|
خطة (لفك الارتباط) بدون أي فك للرباط!
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 860 - 2004 / 6 / 10 - 06:42
المحور:
القضية الفلسطينية
ادعى رئيس الحكومة، اريئيل شارون مباشرة بعد اجتماع مجلس الوزراء الذي اقر بغالبية 14 وزيرا ضد سبعة وزراء خطة فك الارتباط "المعدّلة" مع قطاع غزة "بأنه يوم تاريخي وقرار تاريخي، الحكومة وافقت على خطتي، انطلقت الى الطريق خطة الانفصام، حتى نهاية 2005 ننوي الخروج من قطاع غزة ومن اربع مستوطنات في شمال الضفة. القرار جيد لأمننا، لاقتصادنا ولمكانتنا السياسية"!! فهل كان القرار الذي اتخذ قرارا تاريخيا من حيث مدلوله السياسي واسقاطاته على ساحة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني قرار يبشر بحلول ربيع التفاؤل بتسوية سياسية في الافق القريب، ام ان "اهميته التاريخية" تكمن في التوصل الى صفقة بين القوى المتصارعة داخل الليكود والائتلاف الحكومي لحماية البيت اليميني من الانهيار وشارون من السقوط لفترة من الزمن وعلى حساب ابقاء الوضع الاحتلالي القائم في قطاع غزة كما هو لمدة سنة على الاقل!!
فماذا في الواقع تشمل خطة فك الارتباط المعدلة التي اقرتها حكومة الكوارث اليمينية؟ تشمل الخطة المعدلة خطوطا عريضة ضبابية غير محددة زمنيا وفق جدول زمني محدد لتنفيذ بنودها، كما تشمل "مبادئ اساسية" تعكس دوافع واهداف الخطة. فالبند الاول في اطار الخطوط العريضة "ان الحكومة تقر خطة فك الارتباط المعدلة، ولكن لا يشمل هذا القرار اخلاء مستوطنات"! فهذا البند يفرغ خطة فك الارتباط من مضمونها الاساسي، لأنه لا يتضمن أي جدول زمني لتنظيف قطاع غزة من دنس الاستيطان والمستوطنين، وما تم الاتفاق عليه وفق الصفقة التي توصلت اليها الوزيرة تسيبي ليفني مع كل من شارون و "الترويكا" – الوزراء نتنياهو وشالوم وليفنات" هو "الاعلان عن نوايا البدء بعملية الاخلاء في نهاية العام 2005، بعد انها "عملية الاعداد" لاخلاء المستوطنات. وعملية الاعداد والتحضير التي وردت في البند الثاني وظيفتها ان تقدم تقاريرها للحكومة حول كل مرحلة من مراحل الانسحاب الاربع، حيث تقر الحكومة او لا تقر اخلاء هذه المستوطنة او تلك وفقا للظروف الحاصلة في كل مرحلة من المراحل الاربع. والمدلول السياسي لهذين البندين هو مواصلة توسيع وتكثيف العملية الاستيطانية في قطاع غزة الامر الذي يناقض خارطة خطة الطريق التي تؤكد على منع مختلف اشكال الاستيطان. كما ان مدلول هذه الخطة بقاء قطاع غزة تحت رحمة العدوان والاستيطان الاسرائيلي. هذا اضافة الى ان هذه الخطة المعدلة جاءت ايضا للحفاظ على بقاء انصار الاستيطان من داخل الليكود ووزرائه ومن داخل "المفدال" في اطار الائتلاف اليميني برئاسة اريئيل شارون. لقد بنيت هذه الخطة لفك الارتباط بدون أي فك للارتباط بناء على ثلاثة اسس مركزية، كما جاء في القرار الحكومي، والتي يعكس مدلولها الاساسي الاهداف الحقيقية للمحتل الاسرائيلي. - الاساس المركزي الاول: "ان الجمود العميق الحاصل في الوضع الراهن مضر. وللخروج من هذا الجمود على دولة اسرائيل ان تبادر الى عملية لا تكون مرهونة ومشروطة بتعاون فلسطيني". فحسب ادعاء حكومة اليمين انه لا يوجد شريك او عنوان فلسطيني يكون ندا يمكن التفاوض معه، ولهذا تلجأ الى اتخاذ اجراءات احادية الجانب، ومن طرف واحد – الاسرائيلي. - الاساس المركزي الثاني: "ان هدف الخطة الوصول الى واقع امني، سياسي، اقتصادي وديموغرافي افضل لاسرائيل"! وفقا لهذا المنطلق فإن مصلحة الشعب الفلسطيني وامنه وافق واقعه السياسي في خبر كان. - الاساس المركزي الثالث: "انه في أي اتفاق حل دائم مستقبليا، لن يكون استيطان اسرائيلي في قطاع غزة. ولكن مقابل ذلك، فإنه من الواضح انه في منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية – أ.س) تبقى مناطق تكون جزءا من دولة اسرائيل، وفي اطارها كتل مركزية من الاستيطان اليهودي، مستوطنات مدنية، مناطق عسكرية واماكن فيها لدولة اسرائيل مصالح اضافية"!. ان هذا البند يعكس عمليا الهدف المركزي من خطة فك الارتباط من طرف واحد مع قطاع غزة الذي يجسد برنامج اريئيل شارون الكولونيالي بضم اكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة تحت السيادة السياسية الاقليمية للمحتل الاسرائيلي. لقد افصح شارون بصريح العبارة عن هدفه هذا لأحد الوزراء في حكومته، ومن المعارضين لخطته، محاولا اقناعه بتأييد خطته. فقد جاء كما اوردت صحيفة "هآرتس" في السابع من حزيران الفين واربعة ان شارون قال للوزير "ان قراره التضحية بالمستوطنات القائمة في قطاع غزة جاء لدفن أي ذكر لقرار 242. وانه بعد الانسحاب من القطاع ومن بعض المستوطنات في شمال الضفة الغربية يمكن عندها الاستراحة لمدة خمسين سنة"!! وهذا ما اكدناه دائما ومنذ ان اعلن شارون عن خطته الاصلية والمعدلة لفك الارتباط مع قطاع غزة بأن شارون يناور بخطته لتجاوز الحل العادل لقضية الصراع وللحقوق الفلسطينية الشرعية المسنودة بقرارات الشرعية الدولية. وان الصراع داخل معسكر اليمين، داخل الليكود والائتلاف اليميني، حول الموقف من خطة فك الارتباط هو صراع بين تيار اليمين التقليدي "المتعقل" الذي يرسم خارطة اسرائيل "الميني" كبرى من منطلق ادعاءات امنية (شارون وموفاز واولميرت وغيرهم) وبين تيار اليمين الاصولي والعنصري الفاشي من انصار ارض اسرائيل الكبرى الذين من منطلق "ايديولوجي" يدعون بأن كل فلسطين التاريخية هي هبة من سبحانه تعالى لليهود وانهم رسله لتخليص وانقاذ ارض اسرائيل الكبرى من "الاغيار" (عوزي لانداو وايفي ايتام وليبرمان وايلون والربانيم من الآباء الروحيين لعصابات الاستيطان والعنصرية الفاشية). فعلى سبيل المثال في مقابلة اجرتها الصحيفة الاسبوعية "نيويوركر" يوم 31/5/2004 مع وزير الاسكان في حكومة اليمين الشارونية، ايفي ايتام يقول هذا الفاشي الترانسفيري "ليس من وليد الصدفة ان دولة اسرائيل اخذت على عاتقها مهمة تمهيد الطريق امام باقي العالم بطرد بصورة عسكرية قوى الشر. وبالرغم من وجود ابرياء منهم، ولكنهم مذنبون بشكل جماعي ونضطر لقتل جميعهم. انا اعرف ان هذا ليس دبلوماسيا تمامًا. انا لا اقصد جميع الفلسطينيين، اقصد اولئك من ذوي النوايا الشريرة، ليس فقط ايديهم ملطخة بالدماء، بل هم يسممون القلوب وافكار الجيل القادم من الفلسطينيين"!! ان هذا القزم الفاشي زعيم "المفدال" الذي يحرض لقتل شعب واقتلاع جذوره من وطنه هو مجرم حرب يستحق المعاقبة، فمكانه الطبيعي التعفن في غياهب السجون وليس الجلوس على كرسي الوزارة ولجوء شارون بخطته المعدلة للحفاظ عليه وعلى حزبه في حظيرة الائتلاف الحكومي. ان ما حاولنا التركيز عليه من بنود "جوهرية" تضمنتها الخطة المعدلة تعكس حقيقة انها ليست اكثر من حبر على ورق وأبعد ما تكون من خطة للتسوية السياسية، خطة لانقاذ الائتلاف الحكومي اليميني من الانهيار وليس لانقاذ قطاع غزة من براثن الاحتلال. فحتى لو كانت نوايا حكومة شارون وفق قرار الخطة المعدلة حسنة وصادقة، وهذا ما لا نثق به، وانها ستبدأ بعد تسعة اشهر البحث في عملية الانسحاب، فإن تنفيذ الخطوات العملية مرهون باللعبة السياسية الداخلية، بميزان قوى الصراع داخل الحكومة وخارجها، بمدى تأثير العوامل الخارجية وضغوطاتها على حكومة شارون، مدى نجاعة الدور المصري والاردني والامريكي من خلال المداولات وخطى التنسيق مع حكومة شارون، مدى نجاح وحدة الصف الوطنية الكفاحية الفلسطينية في التصدي لخطة هدفها المركزي تقزيم الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية ودفنها، مدى نجاعة قوى السلام اليهودية والعربية وكفاحها للتأثير على صياغة القرار السياسي الاسرائيلي. وبرأينا في نهاية المطاف ان هذه الخطة المعدلة جاءت لقطع الطريق في وجه مبادرات وخطط دولية للتسوية العادلة، ولترسيخ اقدام الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي في غالبية المناطق الفلسطينية، خطة لن يكون مدلولها ابدا وقف نزيف دم الصراع وضمان الامن والاستقرار والسلام لكلا الشعبين، الفلسطيني والاسرائيلي.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى السنوية الـ- 37 للحرب والاحتلال: لن يكون (شرق أوسط
...
-
ماذا كنتَ ستقول يا ماير فلنر؟
-
كان ماير فلنر أمميًا حقيقيًا وشيوعيًا مبدئيًا
-
تقرير منظمة العفو الدولية: ادانة صارخة لجرائم الحرب في المنا
...
-
مؤتمر القمة العربية في تونس: لا خروج من دائرة الرقص الموضعي
...
-
الاتحاد- المرجع والمرجعية لمسيرة التاريخ الكفاحي لجماهيرنا
-
التصريحات الامريكية المتناقضة في أرجوحة الازمة والتورط في او
...
-
خطة الميني الشارونية- وتأتأة -الكوارتيت- وآفاق الصراع
-
على ضوء نتائج هزيمة شارون:ما هي المدلولات السياسية لنتائج ال
...
-
المدلولات الحقيقية للاستفتاء على خطة فك الارتباط الشارونية ب
...
-
من يطالب الحزب الشيوعي (ضمنًا) التخلي عن هدفه الاستراتيجي ال
...
-
في الذكرى السادسة والخمسين لاستقلال اسرائيل: الاستقلال الحقي
...
-
على ضوء جريمة تصفية الرنتيسي الارهابية: اغتيال قيادات وطنية
...
-
رسالة بوش - التاريخية
-
أصبحت الجامعة العربية (مربط خيل) جماهيرنا العربية ومخفرها ال
...
-
عشية عيد الفصح العبري:الفقراء يصطفون في الطوابير وشارون يعال
...
-
مناورتكم التآمرية لن تستطيع طمس الدور الريادي المؤثر للنائب
...
-
بعد سنة على الحرب الاستراتيجية: احتلال العراق جزء عضوي مخطط
...
-
وطن للفاشية ولا هوية قومية محددة لها
-
ما هو المدلول الحقيقي ((لاسرائيل العظمى)) في تصدير الاسلحة؟؟
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|