|
الدولة العربية القبلية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2833 - 2009 / 11 / 18 - 13:33
المحور:
كتابات ساخرة
كان الانتماء القبلي ومازال ديدن وهاجس المواطن العربي أينما حل ورحل، ومازال سؤال الهوية الدينية والقبيلة والطائفية هو السؤال الأول في بروتوكولات التعارف الاجتماعي، ومن هنا يحصل الالتقاء والاستمرار أو الافتراق والابتعاد، وهناك قبائل دنيا، وقبائل معصومة، وقبائل مغضوب عليها، وقبائل لا تجرؤ على التعبير عن نفسها، وأخرى غيرت من انتمائها، ومن اسمها. وإلى اليوم، وبرغم الانفتاح العولمي الكبير، فما زال كثيرون يتباهون بانتمائهم القبلي وليس الوطني، ويعولون على القبيلة والانتماء القبلي، في تحديد وترتيب شؤون حياته، وما تزال كثير من أنظمة الحكم في المنطقة تحكم باسم القبيلة، وتستقوي بها، وتميـّز أبناءها عن غيرها من القبائل الأفق والأدنى شأناً، ومهما أوتوا من عبقرية وذكاء وإبداع، وهناك رواتب وتعويضات وامتيازات عالية توهب وتمنح منذ الولادة لأبناء القبائل الحاكمة، فيما يحرم ابن القبائل الأصغر من تلك الميزات. كما وارتبطت، في المنظومة القبلية الشرق أوسطية، كثير من التكتلات القبلية والعشائرية والمذهبية بالمكان ،وصارت لازمة لها، فهذه المدينة حكراً على قبيلة ما، وتسكنها هذه القبيلة، بالذات، وتلك الدولة لتلك القبيلة، وتلك القرية لتلك العشيرة، وهذه الوزارة لتلك الطائفة (كما حصل في لبنان). وحين تمكن البعث العراقي من الحكم في العراق، منع الألقاب القبلية، وأسماء العشائر لوقت طويل، واكتفي صدام حسن باسمه هذا من غير الإشارة إلى التكارتة والتكريتي، وانسحب هذا على كافة المسؤوليين، نظراً لخطر هذا على المفهوم الوطني الأأكبر والأشمل والأعم، لكنها، عادت اليوم، وبكل أسف، مع العراق "الجديد"، أكثر قوة، وكل الشكر والحمد لله. كما لا تزال المعايير والأسس القبيلة والعشائرية هي الطاغية في الارتقاء والوصول للمراكز العليا والحساسة في دول في المنظومة الشرق أوسطية، ومازالت الصداقات والعلاقات والزيجات وبعض التعاملات التجارية والولاءات السياسية قائمة على الانتماء القبلي ويؤثر على تقارب وتباعد القبائل بعضها عن بعض، فرابطة الدم أقوى من كل الروابط والاعتبارات، وما زال يتردد حتى اليوم، القول المأثور (الدم لا يصبح ماء).
وينسحب هذا الأمر أيضاً على ما يسمى بالمؤسسات الرسمية العربية التي يحكمها الفكر القبلي، وما زالت وزارات ومناصب ومراكز عليا مفتوحة على أبناء قبائل عليا، ومـَرضٍ عنها، ولكنها مغلقة أمام قبائل دنياً مغضوب عليها، والعياذ بالله، ولا يسمح لهم بالدخول إليها، كما هو حال بعض "الفرق" الضالة واالمارقة"، في المنظومة الخليجية، التي استبعدت تاريخياً من الجيش، والخارجية والدفاع والأمن...إلخ.
ومن هنا فلا يجوز إطلاق لقب وزارة ، أو مجلس وزراء، أو أي لقب مؤسسي على ما يسمى بإدارات الدول العربية القبلية المعاصرة، بل قد تكون التسميات الأفضل في هذه الحالة، هي قبيلة الخارجية، أو قبيلة الدفاع، وقبيلة الإعلام، أو قبلية كونهااً، وقبيلة المواصلات والصحة والتموين لطغيان العلاقات القبيلة عليها. وهناك مجالس وزراء في المنظومة الخليجية فيها عشرة وزراء من نفس القبيلة أو العائلة، وهذا ما لا يجعله مجلس وزراء دولة بقدر ما هو مجلس وزراء قبيلة أو عائلة. ومن هنا يمكن لبعض الوافدين، "كما يسمون"، في المنظومة الخليجية أن يقولوا نحن نعمل لدى القبيلة الفلانية، وموظفون لدى قبيلة آل كذا، وليس الدولة الفلانية، كما يقال فهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. وتعتبر السعودية أكثر دول تلك المنظومة شفافية، ومباشرة وأصدقها تعاطيها مع هذا الأمر حين أطلق الملك الراحل عبد العزيز مؤسس الدولة اسم السعودية على تلك الدولة، وارتاح من كل ذلك الغم والهم واختصر الطريق على كل شيء، ووصف الحال كما هو. وكل مسؤول قبلي يتسلم زمام "إقطاعة قبلية"، وليس مؤسسة وطنية، يأتي معه بأبناء قبيلته، لتصبح هذه الوزارة مرتعاً، و"مضرباً أخراً لمضارب القبيلة"، ويتم تكنية وتسمية تلك الوزارة باسم تلك القبيلة، فيردد العامة، لقد انتقلت وزارة الخارجية مثلاً للقبيلة الفلانية، أو أن تلك القبيلة أقصيت عن الوزارة "العلتانية"، وحين يأتي مسؤول جديد، لتلك الإقطاعة القبيلة، وهو من غير القبيلة الأولية، فسرعان ما يطيح بكل أبناء القبيلة السابقة، ويغضب عليهم، ويحل محلهم أبناء قبيلته. ومن هنا تصبح الأسماء الصحيحة، في هكذا حالات، زعيم قبيلة الخارجية، وزعيم قبيلة الدفاع، وزعيم قبيلة المواصلات، وإذا كان زعيم القبيلة قومياً وناصرياً، أصبحت القبيلة كلها، بإذن الله، قومية، وهكذا دواليك، وينسحب على باقي التيارات والأحزاب.
والأحزاب العربية المعاصرة ليست هي الأخرى معفاة أو بعيد عن القبيلة، وأصبحت أحزاب عائلات، وعشائر وتكتلات قبلية هي الأخرى، وعادة ما يصوت أبناء القبيلة السلفية لابن قبيلتهم الماركسي "شكلاً"، أو أبناء القبيلة الماركسية لابن قبيلتهم السلفي، وحتى لو كان من شيوخ السلفية والتكفيرين، فالولاء القبلي أولاً وأخيرة، وهذا ما ظهر، وجاء في جميع الانتخابات "الأمريكية" التي جرت في الدول القبلية العربية، حيث لم يصوت أحد لخارج انتمائه وولائه القبلي، والمذهبي.
هذا هو، غيض من فيض، عن واقع الحال القبلي في المنظومة القبلية الشرق أوسطية، ولا أراكم الله مكروهاً، ولا دولة عربية، على حد سواء....
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كاتيوشا حوثية؟ أكثر من مجرد عصابة
-
إلى الأستاذ سعد الدين الحريري/ المحترم:
-
الحوثية و الوهابية الصدام المؤجل
-
المحرقة الحوثية والحروب المنسية
-
إلى سعادة الأخ وزير الداخلية القطري/ المحترم:
-
رسالة من إخونجي
-
إلى الرفيق الأمين العام لحزب الكلكة
-
أكثرُ مِن مجرّد هِلال شيعي
-
خفايا نضال مالك حسن الأصولية
-
معارِكُهم الحضارية
-
تهديد جديد بالقتل والمطالبة بإعدام نضال نعيسة من قبل جماعة ا
...
-
السعودية بين فكي الحوثيين والقاعدة
-
نضال مالك حسن بطل أم قاتل؟
-
الشيعة قادمون
-
العنصرية في خطاب المعارضة السورية
-
هلِ الوحدةُ العربيّةُ ضرورية؟؟
-
سوريا: انفتاح بلا حدود
-
سايكس- بيكو أمانة في أعناقكم!!!
-
العثور على أكبر مقبرة عقلية جماعية في العالم: دعوى عاجلة على
...
-
لا للشراكة الأوروبية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|