|
تطور العرب من السيف الى الحذاء
أحمد ناشر الصغير
الحوار المتمدن-العدد: 2835 - 2009 / 11 / 20 - 01:19
المحور:
كتابات ساخرة
السيف في تاريخنا كان له دور كبير وومميز جعل منه العرب رمزا للرجولة والبطولة وحظي بالتقدير والتبجيل لدوره في غزوات القبائل العربية لبعضها البعض والفتوحات الاسلامية وقد عٌرف خالد بن الوليد في التاريخ الاسلامي بلقبه "سيف الله المسلول" تقديرا لمهاراته في استخدام السيف في جز رقاب أعداء الله وتحقيق الانتصارات في معارك الاسلام ضد كفار قريش ايام الرسول وفي منازلة مرتدي الجزيرة العربية أيام الخليفة الأول أبوبكر الصديق وفي فتوحات بلاد فارس ايام عمر.. ويوجد في اللغة العربية اكثر من 300 اسم للسيف وكل اسم له معنى , وتطلق هذه الاسماء ايضا على المواليد الذكور … واسم "سيف" اسم مشهور كثيرون من العرب مازالوا يطلقونه على مواليدهم الذكور كاشارة لما يتوقع من المولود ان يكون عليه عندما يبلغ مبلغ الرجال ومن هذه الاسماء نذكر : حسام ذو الفقار سطام صارم صمصام عطاف فاروق فيصل ماضي مهند هندواني ومن عيون الشعر التي يرددها العرب الى اليوم بكل فخر واعتزاز قصيدة ابو تمام التي يمدح فيها السيف (بيض الصفائح )كاداة للحسم والنصر ويقدح في الكتاب (سود الصحائف) كأداة ينتج عنها التأني والتفكير والتعقل : لـسيف أصـدق أنـباء من الكتب ا فـي حـده الـحد بين الجد واللعبِ بيض الصفائح لا سود الصحائف في مـتونهن جـلاء الـشك والـريبِ ومن شعر الفخر الذي وصلنا عن "ابي الطيب المتنبي" قوله مادحا نفسه : الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم واضح من ترتيب عناصر الفخر والافتخار ذكره القلم في آخر القائمة ومن هذه النظرة التبجيلية لأدوات القتال ونظرة الأحتقار للكتاب (سود الصحائف) لاحظ ان أبي تمام هنا يصف السيف بالبياض والكتاب بالسواد ليعلي من قيمة السيف على الكتاب , هذه النظرة أصبحت عندنا موروث ثقافي وفلسفي فاصبحنا لا نحسن صناعة العلوم ولا نجيد سلوك الحوار مع الآخرين واصبح العنف هو سلوكنا الغالب في التعامل مع كل قضايا حياتنا , ولا زالت هذه النظرة هي السائدة الى اليوم وتخلدت في ذاكرتنا جملا عنفية لازلنا نرددها بكل مناسبة لانها تعبر فعلا عن مكنونات انفسنا مثل عبارة " ماأخذ بالقوة لايستعاد الا بالقوة " ومع ذلك نذهب الى حوارات مع اعدائنا علنا نحقق مكاسبا منها ليس بسبب قناعتنا بجدوى وفاعلية الحوار ولكن بسبب ضعفنا في انتاج واستخدام أسلحة زماننا الحديثة لنقضي بها على عدونا ونمحو اثره من الوجود ..وفي ثقافتنا الشعبية مثل يقول "يد ماتقدر تكسرها ..بوسها"
وفي القرن العشرين عارض شاعر اليمن الكبير المرحوم عبد الله البردوني قصيدة جده ابي تمام فاتحفنا بأجمل قصيدة قيلت في مهرجان المربد المنعقد لتكريم أبي تمام أدهشت في قوتها وفصاحتها فطاحلة الشعر العربي الحديث وفي مقدمتهم معجزة الشعر العربي الحديث المرحوم نزار قباني و خصوصا حين ركزت القصيدة على نفس السيف الذي تغنى به ابي تمام حيث قال البردوني : ما أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب بيض الصفائح أهـدى حين.. تحملها أيدٍ إذا غلبت يعلو بها الغلب واذن فالمشكلة في نظر البردوني هي في صدق الأيدي التي تحمل السيوف ولكنه مازال ينظر الى الدنيا بنفس العين التي نظر بها ابو تمام مع الفارق في التشبيه بين السيف والأسلحة الحديثة ولذلك لاينسى البردوني ان يتحدث عن اسلحة جديدة أكثر فتكا قد حلت محل الصمصام والبتار واصبحت هي الحاسمة في معارك اليوم… وتخلى السيف عن دوره في الحروب وتحقيق الانتصارات للاسلحة الحديثة التي انتجها العقل والفكر البشري بعد عصر النهضة والعلوم التي قامت على سود الصحائف وليس بيض الصفائح وذهب السيف ليرقد في متحف التاريخ للذكرى وبكاه العرب بكاء مرا ومازالوا الى اليوم يبكون... وكل مابقى للعرب من اسلحة زمانهم الماضي هو الشعر والتغني بالامجاد والبكاء على الأطلال .. وكانت الابواق الحديثة (راديووتلفزيون وانترنت ) اسلحتهم الجديدة البديلة عن السيف يعملون من خلالها على وأد ماتبقى من عقل وضمير عند شعوبهم ... وشجاعة العرب اليوم لا تظهر الاعلى بعضهم البعض وانتصاراتهم لا تتحقق الا على شعوبهم واهلهم ...يقول البردوني : اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة وموطن العرب المسلوب والسلب ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم نصدق.. وقد صدق التنجيم والكتب فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا وشمسنا.. وتحدت نارها الحطب وقاتلت دوننا الأبواق صامدة أما الرجال فماتوا.. ثمَّ أو هربوا حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا وإن تصدى له المستعمر انسحبوا ولكن العرب الاوفياء كعادتهم لم يتخلوا عن الصمصام كما لم يتخلوا عن الخيل والنياق وقول القريض فاصبحوا ينظمون مسابقة ملكة جمال النياق ومسابقات الشعر الذي يحيي الانتماءات القبلية والفتن النائمة ويشاركون بسباق الخيول وأصبح السيف رمزا على بيارقهم ومازالوا يقرعون الطبل و يرقصون ويتمايلون وهم ممسكين بقبضته ويلوحون به يمينا وشمالا مما يذكرهم برجولة اجدادهم ويعطيهم هيبة في نظرهم ونظر البسطاء من شعوبهم المقهورة , والسيف يقدم كهدية لملوك وزعماء الدول الصليبية الذين يزورون بلادنا لنذكرهم بسلاحنا الفتاك الذي حصد من رؤؤس اجدادهم مثل ماتحصد طائراتهم الأباتشي والميراج وصواريخهم توم هوك وكروز مننا اليوم.. وقد تغيرت الأمور بعد قصيدة البردوني كثيرا فلم يقتصر العرب على الأبواق وحسب كبديل عن السيف ولكن انتقل العرب الى سلاح جديد يستخدم بواسطة القدم بديلا عن السيف الذي كان يستخدم باليد … واهو كله سلاح …المهم القدم المفلطحة القوية التي ترفس الكرة بقوة ومهارة وتهز شباك العدو باكبر عدد من الأهداف..نعم هذه الكرة هي مصدر عزتنا وكرامتنا اليوم التي من اجلها نتنادى الى ساحات الوغى . ما شاهدناه في القنوات العربية خلال الأيام التي سبقت يوم الحسم المشهور في بلاد السودان من تجييش بين قبائل زناتة الجزائرية وفارسهم عنترة وقبائل مصر بقيادة الفارس ابوتريكة وهذه المعارك الدائرة بين اجهزة اعلام البلدين يؤكد ان شعارنا في بيارقنا يجب ان يتحول الى حذاء" أديداس" او" بوما" بدلا عن السيف والهلال ..وجزمة منتصر الزيدي افتتحت عصر الحذاء العربي بجدارة بماحققت من نصر كبير على امريكا – اكبر قوة في العالم - بحذفها في وجه سئ الذكر قائد الصليبيين الرئيس الامريكي السابق وعرض العرب ملايينا لشراءها كي يحتفظوا بها للتاريخ …وفي استاذ المريخ في أم درمان ادار العرب تلفزيوناتهم على أحذية اخوانهم المصريين والجزائرين ليشاهدوا داحس والغبراء تدور رحاها بين جيش حسن شحاتة وجبش رابح سعدان في غزوة كأس العالم التي التقى فيها الزحفان يوم الأربعاء الفاتح من ذي الحجة. وفي نفس اليوم دارت مباراة في نهائيات تصفيات اوروبا لكاس العالم بين فرنسا وايرلندا وانتهت المباراة بفوز فرنسا على ايرلندا وبدا أن تييري هنري قائد منتخب فرنسا لمس الكرة بيده دون ان يلاحظ الحكم لمسة يد "هنري" للكرة قبل تمريرها الى زميله المدافع وليام جالاس الذي أسكنها الشباك الايرلندية من داخل منطقة المرمى في الدقيقة 103 ليصفر الحكم معلنا دخول هدف التعادل لفرنسا والمؤهل لها للذهاب الى جنوب أفريقيا ,,,,فماذا حصل ؟ اعترف "هنري " بعد المباراة بلمس الكرة بيده وقررت الفيفا اعادة المباراة مرة اخرى ...
ترى لو ان يحيى عنترة المهاجم الجزائري الذي سدد الهدف الصاروخ في مرمى الفريق المصري لو انه لمس الكرة بيده قبل تسدسد الهدف ولم يلاحظ ذلك الحكم ...ترى هل كان بامكان عنترتنا ان يعترف بخطأه واذا حصل ذلك ماذا كانت الجماهير الجزائرية فاعلة به ؟؟؟كان سيتهم بوطنيته وولاءه وبالخيانة الوطنية وكانت الجماهير ستمزقه اربا في السودان...
نحن أخذنا كرة القدم من الغرب وقلنا عنها رياضة تعمل على تعويدنا قبول الخسارة والربح وتساهم في خلق روح رياضية جماعية تسموا باخلاقنا وتقربنا من بعضنا البعض فماذا كانت النتيجة ؟؟؟ ان الشرخ الذي احدثته هذه المباراة في العلاقات العربية من العمق يحيث لا يؤمل التعافي منه او التئامه عن قريب هذا الشرخ كبير وكبير جدا وتعمل حكوماتنا بجد على استغلاله لتوهم بسطاءنا وهم اغلبيتنا اننا في حاجة ان نلتف حول كبير العائلة وندعمه في طموحاته التوريثية والشخصية فاعداء العائلة كثر ولا يجب ان ندعهم يشمتون بنا ...شوهنا كرة القدم كما شوهنا الديمقراطية التي حاولنا تقليد الغرب فيها فنتج عنها ظهور الفتن والكراهية والانانية ولم ترى ديمقراطية ...كل شئ قلدناه عن الغرب انتج لنا مسخا لايشبه الغرب ولكنه يشبهنا في تخلفنا وثقافتنا وغرورنا وغطرستنا ...
اذا اردنا ان نبدا بداية سليمة فلنبدا من صنع انسان حديث تربيه على قيم التسامح والحب والايثار وهي القيم التي نراها في الغرب عندما تعلن نتائج الانتخابات وتتغير الحكومات دون الحاجة لاعلان حالة طوارئ لو تخلى العرب عن قوة اليد والساعد التي تحمل السيف وتصول وتجول به لتجز الروؤس واتجهوا الى الاعلى حيث العقل وشحذوه واطلقوه من عقاله لتغير حالهم كثيرا الى الاحسن ولراينا عالما عربيا ينافس ويزاحم في ميادين الاكتشافات العلمية وحلول مشاكل البيئة والفقر والامراض التي تعاني منها مجتمعاتهم الى اليوم ولكن مع الاسف بعد ان شلت يدهم وسقط السيف منها اتجهوا الى اسفل الجسم نزولا حتى القدم يلتمسون عندها تعويضا ليدهم المشلولة …
#أحمد_ناشر_الصغير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العصفورة (قصة قصيرة)
-
عندما تختار الشعوب الوحدة مع الحياة
-
أزمة الرأسمالية والحلول الأسلامية
-
العلمانية أولا والديمقراطية ثانيا
-
بين حانا ومانا ضاعت لحانا
-
علماء اليمن أم جهلاء اليمن
-
ازهار واذكار
-
رسائل قصيرة للشعوب العربية
-
جامعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العربية
-
الطوفان القادم والتغيير النائم
-
الطب النبوي في علاج السيدا بالسائل المنوي
-
رسالة الى جورج بوش
-
خارطة طريق جديدة
-
كتاب الأثير في سيرة الحميرلأبن كثير حققه ولخصه لكم أحمد الصغ
...
-
قصة نفط وادي المسيلة
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|