|
مؤشرات الثقافة العربية
بريهان الجاف
الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 19:44
المحور:
الادب والفن
في السنوات الأخيرة برزت بشكل كبير ظاهرة صناعة التقارير التي ترصد حال الثقافة والمعرفة في عالمنا العربي، على الرغم من عدم توفر البيانات الرقمية الدقيقة والأمينة من قبل المؤسسات الرسمية العربية المرتبطة بالحكومات ، لأنه بتلك الأرقام الدقيقة ستكشف سؤ حال ثقافة ومعرفة المواطن العربي الذي يحيا في ظل أنظمة ما تزال تقمع الحريات الثقافية العامة و«حرية المبادرة» كبيئة أولية لتشكل المناخ الثقافي والمعرفي الحيوي، بل وأن الكثير من هذه الأنظمة السياسية، ما زال يعتبر «الأمن الثقافي» جزءاً من منظومته الأمنية العامة. وحين نطالع تقرير المعرفة العربي لعام 2009، الذي صدر في دبي من خلال المنتدى الاستراتيجي العربي، بشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد. ففي شأن الأمية المعرفية يبدو التقرير متشائم في رصده لهذه الظاهرة الثقافية. فقد عبر عن ذلك بأن ثلث السكان في الوطن العربي الكبار عاجزين عن القراءة والكتابة، ولا يزال هناك 60 مليون أمي عربي، ثلثاهم من النساء، وما يقارب 9 ملايين طفل في عمر المدرسة، لكنهم خارج أسوار الدراسة». وهذه دلالة لا تقبل الجدل في الحالة السوداوية لواقع انتشار الأمية في العالم العربي، فستون مليون أمي غير قادرين على القراءة والكتابة وهم كتلة سكانية بحجم الأمة الفرنسية، ما زالت دون القدرة على أبسط أشكال التفاعل الحديثة، وبالذات منهم نحو أربعين مليون امرأة، أي أن أربعين مليون عائلة عربية، راهناً ومستقبلاً، ستنشأ في ظل رعاية أم أمية. أما تقرير التنمية الثقافية الأول الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي بالتعاون مع المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا ومركز دراسات الخليج العربي يذهب إلى زاوية أخرى لتشكيل نوع من التفاؤل في هذا الجانب. فقد عبر عن ذلك بـ «إن واقع وجودة التعليم في العالم العربي يتصاعدان بطريقة ممتازة، فقد قفزت نسبة مرتادي المؤسسات التعليمية في كل مراحلها إلى 800 في المئة بين عامي 1975 -2008، وهي من أعلى نسب التنمية التعليمية في العالم». ما يلاحظ أن التقرير الأول أعتبر أن الأرقام هي المعيار في رصد تشاؤمها عن واقع الأمية في العالم العربي، ومن دون أن تراعي أن الزيادة السكانية الهائلة في العالم العربي، خلال العقود الثلاثة الماضية، هي من شكلت هذا العدد الهائل من الأميين، ومن دون أن يعني ذلك زيادة في نسبتهم. فلو كان عدد سكان العالم العربي منذ نصف قرن يبلغ 100 مليون نسمة ومنهم 30 مليون أمي، ومن ثم بلغ عام 2009 عددهم 300 مليون، والأميون منهم 60 مليوناً، ذلك لا يعني فقط أن الأميين العرب قد ازدادوا ثلاثين مليوناً فحسب، بصورة متشائمة، بل أيضاً يعني أن نسبة الأميين في العالم العربي قد خفضت من 30 % إلى 20 %. لذا تبدو الأرقام المجردة من دون النسبية، تعاني نوعاً من الانزياح إلى رؤية إيديولوجية في حقل معرفي. وعلى عكس ذلك يمكن أن يقال بشأن النسب التي أوردها التقرير الثاني، حيث رصد النسبة المطلقة بين مرتادي المؤسسات التعليمية في ما بينهم فحسب، غير ملاحظ أن تلك النسبة لا تعني الزيادة في ارتفاع نسبتهم بين مجموع المواطنين، وأيضاً لا يعني نموهم بالنسبة وبالمقارنة مع غير مناطق بالعالم. وهو أيضاً لغط معرفي آخر. التقريران يؤسسان بطريقة غير محكمة لنوع من الرضا عن الواقع الإعلامي في العالم العربي مثلاً. فالتقرير الأول يذهب إلى «أن معدل زيادة مستخدمي اللغة العربية هو الأعلى بين مجموعة اللغات العشر الأولى على الشبكة العنكبوتية، حيث بلغ معدل الزيادة العربية 2064% خلال الفترة من عام 2000 2008، أي نحو 60 مليون شخص.. الخ». أما التقرير الثاني، في رصده لنفس الظاهرة، فإنه يأخذ ذات الصورة وبأرقام ودلالات أخرى: «بلغ عددها الإجمالي للصحف اليومية في الدول العربية عام 2006 حوالي /267/ صحيفة ووصل عدد الصحف الأسبوعية إلى /507/ صحف وبلغ عدد القنوات الفضائية العربية/482/ قناة مضافاً إليها قنوات التليفزيون المشفرة إضافة إلى نمو معدلات أجهزة توفير خدمة الانترنت وارتفاع عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي من/ 700 ألف/ عام 1998 ليصل إلى /5،1 مليون/ مستخدم عام 1999 بزيادة 104 في المئة، علاوة على الزيادة الكبيرة في عدد المواقع العربية المسجلة على الانترنت بنسبة بلغت 353 في المئة خلال الفترة من عام 2000 2007».في مثل هذه الفقرات ثمة انزياح بالغ لتشكيل صورة عمومية وأقل دلالة في رسم الملمح الحقيقي العام. فهل حقاً أن زيادة عدد المواطنين الذين يرتادون شبكة الانترنت يعني فعلاً زيادة فاعلية هذه الشبكة في تكوين وعيهم العلمي المعرفي، ويعني ذلك نمواً ايجابياً في درجة تفاعلهم وعاملاً مساعداً في التنمية الإنسانية. فكم هي نسبة المرتادين للمواقع المعرفية والإعلامية والفكرية من بين الذين يرتادون مواقع الدردشة والألعاب والتواصل الافتراضي مثلاً؟. طبعاً لا جواب لذلك في التقريرين. وهل حقاً أن زيادة عدد الصحف اليومية والأسبوعية والمواقع الالكترونية، دليل مجرد وإيجابي على تطور في حقول الحريات العامة والتعبيرات السياسية والاجتماعية في هذه البلدان. ففي بلد مثل سوريا مثلاً، تم الترخيص في السنوات الخمس الماضية لإصدار المئات من الدوريات الإعلامية، لكن بينها دورية سياسية يومية واحدة، ومضبوطة بخطاب إعلامي يقارب ويزايد على الخطاب الإعلامي الرسمي نفسه. فهل حقاً من الاتساق المعرفي رصد الجانب الكمي العددي المجرد مقابل عجز عن كشف دلالات وتعبيرات هذه الأرقام المرصودة في حقول غير الكمية الوصفية الحسية. فهل يصح مثلاً أن نتفاءل بتقرير يقول إن بلداً ما شهد نمواً في عدد صحفه اليومية، في الوقت الذي يصدر تقرير آخر عن نفس البلد يصف حالة الحريات بـ«لا مجال للتنفس»!؟.
#بريهان_الجاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة حقوق الانسان
-
لحظة البوح
-
لجوء وطن
-
رسائل من اللاذقية
-
دفاعا عن الأصنام
-
حوارات مع الذات
-
المجتمع المدني والحقوق الطبيعية
-
العرب والديمقراطية
-
قراءة في تفكير الغرب
-
المراهقة و أساليب علاجها
-
171 مراهق
-
تجاوز ايها الرجل شرقيتك
-
دور وواقع المجتمع المدني
-
ثقافة بلا صخب ولا ضجيج
-
الرجل الشرقي والنت
-
إليك أيها الرجل
-
ثقافة العنف الى أين؟؟
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|