جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2829 - 2009 / 11 / 14 - 22:35
المحور:
سيرة ذاتية
أول مر ة شعرتُ فيها أن عُمري بدء بالتقدم هو في إحدى السرابيس النقل حيث خاطبتني بنت صبيه في مقتبل العشرين بكلمة (يا عموه) وشعرتُ فيها أني كبرت وحين دخلتُ منزلي نظرتُ في المرآة فرأيت بعض الشُعيرات البيض في رأسي فتأثرتُ كثيراً رغم أنني كنت أحلم أن يصبح لون شعري أبيضاً وأنا في منتصف العشرينيات.
صدقوني أن نوبات الهلع تنتابني كلما أقتربُ من سن الأربعين ومن نهايته , إنني مثل طفل صغير خائفٌ من العتمه.
اليوم أراجع حساباتي واعتقدُ أنني لن أصبح شيئاً مهماً , فلن أصبح موسيقاراً ولا فناناً وكل مواهبي استعملتها واستنفذتُ كل طاقاتي ولم أكسب أي شيء وها أنا أطوي صفحة العمر ولن أبدء مشواراً جديداً من حياتي , حتى مهنتي كمعلم بناء لن أستطيع العمل فيها بيدي لمدة خمس سنوات أخر فهذا مستحيل جداً , إنني على شفير الهاوية.
في هذا اليوم وفي اليوم الماضي وبالذات في ليلة الأمس أجريتُ فحوصات ذاتية على نفسي لأختبر قدراتي النفسية والصحية والعضلية وحاولتُ أن أمشي في الشارع كما كنتُ وأنا في سن العشرين أو الثلاثين حاولت اكتشاف قدراتي لسبب وجيه وهو أنني بدأت أشعرُ أنني أقتربُ من سن الأربعين , إنه سن مخيف , كنتُ أسمع من كبار السن وأنا صبي صغير أن الإنسان يبقى ينمو حتى سن الأربعين وبعد ذلك يبدأ بالتراجع وأن في رأس الإنسان أربعون جورة أي حُفرةً في كل عام تمتلأ حفرة حتى تمتلأ كل الحفر وبعد ذلك حين يصل الإنسان للحفرة رقم أربعين يبدأ بتفريغ حفرة في كل عام.
خرافات أو ليست خرافات المهم أنها دلائل تعبيرية تعبر عن المخاوف التي بداخلنا , أنا الآن في سن الأربعين ولا أشكو من أي عارض صحي ولكن زملائي الذين من عُمري يشكو بعضهم من السكري والبعض من ضغط الدم والبعض من الدسك والقرحة , وأنا لا أشكو من شيء ولن مرحلة الشكوى ليست بعيدة عني إنها على ما يبدوا مسافة عام أو عامين أو عشرة أعوام أو خمسة أعوام , لا أدري بالتحديد ولكني حتماً سأشكو من معضلات صحية.
سن الأربعين ورقم الأربعين بدء يؤلمني ويقلقني جداً , قبل أكثر من 15 عشر عاماً كان جاري الذي يجلس أمام بيته تقريباً في مثل عمري أنا اليوم وهو اليوم يبلغُ من العمر 55عاما, يشكو من آلام كثيرة ولكنه قبل 15 سنة كان مثلي بل وكانت صحته أفضل مني , وإنني على ما يبدو سأصبح مثله أجلس على باب الدار بلا حراك.
قال لي أحد كبار السن من أقربائي مرة شوف يا ولد الإنسان ببدأ حياته مثل الفئر يدخل في كل جحر , فقلتُ له فعلاً أنا كنت في سن العشرين أخرج من السينما إلى المنتديات الثقافية ومن منتدى إلى منتدى وكنتُ أقفُ على أرجلي في مكتبة جامعة اليرموك مدة 4 ساعات وأنا أنتقلُ بين الكتب والدوريات فعلاً أنا فئر أقصد كنتُ فئراً.
ثم قال: وبعد ذلك يتزوج ويصبح حماراً مطيعاً يذهب للعمل ويعمل دون أن يفتح فمه ومن بعد ذلك يعود للمنزل محملاً بأكياس الخضروات واللوازم المنزلية وفي الليل يحمل بواقي الطعام إلى حاوية النفايات , فقلتُ له فعلاً أنا اليوم أشعرُ أنني أعملُ في النهار عتالاً وفي الليل زبالاً أحملُ النفايات إلى الحاويات,
ثم قال وبعد سن الخمسين يجلس على باب الدار ينبحُ على أولاده وأولاد أولاده ولا أحد يسمع له وكأنه كلب ينبح كثيراً ويسكتُ لوحده.
فقلت أنا هذه المرحله لسّا بكير عليها.
بس عن جد يا جماعه كل انسان تجاوز هذا السن لربما أنه شعر بما أشعرُ به أنا اليوم , أنا اليوم ليس على ما يرام اليوم أشعرُ بالتعب من أشياء لم أكن أتعبُ منها اليوم أقرأ ساعة فأتعب من القراءة وكنتُ في سن العشرين والخامسة والعشرين أقرء لمدة ثماني ساعات على أقل تقدير وصدقوني أحياناً كنتُ أقرأ لمدة يومين أو ثلاثة أيام متواصلات في كل شيء كنت أقرأ في الفلسفة والمسرح وعلم الةنفس والتاريخ الطبيعي والنحو العربي وعالم الحيوانات..إلخ.
سن الأربعين سن كله خوف.
ويقولون أن النساء يخفن من هذا السن بسبب بداية انقطاع الدورة الشهرية
هاقد طويتُ صفحة من عمري اسمها (الأربعون) بلغ عمري الأربعون عاماً وكلما أقتربُ من هذا العمر كلما أشعرُ بالخوف , كنتُ أسمعُ عن التعب والإرهاق سمعة ولكن مع اقترابي من سن الأربعين أشعرُ أنني سأشعرُ بالتعب أو أنني سأبدأ أشعرُ بالتعب.
صدقوني إن الخوف يعتريني وكأنني امرأة بلغت سن اليئس , إنني آيس من عمري ومن زهوي ومن ضحكي ومن شبابي وخصوصاً تلك الشعيرات البيض التي رأيتها هذا اليوم في صدري , لأول مرة أرى شُعيرات بيض في صدري , إنها مفاجأة مخيفة وقررتُ عدم الكتابة لمدة ثلاثة أيام ولكنني ألفيتُ نفسي تمسك بالقلم وتحاول أن تُعبر عن سن الأربعين .
ومددتُ يدي إلى مكتبتي وأخرجتُ منها ديوان شعر العقاد (وحي الأربعين) كذلك العقاد كان للأربعين في حياته لوناً جديداً وقصة وذاكرة جديدة.
الآن أفكرُ من سيعطيني من عُمره؟ إلى جانب العمر المتبقي من عُمري؟
ومن ذا يا ترا سيخرجُ عليّ في يوم أبيض وكله نور يكون وضعه وشكله بالنسبة لي مثل نافذة الفَرجْ (طاقة الفرج) التي كانت تشاهدها الفتاحة التي تفتح لأمي فنجان قهوتها أو مثل الخروج في النهار فالخروج في النهار هو الإسم العلمي للمادة الأدبية الفرعونية.
ومن يا ترى ستعيدُ لي شبابي ؟
من يا ترى ستعيدُ لي زهوي , العمرُ ينقضي وأنا خائف جداً من هذا السن .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟