|
طاب الموت يا طابة!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2833 - 2009 / 11 / 18 - 15:11
المحور:
كتابات ساخرة
إنَّها لعبة كرة القدم العالمية إذ "عُرِّبَت"..
"اللعبة" تَفْقِد معناها، ولا تقوم لها قائمة، إنْ هي لم تشتمل على "اللاعب"، أو "اللاعبين (المتخاصمين المتنافسين)"، و"الملعب"، أي موضع ومكان اللعب، و"الملعوب به"، الذي هو "كرة القدم"، في مثال لعبة كرة القدم.
"الملعب" هو في الظاهِر في أرض السودان، أمَّا في الباطن فهو في أرض أخرى لا تبحثوا عنها في الخرائط الجغرافية؛ و"اللاعبون" بعضهم من الأشقَّاء المصريين العرب، وإنْ شدَّد لديهم "الموات القومي العربي" الحاجة إلى أن يتوفَّروا على إحياء عظام الفراعنة وهي رميم، وبعضهم من الأشقَّاء الجزائريين العرب الذين جاءوا إلى "الملعب"، مجاهدين، بأموالهم وأنفسهم، في سبيل "كأس"، أو "وهم كأس"، كامن في "كرة"، ينازعهم أشقَّاؤهم المصريون العرب الحقَّ في ملكيتها.. فطاب الموت يا طابة!
بقيت "الكرة"، التي تتقاذفها "الأقدام".. أقدام اللاعبين المصريين والجزائريين، في "ملعب الأُمم"، فإيَّاكم أن تظنُّوا أنَّها من جِلْد، أو غيره، قد صُنِعت، فهذا الذي يتقاذفونه بأقدامٍ، اتَّخذها "العقل العربي" موطناً له، إنَّما هو "الانتماء القومي العربي"، وقضايا ومصالح العرب القومية، ومكانة العرب بين الأمم، وأشياء أخرى لا تقلُّ أهميةً.
إذا أردتَّ أن تمسخ، وتشوِّه، وتُحقِّر، وتسيء إلى، كل ما هو جميل وعظيم في الحياة، بأوجهها كافة، فما عليكَ إلاَّ أنْ تَدَع "المعرِّبين" يتجشَّمون مهمة، أو "فضيلة"، "تعريبه"؛ أمَّا أصل هذا الداء، أو الشر، فيكمن في "المُعرِّب نفسه"؛ فهذا "المُعرِّب"، أكان من الشام أم بغدان، من نجد أم يمن، من مصر أم تطوان، يحتاج إلى من "يعرِّبه"، أي يجعله عربياً، هو أوَّلاً.
وذات مرَّة كتبتُ قائلاً: لو نَبَغَ عربي في علمٍ أو فنٍ..، فإننا لن نفخر به بصفة كونه عربياً، وإنَّما بصفة كونه مصرياً أو جزائرياً أو سعودياً أو أردنياً..؛ أمَّا إذا أتى مصري أو جزائري أو سعودي أو أردني.. بعملٍ قبيح فإننا نهجوه قائلين "إنَّه عربي (فهل تتوقَّع منه غير هذا الذي أتى به؟!)".
إذا هَزَمَ "جيش الدفاع الإسرائيلي" جيوشنا العربية مع ترسانتها من "القاهر" و"الظافر"، وأشباههما، شرَّ هزيمة، في ستَّة ساعات أو ستَّة أيام، فإنَّ أحداً منَّا لا يجرؤ (لأنَّ ثقافة "أبيْتَ اللعن" التي تجري في دمائنا أبَت عليه أن يجرؤ) على الاعتراف بمساهمته في صُنْع تلك الهزيمة، مفضِّلاً تحميل شقيقه أو أشقَّائه المسؤولية كاملةً، فهو لا يُهْزَم، وغير قابل أصلاً للهزيمة!
أمَّا إذا أحْرَزْنا نصراً (ولو كان متناهياً في الصغر والضآلة) على عدونا القومي الأوَّل هذا، أو على غيره من أعدائنا القوميين، فإنَّ أحداً منَّا لن يتوانى في نَسْبِه إليه وحده؛ وربَّما نجادِل بعضنا بعضاً في هذا الأمر بالحديد والنار، أو بما يشبههما، فالنصر معدن نادر عندنا، فكيف لا يُنازِع بعضنا بعضاً في ملكيته ونحن أحفاد عبس وذبيان، لا نعيش إلاَّ في حروب، وبحروب، كحرب "داحس والغبراء"، أو كحرب "البسوس"؟!
هل تريد أنْ تَعْرِف ماهيَّتك الحقيقية، ومَنْ أنتَ حقَّاً، أو أن ترى نفسكَ على حقيقتها العارية من كل ما خلعته عليها من ثياب وأقنعة جميلة؟
الإجابة في منتهى البساطة، فإنَّكَ يكفي أن تَعرِف ما الذي يَسْتَفِزُّكَ، ويهيِّجكَ، ويُخْرِجكَ عن طورك، ويجعل لكَ عيناً لا تُبْصِر، وأُذناً لا تَسمع، ورأساً من نارٍ حامية، حتى تَعْرِف مَنْ أنتَ.
إنَّ خَدْش عصبية (تستبدُّ بكَ) أصبحت، في عالم الأمم الحيَّة المتحضِّرة، أثراً بعد عين؛ ولكنَّها جَعَلَت لها منكَ "مَتْحَفَاً"، هو ما يَسْتَفِزُّكَ، وهو، بالتالي، المفتاح الذي به نفتح المُغْلَق منكَ، انتماءً وهويةً ووعياً وشعوراً.
إنَّنا نتزيَّن ونتبرَّج بفكرٍ وثقافةٍ، من صُنْع غيرنا، ويَكْمُن فيهما "الرَّاقي" و"الحضاري" من "الانتماء" و"الانحياز" و"الهوية"؛ ولكننا، في أوقات الضِّيق والشدة، أي عندما يُسْتَفَز "الجاهلي" الكامن فينا، نُسْرِع في الارتداد إلى الميِّت، الحي أبداً في نفوسنا ومشاعرنا، وفي "الباطن"، أي الحقيقي، من وعينا.
إننَّا نظلُّ في ثقافتنا الحقيقية من أحفاد عبس وذبيان مهما تسربلنا بسرابيل "القومية" و"الليبرالية" و"العلمانية" و"اليسارية"، فكلُّ متسربلٍ بسربال منها، أو من غيرها ممَّا يشبهها، يكفي أن تَسْتَفِزَّ "الجاهلي" الكامن فيه حتى يرجع القهقرى إلى "قبيلته" و"قبليته"، وإلى ما تفرَّع منهما من دولٍ وأوطان وأحزاب..
تعصَّبوا وانحازوا؛ ولكن ليس لأشياء لم تختروها اختيارا، كالقبيلة والطائفة الدينية، وإنَّما لأشياء اخترتموها بأنفسكم، كالفكر الذي تتسربلون به تسربلاً.
في عيوننا تَصْغُر العظائم، فتهويد أولى القبلتين.. وحرق أهل غزة في أفران الغاز الإسرائيلية وسقوط عاصمة الرشيد وتبخُّر المال العربي في "وول ستريت".. هي بعضٌ من تلك العظائم التي تصغر في عيوننا، وتستصغرها عقولنا الصغيرة.
وفيها، أي في عيوننا، تعظم الصغائر، فالطريق إلى "الكأس" سيسير فيها المصري ولو على جُثَّة الجزائري، والجزائري ولو على جُثَّة المصري؛ أمَّا أشقَّائهما فبعضهم تعصَّب لهذا ضدَّ ذاك، وبعضهم تعصَّب لذاك ضدَّ هذا، ولو كانت "الكرة" التي يتقاذفانها هي "الأُمَّة"، صورةً ومكانةً وسمعةً وقضيةً..
إنَّها "الكأس"، لا فلسطين ولا العراق ولا..، هي السيف الذي في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعب؛ ولكن، هل للمهزومين في كل قضية ينبغي لهم أن ينتصروا لها، وفيها، من نصرٍ يسعون إليه غير هذا الذي يمكن أن يجيئهم من صراع "القدم والكرة"؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-نعم- للقرار الدولي.. و-لا- لإعلان الدولة!
-
مسار -الدولة من طرف واحد-.. ماذا يعني؟
-
عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!
-
بعض من ملامح -البديل- الفلسطيني
-
ما هي -المادة-.. وكيف يُمْسَخ مفهومها ويُشوَّه؟
-
كيف تُدَجِّن شعباً؟
-
خرافة -الدولة- في عالمنا العربي!
-
-قرار عباس-.. كيف يمكن أن يوظَّف في خدمة الفلسطينيين؟
-
السَّفَر في الفضاء.. كيف يكون سَفَراً في الزمان؟
-
بلفور.. -الأسلمة- بعد -التعريب-؟!
-
الحُبُّ
-
90 في المئة!
-
خيار -السلام- أم خيار -اللا خيار-؟!
-
-بالون أوباما- إذ -نفَّسه- نتنياهو!
-
فساد شيراك..!
-
في التفسير الميثولوجي للتاريخ.. والسياسة!
-
في مديح وهجاء -وادي عربة-!
-
قيادات فضائية!
-
ما هي -الدولة-.. عربياً؟
-
بوستروم.. لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّاً!
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|