمكن القيام به من خلال أدوات ومنهج البحث الكلاسيكي الكهنوتي، لأنه مطالب إيمانيا بالتقيد الصارم بتلك المفاهيم الاستراتيجية وعدم الخروج عن تأويلية الاسلاف، إذ يظن أن تأويليتهم وتقعيدهم وتفسيرتهم لتلك المفاهيم تتمتع باستمرارية تواصلية عبر الجغرافية والتاريخ والاجيال وبالتالي فلها سطوتها عند محاولة إعادة قراءتها بمنهج البحث العلمي الحر في سياقها ومساقها. وهكذا يتم خلع القدسية على تلك المفاهيم والتأويلات البشرية والظرفية، وتوظيفها في تأبيد وهم التواصلية على الرغم من تباينها مع الحاضر والمستقبل باعتبار اختلاف الظرفية السياق والمساق والاجيال. وهنا تكمن أزمة البحث العلمي في الفكر الديني التقليدي الذي ظل مضطرب في مراحل تشكله ومتشبعا بالعمق العقائدي والتدافعي بين المذاهب والفرق.
قد يكون هذا التخلف في التفكير والبحث العلمي راسبة من رواسب التخلف الفكري، أو نتيجة لغياب الفكر العلمي مدة طويلة من الزمان لحساب الفكر الديني الكلاسيكي. وقد يكون ناتجا من عدم خلع ثوب القداسة عن تلك المفاهيم، أو عدم إيمان الفكر الديني بمبدأ النقد والحوار لخضوعه لسلطة الاسلاف التواصلية، وبالتالي يمتنع ويتمنع من إعادة النظر في تلك المفاهيم بالفك والتركيب والحذف، وتنقيتها مما ألصق بها في عهود الركود الفقهي، وتخلف الاجتماع السياسي. وبعبارة مؤجزة أن الفكر الاسلامي لم ينجح إلى اليوم في تحقيق القطيعة المعرفية ولذا فهو يعاني من تداخل الأزمنة المعرفية.
وهذا يطرح سؤال عميق معقد بقدر ما هو بسيط بدائي، وهو كيف نفكر في القضايا الاساسية التي يطرحها الحاضر ويرهن بها المستقبل؛ وذلك على مستوى المفاهيم، والفهم، والسلوك، والمشاركة في الحضارة الانسانية؟!!
بعبارة أخرى كيف نؤسس لمصالحة جادة مع الاسلام نفسه، وبالتالي مع خصومه، ومع منتاجات الحداثة المعرفية والعلمية، لإعلان انهاء حالة الاغتراب المعرفي والنفسي التي تعانيها المفاهيم الاسلامية مع حالات الحاضر الذي لا يقر له قرار ولا يستقر لها حال ولا يقنع بالجاهز من المقولات والمفاهيم ؟!!
#عبدالحكيم_الفيتوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قيمة الحرية في العقل الفقهي !!
-
نقد مراجعات جماعات الجهاد
-
العيد ... والمستبد
-
اغتصاب الأطفال في الفكر الإسلامي
-
روايات تثير شبهات حول عرض رسول الله
-
صورة رسول الله بين قلم السلف وريشة الرسام الدنماركي !!
-
المرأة .... والاعوجاج الدائم (3)
-
المرأة ... والإعوجاج الدائم 2
-
المرأة ... والإعوجاج الدائم
-
الأنثى والخيانة 4
-
الأنثى والخيانة (3)
-
الأنثى والخيانة (2)
-
الأنثى والخيانة
-
مفهوم المواطنة في تجربة النبي
-
الشورى بين الحقيقة والخيال
-
مفهوم السلطة في تجربة النبي السياسية
-
فكرة الدولة في تجربة النبي
-
الدولة في الإسلام فكرة أرضية
-
إشكالية القيمة والذات في الفكر الإسلامي
-
الخلط بين الدين وأشكال التدين في الفكر الإسلامي
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|